• Visit Dar-us-Salam.com for all your Islamic shopping needs!

9 يونيو, 2011 ديمقراطية جدي

أضف تعليقك

كان جدي لأبي –رحمه الله تعالى- ذا شخصية قوية، ولا يسعه إلا أن يفرض رأيه في كل الأمور. وقد اعتاد أن يُجهِّز اسماً لكلٍ من أحفاده قبيل ولادته، سواء كان المولود ذكراً أم أنثى، ولا يعطي مجالاً للنقاش في هذا الموضوع.

عندما وُلدتُ بدا جدي ديمقراطيا،ً وخيَّرَ أهل البيت بين ثلاثة أسماء: نجم، شبلي، صقر، فاختاروا اسم "نجم". لكنه أبى أن يمنح خياراتٍ بعد ذلك البتة، فاختار اسم "نصر" لأخي الذي يصغرني ثم اسم "يسر" للذي يليه.

عندما وُلد "يسر" كنت في السابعة من عمري وقد حضرت النقاش الذي دار بين جدي وعمتي الكبرى التي حاولت أن تثنيه عن اسم "يسر"، واستجدته أن يسميه "ناصر أو منصور أو منتصر" فاستشاط غاضباً وحلف بالطلاق ان يكون الاسم "يسر" وقد كان. رحمك الله يا جدي وأسكنك فسيح جناته.
بقلم:نجم رضوان

8 يونيو, 2011 كن رجلاً مرّاً

أضف تعليقك

كان لشقيقتي الكبرى -تكبرني بعام ونصف- معزة خاصة عند جدي رحمه الله تعالى، فلا يرفض لها طلباً، ولطالما تشاجرتُ معها، فتذهب وتشتكيني لجدي، ليأتي بحزامه الأسود العريض ويجلدني به من دون هوادة ويكيل لي وابلاً من الشتائم ينهيها بقوله: "ألم أقل لك أنك لا تستحق اسم نجم". ولا أذكر أنه عفى عني ولو لمرة واحدة، أو أنه حاول أن يتعرف على البادئ في الاعتداء. كان جدي يردد على مسمعي دائماً :"كن رجلاً مرّاً ولم أكن أفهم معنى تلك الجملة ولم يبادر هو ولا غيره لشرحها لي.

ذات يومٍ -كنت في الصف الأول الإبتدائي- دخلت خلسة غرفة جدي، وكان قد خرج للتسوق فشربت فنجاناً من القهوة العربية التي كانت تعدها عمتي الصغرى لجدي وتضعها في غرفته كل صباح، وقررت أن أصلي الظهر في الغرفة وعلى سجادة صلاته. وبينما أنا أصلي وإذا بجدي يدخل الغرفة فجأة فخفتُ منه وقطعت الصلاة، فعاتبني بلطف على قطعي الصلاة وطلب مني أن أتمها، وعلمني كيف أجلس جلوس التشهد الأخير، ولم يعنفني على دخولي الغرفة في غيابه، لكنه لم يعلم أني شربت من قهوته، وإلا لكان له شأن آخر معي. وللحديث بقية…..
بقلم:نجم رضوان

أضف تعليقك

ذات يومٍ أراد جدّي أن يمارس مهارته في الحلاقة في حفيده العبد الفقير إلى الله "نجم"، وكان لديه آلة حلاقة قديمة أكل عليها الزمان وشرب، تقتلع شعر الرأس اقتلاعاً بدل أن تحلقه حلقاً، فتشعر بأن روحك تخرج من جسدك مع كل شعرة تقتلعها.

توسلتُ لجدي أن يذهب بي إلى "حسنين" الحلاق الذي كان يتقاضى نصف قرش على حلاقة الرأس فأبى جدي لكنه لم يحلف بالطلاق.

أجلسني جدي في فناء المنزل وكان الجو صيفيّاً حاراً وبدأ بحلاقة شعر رأسي ودموعي تنهمر على وجنتيّ فتختلط بالعرق المتصبب على وجهي والشعر الذي تقتلعه آلة الحلاقة. وفجأةً تعطلت آلة الحلاقة فحمدت الله تعالى على ذلك، لكن ما العمل الآن بعد أن ذهب نصف شعر رأسي وبقي النصف الآخر؟.

اضطر جدي لاصطحابي بهذا المنظر غير المألوف آنذاك ألى "حسنين"الحلاق، وكلما قابل أحد معارفه وهو في الطريق يشرح له ما جرى، بعد أن يصب جام غضبه على آلة الحلاقة المشؤومة. المهم أن جدي لم يمارس موهبته في الحلاقة بعذ ذلك، فصرتُ أذهب إلى "حسنين" كلما احتاج الأمر. والحمد لله رب العالمين
بقلم:نجم رضوان

1 يناير, 2011 وأصيبت رجلي بكسر

أضف تعليقك

كان جدي يرفض أن تُعالجَ إصابات كسور العظام عند طبيب العظام، ظناً منه أن العضو المصاب إذا ما وُضع عليه الجبص يتعفن ثم يأمر الطبيب ببتره.

وعندما أُصبتُ بكسر في فخدي اليمنى –كنت في الخامسة من عمري- بعد سقوطي من سيارة مسرعة لم يُحكم إغلاق بابها الخلفي، لم يفلح أحد في إقناع جدي بضرورة وضع الجبص عليها، ورفض رفضاً باتاً جازماً حاسماً الذهاب بي إلى المشفى، وأصرَّ على علاجي عند من يُسمّى باللغة الدارجة بِ"المُجبّر".

لم يكن في مدينة "جنين التي نعيش فيها "مجبّر"، ونما إلى علم جدي وجود "مجبّر"في قرية "عرابة" يكنّى أبا مصطفى. ورغم أني أُصبت بالكسر في منتصف النهار إلا أننا وصلنا بيت أبي مصطفى مع العِشاء، وأنا أُقاسي من شدة الألم الذي أخذ مني كلَّ مأخذ.

ولمّا كان أبو مصطفى شيخاً طاعناً في السن طلب أن نبقى في "عرابة" لمباشرة العلاج لأنه ليس باستطاعته القدوم إلى "جنين" كل يوم، وتبرع شقيقه أبو الصادق –جزاه الله خيراً- باستضافتنا في بيته طوال فترة العلاج، فبقيت أنا وأمي في بيته فترة ليست بالقصيرة.

بعد مضي أكثر من عشرين يوماً من العلاج بدأ العظم بالتماسك، لكن أبا مصطفى اكتشف اعوجاجاً في رجلي، فما كان منه إلا أن وقف عليها وأعاد كسر العظم مرة ثانية ليباشر العلاج من جديد. كل هذا تمَّ دون إي نوع من التخدير، رغم بلوغ صراخي عنان السماء.

عندما تماثلت للشفاء عدنا إلى "جنين"، واستغرق الأمر شهراً آخر حتى شُفيتُ تماماً.  ولا أنسى أن جدي كان يحضر لي ما لذَّ وطاب من الطعام، فكان الآخرون يحسدونني على ما أنا فيه من نعَم وخيرات، دون التفات إلى ما عانيته من ألم ومشقة.
بقلم نجم رضوان

21 ديسمبر, 2010 كان جدِّي

أضف تعليقك

( إلى جدّي العزيز في ذكراه )

إنْ قُلْتُ: قدْ كَبِرْتَ
قالَ لي:
بُنَيَّ.. لا يَكْبَرُ إنْسَانٌ
ولو عَمَّرَ في الأرْضِ قُرُونَا

قدْ كَانَ جَدِّي رَائِعاً
ومُرْهَفَ القَلْبِ
حَنُونَا

إنْ قُلْتُ: قدْ تَعِبْتَ
قالَ لي:
بُنَيَّ.. إنِّي بالغُ العَزْمِ
ولا تَمَلُّ مِنْ كَدٍّ يَدَيَّا

قدْ كَانَ جَدِّيِ مُخْلَصاً
وكَانَ صِدِّيقاً
وَفِيَّا

ومَاتَ جَدِّي
لا كَمَا يَمُوتُ في الأرْضِ البَشَرْ

مَاتَ.. وعَاشَتْ سِيرَةٌ
تسْتَحْضِرُ العُمْرَ العَطِرْ

تَهْفُو إليهِ النَّاسُ
والحُقُولُ.. والطُيُورُ
يبْكِيهِ القَمَرْ

قدْ صَارَ جَدِّي سِيرَةً
وكَانَ دَائِماً يقُولُ:
نَحْنُ في الدُّنْيَا سِيَرْ

وليــد جلال

23 نوفمبر, 2010 حكاية جدي

أضف تعليقك

كان جدي يغمض عينيه ويركض في الحقل مسرعاً حاملاً زوادته على خصره وبيده اليمنى جاروف يسوي به الأرض.
والحقل واسع يقبع على منحدر جميل ، باكرا عند مطلع كل فجر يحمل إبريق الشاي متجهاً إلى عرزاله.
يشعل النار في الأسفل، ويغلي الشاي ببطء ممل.
وفي بداية الربيع يشتري خروفا صغيراً يطعمه بنهم كي يكبر يتحسسه كل صباح على ظهره وعندما يأتي العيد يذبحه نأكل نصفه والنصف الآخر يوزعه على الجيران.

أيام الصيف كان جدي يسهر على سطح بيتنا هو ومجموعة من رجال القرية يتسامرون ويتبادلون الحكايات والأحاديث، عن أحداث حدثت وأحداث لم تحدث وضحكاتهم وأصواتهم تملأ المكان.
كان جدي يتردد على المدينة أسبوعيا وكنت ألح عليه كل مرة ليأخذني معه لكنه كان يرفض، أخيرا أخذني معه لم يمسك بيدي تركني على راحتي مبهوراً بزحمة المدينة ابتعدتُ عنه قليلاً ، ركض خلفي كالطيرِ ولما اشتد لهاثه ارتميت على الأرضِ ابكي .

كان لجدي غرفته الخاصة في إحدى الزوايا تجلس باسترخاء خزانة صغيرة زجاجها مكسور تحتوي على بعض الكتب القديمة لصادق الرافعي ومصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران وعدد كبير من الكتب الدينية وفي الزاوية الأخرى دق مسمار طويل بالجدار علق عليه عشرات (السبحات) كان قد جمعها من أصدقائه القادمين من بيت الله الحرام وعلى رف مجاور المهباج والمحماسة اللذين يصنع بهما قهوته، وخلف الباب النرجيلة المزينة بالخرز والسلاسل الفضية، وفي منتصف الحائط صورة قديمة لوالد جدي الذي هاجر إلى الأرجنتين منذ فترة طويلة وانقطعت أخباره ولم تصل منه بضع رسائل، كان محظوراً علينا الدخول الى الغرفة خوفاً من العبث بمحتوياتها لكني كنت ادخل خلسة بين الحين والحين لأخذ كتاباً أقرؤه وأعيده دون أن يحس بي احد وهكذا قرأت العبرات والنظرات وتحت ظلال الزيزفون والمجنون والمواكب و ..و…

ذات فجر صرخت جدتي بأعلى صوتها فاستيقظ جميع من في الدار ، ركض الجميع إلى غرفتها كانت بداية النهاية لرجل كان إذا غضب اهتز وإذا اهتز كاد يتصدع البيت وإذا ضحك عمت الفرحة للجميع، وعند الشروق اجتمع المحبون يعزون ويأخذون بالخاطر وطلعت رائحة البخور ونبت الحزن في الصدور وصارت الحسرات كبيرة كالأشجار.
وعندما انتهى العزاء دخلت غرفة جدي فوجدت جميع الأشياء وقد لفها الحزن.
بقلم:حسين خلف موسى

أضف تعليقك

وقفت حائراً، تتملكني الدهشة أمام معرض كبير "سوبر ماركت"، أفرد قسماً كبيراً من مساحة المعرض لعرض مجموعة كبيرة ومتنوّعة من الموازين، الكبيرة والصغيرة، الحاملة والمحمولة، الإلكترونية والرقمية وذات العقارب، الملوّنة وبأشكال مختلفة ومغرية على الشراء، تتبارى كلها بدقتها في إقامة الأوزان، دقة متناهية تقيم وزناً لأجزاء الغرامات.

لست أدري لماذا داهمتني في الوقت نفسه صورة جدي، ودكان جدي في سوق عكا، والميزان العتيق بكفتيّه النحاسيتين، ومكاييله المتنوّعة مثمّنة الأضلاع، وكلماته التي كانت تمثّل لنا في ذلك الوقت البعيد، ونحن في سنّ الطفولة، ضرباً من ضروب الحكايات، دون أن نستشرف مراميها الأبعد.

كثيراً ما كنت، عندما أزور جدي في متجره، يروق لي أن ألعب بالميزان، تبهرني مرجحة كفتيه النحاسيتين، والكتل الحديدية أو الحجارة التي كان يستعملها للوزن، وكنت أراقب جدي عندما يبيع شيئاً من متجره، سواء من الحبوب أو الزيت أو السكر، كيف يحرص على تساوي كفتيّ الميزان تماماً، وبعد أن يطمئن إلى ذلك، يضيف إلى الكفّة التي تحمل البضاعة المباعة إضافة لتطغى على كفّة المكاييل، تجرأت مرة وسألته:

ـ لماذا يا جدي تضيف وقد استوفى الميزان حقّه.؟

يبتسم، ويقول بطيبة:

ـ زيادة البركة..

لم أكن أفهم ماذا تعني كلماته، وماذا تعني "زيادة البركة" وهو الذي لم يبخس الميزان.؟ لكنني لم أكن أجرؤ، لصغر سني، على محاورة جدي وهو في زحمة العمل في المتجر.

في ذلك المساء، كنا كما العادة ننتظر عودة جدي من المسجد عندما سألت أخوتي عن "البركة" لكنهم على الرغم من الآراء المختلفة من كلّ منهم، لم أصل إلى فهم أو قناعة، وهذا ما شجعني، معتمداً على سعة صدر جدي، أن أسأله.

وما أن عاد من المسجد بعد صلاة العشاء باشّاً مبتسماً ابتسامته الطيبة، قصدت أن أسارع إلى تقبيل يده، والتمسّح بعباءته المشمشية، ربّت على كتفي، وأخذ مكانه المفضّل وبين يديه سبحته الزيتونية، وقبل أن يبادرنا بأي حديث سارعت أسأله عن الميزان والبركة..

جمع السبحة بين راحتيه، ثم ألقى بها في حضنه وهو يبتسم بحبور، وقال:

ـ لقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم "وأوفوا الكيل إذا كلتم"، وقال سبحانه: "ولا تبخسوا الميزان"، لأن الميزان هو دليل العدل بين الناس، ليس في مسألة البيع والشراء فقط، ولكن في كل أمر من أمور الناس.

نظر في وجوهنا يحاول التقاط فهمنا لما يقول، ثم تابع:

ـ أما أن أضيف إلى البيع بعد أن يستوفي الميزان حقه، فهو من أجل أن يبارك الله لنا في بيعنا وشرائنا، والله لا يضيع أجر المحسنين.

تبادلت مع أخوتي نظرات حائرة، التقطها جدي وقد أدرك أننا لم نفهم مراده تماماً.. تنحنح، واعتدل في جلسته وقال:

ـ يحكى أن سنة عجفاء قاسية لم تمنّ السماء على البلاد بخير المطر، وقد عانى الناس كثيراً من القحط والجوع والعطش، لم تجد المواشي الكلأ، وقد جفت الينابيع، ونضبت الأنهار، وأصاب الناس بلاء عظيم، وعندما اشتدت على الناس الشدّة، تنادى المنادون: أن هبّوا أيها الناس إلى قمّة التل، لإقامة صلاة الاستسقاء والتقرّب من الله تعالى، كي يخرجنا من هذا الكرب العظيم.

اجتمعت الناس منذ أبكر الصباح على قمّة التل، حفاة شُعثاً، صغيرهم وكبيرهم، شيوخهم ونساؤهم، ومواشيهم يتضرعون إلى الله أن يسيّل لهم من المزن ماء الحياة، وقد أشرفت الشمس على المغيب والسماء حابسة، والناس في هرج ومرج، انبرى شيخ البلد صائحاً بالناس أن انزلوا عن التل، وليصعد واحداً على إثر واحد، وكلّ يتضرع إلى الله بما أسلف من حسنات كي نرى ببركة من نرجو أن يمنّ الله علينا بالخير، وهكذا راح يصعد الواحد يتضرّع ويرجو الله ثم ينزل ويصعد آخر والسماء حبيسة لا تبشّر بأي عطاء.. ولم يبق في القرية كلها من لم يصعد إلى قمة التلّ ويتضرع غير رجل واحد، اسمه "أبو بلال"، كان صاحب دكان بقالة صغيرة يبيع للناس أهم حاجاتهم اليومية، وقد سألوه أن يصعد ويسأل الله البرّ، صعد الرجل هادئاً، وتطلع إلى السماء، ثم خاطب ربه بكلمات لم يسمعها أحد، وقبل أن يتمّ رجاءه وسؤاله، أطبقت السماء، وقصف الرعد، ولمع البرق وانصبّت من السماء سيول من الأمطار جعلت الناس المتجمعين يركضون على غير هدى هروباً من دفق المطر.

سكت جدي قليلاً يلتقط أنفاسه، فتبادلنا أنا وأخوتي نظرات متحفّزة ننتظر تتمة القصّة، رشف جدي رشفة طويلة من كأس الشاي بالنعناع، وقال:

ـ بعد أن آوت الناس إلى بيوتها، وارتوى الفرع والضرع، وتدفقت المياه في الأنهار، وضحكت الأرض والسماء، تسارع الناس إلى دكان "أبو بلال" ليقدموا له الشكر والسؤال، وأيّ مكرمة فعلها جزاه الله عليها كل هذا الخير، وقد بادره شيخ البلد بالسؤال عما قال وسأل الله حتى نال هذا الخير العميم، وكم كانت دهشة القوم عظيمة عندما ضحك "أبو بلال" ضحكة مجلجلة وهو يخرج من جيبه حصاة صغيرة لا يزيد وزنها عن غرامات معدودة وهو يقول:

ـ "لقد سألت الله أن يعطيني ثمن هذه الحصاة".!

بدت الدهشة على وجوهنا، وسؤال غريب يداهمنا أنا وأخوتي: هل ثمن حصاة يساوي كل ذلك الخير العميم.؟

قال جدي:

ـ وقد دهش القوم يومذاك أيضاً، لكن "أبو بلال" قال بهدوء يبدد دهشتهم،"لقد كنت في كل وزنة بيع، منذ افتتحت هذه الدكان وحتى يومنا هذا، أضيف هذه الحصاة حتى ترجح كفة البيع لصالح المشتري على كفّة المكاييل".

التفت جدي إليّ وهو يبتسم، مسح على وجهي بيده الكريمة وقال:

ـ هل أدركت معنى البركة وقيمتها وثمنها وجزاءها عند الله سبحانه، وعند الناس.؟

عندما تذكّرت هذه الحكاية وأنا أتفرّج على مجموعات الموازين الحديثة الدقيقة، قلت في نفسي:

ـ هل هذه التي أراها أمامي، بعض سبب في غياب البركات من حيواتنا.؟
بقلم:عدنان كنفاني

أضف تعليقك

عندما  كنا صغارا كانت جدتنا تقص علينا حكاية قرية المحرقة . . كانت جدتي تصر دوما على أن تقول لنا نفس الحكاية كل مرة …مما كان يجعلنا نتهرب منها كثيرا للعب.. فتجمعنا من جديد من خلال إغرائنا بإعطائنا بعضا من الحلوى ثم تعيد علينا سرد نفس الحكاية!!… فتحدثنا عن البيارات و أشجار البرتقال و الليمون واللوز والرمان التي كانوا يزرعونها و تصف لنا بيوت القرية المبنية من الطين و الفرن الذي كانوا يخبزون فيه و يطهون وعن بئر الماء وعن المخزن الذي يخزنون فيه القمح والشعير الذي يجنونه في موسم الحصاد وكيف يتعاون أهل القرية في هذا الموسم الهام، وتحدثنا عن الجيران وأسماء العائلات القاطنة في القرية و ما يجاورها من قرى أخرى و عن تفاصيل يومهم وكيف كانوا يقضونه وعن فصول السنة كيف تتقلب بقريتهم التي تبعد حوالي ستة عشر كيلومترا عن مدينة غزة و عن الحروب العالمية التي دارت في ذلك الزمان وعن حكم الأتراك ..


كانت جدتي تردد كلمات تركية و بفخر أنها لا تزال تحفظها و حدثتنا مرارا عن الثعبان الكبير الذي تسلل يوما إلى البيت فقضى عليه جدي بعصا غليظة بكل شجاعة ..كان جدي محمود والد والدي شيخ القرية وعالمها وكان قد تلقى العلوم الأزهرية في جامعة الأزهر بمصر فكان أول عالم في القرية ..وكان مشهورا بجمال خطه – وربما كان لي نصيب في أن أرث بعضا من جمال خطه كما قالت جدتي- وحدثتنا أنه كان يقتني كتبا كثيرة وأنه كان يقضي الوقت الطويل في القراءة ..فسألتها : ولكن يا جدتي لم نر أي صورة لجدي و أين هي كتبه..؟ كنت – ولم أزل – أحب أن أرى الكتب القديمة وأشم رائحتها وكنت أتوق إلى لمس كتب لمسها من قبل جدي وقرأها ..أجابتني جدتي : إنه عندما قام اليهود بالهجوم على القرى الأخرى المجاورة و الأنباء التي كانت تصلهم عن الجرائم والمجازر التي يقترفونها أينما حلوا وكيف يقتلون الصغار والكبار ويغتصبون النساء ويدمرون البيوت على أصحابها..هربت النساء و الأطفال و العجائز و بقي الشباب و الأقوياء من الرجال ليدافعوا عن القرية بالقليل من السلاح الذي يمتلكونه..كان جدي قد توفاه الله قبل عام النكبة بأعوام قليلة و دفن في القرية – كانت جدتي تجزم أنها لو تعود للقرية ستعرفها شبرا شبرا و ستدلني أين دفن جدي – أخبرتني جدتي أنهم قبل أن يرحلوا قاموا بجمع كتب جدي و صوره في صندوق خشبي وحفروا حفرة عميقة في الأرض و دفنوه ..إلى أن تمضي أيام العدوان فيعودون لقريتهم و يحفرون من جديد لاستخراج الصندوق!!.

كانت جدتي التي فرت بصغارها كما غيرها من أهل القرية تظن أنه ما هي إلا أيام معدودة و تعود..و لكن الأيام صارت شهورا ثم سنوات إلى أن أتى اليوم الذي تجلس فيه الآن بين أحفادها تقص عليهم حكاية الأرض!!! …كانت تحدثنا بحرقة و حسرة عما مضى ..وكنت أنا و بعمري الصغير لا افكر إلا بالصندوق الخشبي الذي فيه كتب جدي و صورته ..و كنت دوما أحسب كم من السنوات مرت على دفنهم الصندوق وترى هل بليت الكتب والصورة تحت الأرض الآن؟؟..هل أكلتها الأرضة ؟ هل تسرب إلى الصندوق ماء المطر فاهترأت و اندثرت مع ذرات التراب؟ أم هل وجد اليهود الصندوق !! فأخذوا ما فيه ووضعوه في مكتباتهم؟ أم مزقوها و أحرقوها ليحرقوا أي أثر يدل على هوية الأرض؟؟.

بقي حلم إيجاد الصندوق إلى هذا اليوم ..ربما هو حلم صغير ولكنه يمثل حلما اكبر هو العودة إلى قرية أجدادي ..سأنقل حكاية جدتي إلى أولادي..لتبقى ذات الحكاية وان ملوا حكايتي بالكلمات سأرسمها لهم وأجعلهم يلونونها أو يرونها رسوما متحركة …ليبقى ذات الحلم الذي سيتحقق يوما لا محالة حتى لو لم يعثر على الصندوق…حسبي حينها أني أو أولادي أو أحفادي ستحتضن أقدامهم ذات الأرض التي احتضنت من قبل قدمي جدتي التي ما فتئت تقص ذات الحكاية إلى أن توفاها الله كي لا ننسى خريطة طريق العودة.. واحتضنت قدمي جدي الذي عشت أحلم أن أتصفح كتبه وأرى صورته!.
بقلم:أميمة جحا

13 يونيو, 2010 دعاء جدتي

أضف تعليقك

توفيت جدتي رحمها الله عما يُقارب المائة عام. وقد احتفظت بأسنانها سليمةً دون تبديل أو ترميم إلى أن توفيت ، رغم أني لاأذكر لها فرشاة ولامعجون أسنان ولا فحصا دورياً عند طبيب الأسنان ولكني أذكر جيداً أنها كانت رحمها الله دائمة الذكر لله تعالى، ودائمة الدعاء رغم أنها لم تتعلم فك الحرف يعني: لم تقرأ ولم تكتب.
وكان مما تردده بعد كل وضوء :لاإله إلا الله تيسر بها أمري ، لاإله إلا الله تنور بها قبري ….. ياربِّ لاتثقِّل فيّ أرض ولاتكَرِّه (أو تشَمّتْ) فيّ عبد.
وماكُنتُ أدرك حينها معنى دعائها الأخير هذا، ولكني أظن اليوم أنّ الله تعالى قد استجاب دُعاءها فَحَفِظ عليها صحتها وقوتها الجسمية وذاكرتها فكانت تعتمد على نفسها إلى ماقبل وفاتها بأيام،فَلمْ تَثقل بها أرض ولم يشمتْ بها عبد.

 وقد كان لجدتي دعاء آخر كنت أخاف منه فقد كان يُضايقها  حرصي على الدراسة وشغفي بالقراءة وتقصيري في أعمال البيت فما تفتأ تدعو علي أن لا يتزوجني إلا فلاح يشغّلني بالأرض ليل مع نهار! وكنتُ كلما دعتْ عليّ بذلك!! دعوتُ اللهَ أن لايستجيب لها. 
هل استُجيب دعاء جدتي أم دعاء الفتاة العاشقة للعلم والمعرفة؟
سأترك الجواب لخيال القارئ الكريم.
بقلم:ابتسام أبو اللبن

 

12 يونيو, 2010 جدتي والمدرسة

أضف تعليقك

 اختارت جدتي رحمها الله أصغر أبنائها (الذي هو والدي) لتقضي باقي حياتها عنده بعد وفاة جدي
وقد كان لوجودها في الأسرة بعض الإيجابيات  رغم أن الكثير من أمور حياتنا كان يتوقف على رأيها!فكانت هي (وزارة الداخلية) كمايُقال وليست والدتي!مما كان يضطرنا أحيانا للتحايل عليها أو سلوك طرقٍ ملتوية لنيل رضاها.

من المواقف التي لاأنساها أنه عندما وُلِدَ أصغر إخوتي ،وكنتٌ حينها في آخر المرحلة الإبتدائية ، لم تجد جدتي ماتُساعد به والدتي التي زادت مسؤوليتها بالمولود الصغير إلا باقتراح إخراجي من المدرسة!
وكان مما تُكرر و تقول أن قد" تعلمتِ فك الحرف وهذا يكفي وشو فائدة الشهادة للبنت وآخرتها بالمطبخ عند زوجها"؟

عندما أدرَكتُ أنّ الأمر جد وسيدخل حيز التنفيذ وكانت الدراسة عندي أهم من الطعام والشراب فقد ذهبتُ إلى المدرسة في اليوم التالي باكية حزينة وأخبرتُ مُدَرِسَتي بالأمر ثُم أخبرتُ مُدير المدرسة،وبما أني كنتُ معروفة بالجد والاجتهاد فقد كان  الطاقم المدرسي  في اليوم التالي كله في بيتنا  ليتوسط لي عند والدي ويثنيه عن رأيه!
ولما كان جُلّ الطاقم من (الجنس اللطيف)،فقد استطاع أن يُؤثر على والدي ويُعيدني إلى المدرسة!

رحم الله والدي ورحم جدتي ..
وجزى الله  أولئك المدرسات خيراً فقد كان لهنّ الفضل في عامٍ دراسي آخرفي المدرسة.

بقلم:ابتسام أبو اللبن