15 أبريل, 2019 دروس من التجربةالسودانية(2)
دروس من التجربة السودانية (2)
ليس جلدا ولكن جردا !
د.صالح نصير
استعرضنا في المقدمة أمس شيئا عن الظروف التي أحاطت بتجربة الإسلاميين في السودان. وفيما يلي يعض الدروس التي يمكن استخلاصها من تلك التجربة.
أول هذه الدروس هو أن يتعلم الإسلاميون مراجعة ما يقومون به، وتقييمه واستخلاص العبر من كل ما يقوم به الإسلاميون، وبطريقة علمية وشفافة دون تحيز. والتقييم يعني الحيدة والموضوعية –قدر الطاقة-. ومصارحة الناس بكل ما يقومون به والظروف التي تمر بالبلاد وكذلك عدم إخفاء الحقائق وإلقاء اللوم على الآخر.
الدرس الثاني هو ضرورة دراسة واقع المجتمعات والظروف التي تحيط بها، وفهم الواقع السياسي محليا ودوليا، وبناء "سيناريوهات" وتوقعات مما قد يحصل من ردود افعال محلية وخارجية ومن ثم وضع خطة عمل مناسبة للاستجابة لتلك الأفعال. فهل عمل الإسلاميون على ذلك؟ هل توقع الذين خططوا للانقلاب في السودان أن تتم محاصرة البلاد لمجرد أنهم "إسلاميون"؟ وهل تم وضع خطط طوارئ لمواجهة ذلك الحصار؟ ألم "يندم" الاستاذ خالد مشعل على حكم حماس بمفردها لقطاع غزة؟ أليس هذا من العجلة و التسرع في التنفيذ قبل الدراسة والتمحيص و التخطيط؟
الدرس الثالث: إدارة الأزمات. السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا فعلت حكومة " الإنقاذ" لإنقاذ السودان من الظروف الاقتصادية والنزاعات الداخلية التي نشأت عن الانقلاب؟ هل أدارت الأزمة إدارة حكيمة؟ وهل استطاعت كسب المحيط العربي أو الإقليمي لصالحها؟ هل النزاع في دارفور وغيرها من مناطق السودان كان يمكن تجنبه خصوصا وأن بعض قادة "التمرد" ضد التهميش وظلم أهل الإقليم كانوا من ابناء الحركة الإسلامية نفسها؟
الدرس الرابع: هل كان لدى الحركة الإسلامية التي قامت بالانقلاب رؤية عن تطبيق العدالة الاجتماعية وتداول السلطة وإطلاق الحريات السياسية التي تعزز موقع الحركة في المجتمع السوداني؟
الدرس الخامس: إن إدارة الدول ليست كإدارة النقابات أو الجماعات والأحزاب. وليست تلك الهيئات صورة مصغرة عن المجتمع كما قد يتبادر إلى ذهن العاملين في السياسة. فالشعب ليس بالضرورة مستعدا للسمع والطاعة كما هو حال افراد التنظيم. وتوقعات الشعوب ليست كتوقعات المتحزبين المستعدين للتحمل والصبر وتبرير المواقف والعمل الدؤوب من أجل إنجاح الفكرة. فهل تمت إدارة السودان ب"البركة" و"الدروشة" التي اعتاد عليها كثيرون؟
الدرس السادس: إن الاعتماد على كوادر محدودة من أبناء الحركات الإسلامية وتهميش القوى السياسية الأخرى يعني الانفصال عن الواقع وعدم القدرة على الوفاء بالوعود.فالإسلاميون عاشوا في حالة تناقض مع الانقلاب الذي قام به نميري عام 69، ثم تحالفوا معه وانقلب عليهم أخيرا. فهل تمكنوا من تهيئة كوادر ملائمة لحكم الدولة؟ أنا أعرف أنهم حاولوا وأعدوا ولكن ذلك لم يكن كافيا لبناء دولة. فهل عوّض الإسلاميون النقص في الكوادر الفنية و العلمية و السياسية من خلال الاستفادة من أبناء الشعب السوداني و بناء جبهة عريضة من القوى السياسية القائمة ودعوتها لتحمل مسؤولية بناء السودان، أم أن ما جرى من بعض التحالفات كان ترضية لبعض الشخصيات التي انشقت عن أحزابها كما هو حال بعض شخصيات حزب الأمة وغيرها؟
الدرس الأخير وهو الاختلاف والخلاف بين ابناء الحركة الإسلامية نفسها. فهل الخلاف بين جناح الدكتور الترابي وجناح البشير أعاق نجاح التجربة؟ هل كان بالإمكان تطويق الخلاف واستثمار التنوع في الآراء لصالح السودان؟ لماذا عندما يقع الخلاف لايكون الحل إلا بالإقصاء وتكرار الممارسات التي قامت الثورة من أجل إيقافها واجتثاثها كما قيل؟
هذه بعض الدروس ولعل الإخوة الذين اطلعوا على التجربة تفصيلا أن يقدموا رؤيتهم وفهمهم لما جرى عملا بالتناصح وبث الوعي الحقيقي دون تزويق أو تزييف.