دور المسجد/ الحركات والجماعات الإسلامية  في غرس المسؤولية الاجتماعية
د. صالح نصيرات
تناولنا في المقالتين السابقتين دور كل من الأسرة و المدرسة في تنمية المسؤولية الاجتماعية. ونظرا لكون مجتمعنا العربي – الإسلامي ينظر إلى الدين ومؤسساته ورجاله نظرة تقدير واحترام، رغم محاولات الإعلام العربي المملوك لأعداء الأمة من أصحاب المليارات  تشويه صورة المتدينين عموما ورجال العلم الشرعي وعلماء الدين والحركات الإسلامية خاصة.  
وهذا لايعني أننا إزاء وضع مثالي في علاقة المؤسسات الدينية ورجالها بالمجتمع. وهذا ليس محل نقاشنا اليوم. لكن السؤال هو ما طبيعة دور المؤسسة الدينية ورجالها في بناء المسؤولية الاجتماعية وغرسها في نفوس المواطنين؟. 
يمثل التدين المبني على فهم سليم وصحيح للإسلام وسيلة ملائمة لتقديم الوسائل والأدوات المناسبة لتحقيق الهدف أعلاه. فالمسجد ومن خلال المواعظ والدروس وخطب الجمعة التي يقدمها عالم صادق مخلص وقدوة منضبطة بقيم الإسلام ومبادئ الأخلاق  يستطيع التاثير في الناس بشكل إيجابي.
فالأمانة في العمل والإخلاص في المواطنة والولاء للوطن ، والحفاظ على الملكية العامة والخاصة، والتخلق بأخلاق الإسلام في التسامح وقبول الآخر، والتعامل معه على الأخوّة في الوطنية والإنسانية كلها موضوعات يجب تناولها في الدروس و الخطب، وممارستها في الحياة اليومية. كما أن قيام العالم والشيخ ببيان الصورة الأمثل لدور الدين في الحياة دون تعسير أووصاية على الناس، أو تقييد لحريات الناس مادامت منضبطة بقيم المجتمع، تساعد في توسيع رقعة الصلاح والخير في المجتمع.  وإذا اضفنا إلى ذلك تقديم استشارات تربوية واجتماعية -لابصورة الفتوى الملزمة – ولكن بصورة المجرّب والخبير فإن العالم سيكون قائدا اجتماعيا فاعلا إيجابيا في حياة المؤمنين. ولكن لن يستطيع الشيخ أو الداعية تقديمه مالم يكن متوفرا على دراسات متخصصة في ميادين التربية وعلم النفس والاجتماع ودورات تدريبية في الخطابة والتواصل الثقافي والاجتماعي بالإضافة إلى العلوم الشرعية. أن فهم الشيخ/ الداعية لدوره في بناء المسؤولية الاجتماعية لدى المؤمنين، يعني أنه قد استطاع بناء علاقات من الثقة المتبادلة بينه وبين الناس. فبدون ثقة بأن هذا الشيخ/الداعية مخلص فيما يقول ويطابق فعله قوله ولايستغل منصبه ومكانته الدينية لصالحه ومصالحه، سيكون لكل مايقول الأثر الاكبر في نفوس الناس. وإذا اشتم منه الناس أو خبروا منه تناقضا بين ما يقول ويفعل، فإنهم سيزهدون به وينأون بأنفسهم عنه، فتضيع فرص الإصلاح بسبب بعض أصحاب المصالح. ويبدو لي أن طبيعة الخطاب الديني الذي يمارسه كثير من العلماء والقائم على استخدام عبارات الإطلاق واليقين ولغة "الأمر" وعدم ترك مساحة للحوار والنقاش حول قضايا قابلة للحوار والنقاش أدت إلى نفور الكثيرين من الخطاب الديني. كما أن إلباس الخطاب البشري الاجتهادي لبوس الإلهية وجعل ذلك الخطاب البشري غير قابل للتأويل او التغيير او حتى المناقشة أدى إلى تراجع دور المسجد والتربية الإسلامية عموما في حياة المسلم.
ولذلك فإن جرأة العالم في تصحيح الممارسات الاجتماعية الخاطئة على المستوى الخاص والعام بلغة الفقيه المدرك لدوره والعارف بأحوال الناس له الآثار الإيجابية العظيمة على حياتهم. والغريب أن دور كثير من الشيوخ والدعاة تحول من الشأن الاجتماعي العام إلى التوجيه الخاص. فملايين النشرات على الفيس وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي تقلص دور المسلم الحضاري في بناء الإنسان وتحيل الإسلام إلى "تعاويذ وأدعية" فردية وذكر وصلاة على النبي الحبيبز وهذه الأمور على جلالة قدرها لن تنشئ مسلما فاعلا وإيجابيا ومسؤولا دون الجمع إليها السلوك والأخلاق العملية التي تثمر حياة سعيدة ومطمئنة. فكلنا  يود رؤية الداعية في أعماله فيكون في نظر الناس الموظف المجتهد والقاضي العادل المنصف في عمله،  والمهندس المتقن والطبيب المشفق والتاجر الصدوق والمعلم الحريص والسياسي النظيف، والجار الذي يأمن بوائقه، والزميل النصوح. ولايريد رؤية انفصام بين الأقوال ووالأفعال، ولاتناقضا بين الشكل الخارجي والممارسة الأخلاقية. وليتذكر العلماء و الدعاة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  : " يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ، فَيَدُورُ كَمَا يَددُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَى ، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ : فُلانُ مَا لَكَ ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَىى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ"