كم مِنْ عظيمٍ أَجَلَّ النَّـاسُ منزلَهُ
وَهْوَ الحقيـرُ أمامَ الواحدِ الأحدِ

وكمْ ضعيفٍ يعافُ النَّـاسُ رؤيتَهُ
وَهْوَ الكريمُ بـدارِ الخُلْدِ لـلأَبـَدِ

هذا يُؤمِّـلُ في الدنيـا وزيـنـتِها
وذاكَ يزرعُ في الأخرَى بألفِ يَدِ

وذاك يسعَى إلى الرحمنِ في عَجَلٍ
ودونَهُ .. مَنْ يرَى الإسراعَ للعدَدِ

والنَّاسُ في الأَرْضِ أشتاتٌ تُحرِّكُهُمْ
شتَّى المطامعِ للإفسادِ واللَدَدِ

وقلّ في الناسِ من تصفو بشاشتُهُ
وليس يُخفي فؤادًا ذابَ في الكَمَدِ

تصارعَ النّاسُ والدنيا فريستُهمْ
وكمْ عَجِيبٍ .. صِرَاعٌ في فَمِ الأسدِ!

بعضُ النُّفوسِ ربيعٌ،حين تبصرُها
تلقى الربيعَ على غِـلٍّ .. على حَسَدِ

وخيرُها -اليومَ- من أبقاكَ مُنفردًا
وليسَ يؤذيـكَ كالحيّـاتِ يا ولدي

فلْتلزَمِ الحقَّ تَصْعَدْ للجنانِ بهِ
وَإِنْ خسِرتَ .. فكلُّ الأَرْضِ كالزّبَدِ

إنَّ الحكيمَ مَنِ استغنى بباقيةٍ
وَلَمْ يَبِعْ جوهرًا كالماسِ بالبَرَدِ

إنَّ القصورَ-وإِنْ شيّدتَ- فانيةٌ
فاجعلْ قصورَكَ في الفردوسِ واجتَهِدِ

لا تحْرصنَّ على دنيا مخادعةٍ
تغوي الجميعَ ولا تبقي على أحَدِ

شادَ الملوكُ بها مُلْكًا ومملكةً
بالأمسِ ثُمَّ انْمَحَى ما شيّدوا بِغَدِ

وَقِفْ على القبرِ واسألْ ساكنيهِ فَلنْ
تلقى الجوابَ بَمَخْفِيٍّ ولا فَنَدِ

واهتِفْ بمَنْ دوّخوا الدنيا بِسُلطَتِهمْ
أينَ المناصبُ أو ما كانَ مِنْ رَغَدِ ؟
.
محمود عربانو