بعد خمس وعشرين سنة أرثي والدي، إذ ما كان لي أن أرثيه، إذ ما كان لي معرفة رسم " أ ، ب " حين وفاته، كل الذي كان لي بكاء مثل الذين كانوا يبكون من حولي، وكنت أسأل أمي – أطال الله عمرها وأسعدَها – فترد بالذي كان في القصيد، كبرت ومازالت الروح الطفولية وقت وفاته فرثيته بها في كبري.
أسأل الله العظيم أن يرحمه ويدخله فسيح جناته والمسلمين

إلى روحك أبي أهدي قصيدي

أبـَـتــَــاهُ قد طال الغيابْ
فمتى تعودُ لقد نـُهـِـشـتُ من الذئابْ
لم أنسَ يوم َ حـُمـِلتَ فوق النـَعش ِ تـُبكيك الأقاربُ والصِّحاب
فسألتُ أمي حينها والدمعُ ينسكبُ انسِكاب
أأبي سيُدفنُ في التراب
قالت: نعم …
فمتى تُراهُ يكون يا أمي الإياب؟
قالت: غداً أو في مساء السبتِ يأتينا
ويهديك الحلاوة َ والجديدَ من الثياب
وبغرفتي ألقيتُ رأسي حاملاً يومَيَّ بـُـعـدٍ
بَعدهم سيجيءُ والديَ الحنونُ من التراب
وظللتُ في وسع النهار العَوْدَ منتظرًا
لحَضْرة ِ والدي لكنه لم يأتـِنـي أبدًا بمسألةِ الجواب
ومـَسَسْتُ* أنتظرُ المجيء مساء َ يوم ِ السبت ِ
آخرَ موعدٍ لكلام ِ أمي إنما التأميلُ خاب
فعلمتُ أن الموتَ إن أخذ الرِّقابَ
لا لن تعود إلى الديار مجدداً تلك الرقاب
أيقنتُ أن حياتنا لعبٌ ولهوٌ في الوجود ِ
علمتُ أن حياتنا غـُـلبٌ وبؤسٌ واغـْـترابٌ في اغتِراب …
قد فازَ منها مـَن أطاع أوامرَ اللهِ العظيم ِ
فإنه حقـًا أصاب
***
خمسٌ وعشرون ارتوينا من دياجير العذاب
في كلِّ صُبح ٍ ألتقي صَحْبَ الصِّبا
متوسدين جـَنى الأبوّة ِ يمرحون
عليهمُ وجه ُ السعادة ِ والنعيمُِ المستطاب
أبكي بقلبي: ليتني مثلُ الصحاب
الفقد ُ موتٌ يا أبي بالله لا تـُلق العتاب
فالعيْشُ بعدك يا أبي أمسى مريرًا واكتئابًا في اكتئاب
كم كنت أحلمُ أن ترانيَ شاعرًا
ألقي بعينيك البديعَ من المشاعر في المحافل ِ
كم سيُسعِدني
إذا ما كنتَ في صدر الحضور
تقولُ: ابـْـنـي سوف يلقي اليومَ شعرًا يا صِحابْ
أبـَـتــَــاهُ قـد طـال الـغـيــابْ
فمتى تُراهُ يكون يا أمي الإياب؟