الخوف عنوان المرحلة!
د. صالح نصيرات
يمكن تلخيص المشهد العربي – الإسلامي وحتى الإنساني بعنوان كبير وواضح لدى عامة الناس وخاصتهم. هذا المشهد  يتلخص بالخوف الذي غدا حالة واقعية. إذ أن غالبية ترى ذلك وتعيشه. فامة العرب و المسلمين خائفة على الماضي "المجيد" ومنه،  و كذلك الحاضر المؤلم والمستقبل الغامض. هذا الخوف يظهر لدينا نزقا وغضبا حقيقيا بل وتوترا يحياه الإنسان العربي حتى أصبح الغالب على السلوك اليومي. فالمواطن خائف من السلطة، و السلطة خائفة من الناس، الإسلاميون خائفون على مشروعهم من الدعوات الجديدة التي ترمي بشباكها لتصطاد الخائفين والتائهين والمترددين. والليبرالييون الحداثيون خائفون من "الإسلام" الذي يرونه اليوم ممثلا فقط في "الإسلام السياسي" الذي لاهمّ له –برأيهم- سوى الانقضاض على السسلطة.
وعندما يصبح الخوف حالة مجتمعية، يصبح الهمّ الأساس للجميع هو البحث عن مخرج من هذه الحالة، حتى لو كانت الوسيلة لا أخلاقية، أو غير مقبولة مجتمعيا. ونحن نراقب المشهد نرى الخوف من "الآخر" حتى تتولد لدينا مجموعة من "ميكانزمات" الدفاع عن الذات. ولان الخائف –غالبا- لايستطيع التفكير بأناة وتؤدة، فإن ردود افعاله تتسم بالطيش والتهور.
ويبدو لي أن قوى كثيرة تستثمر هذه الحالة لصالحها، بحيث تقوم بتسويق ما تريد بسهولة ويسر. ولذلك نجد ان مجتمعاتنا اليوم لاتقر على أمر. فتصبح "مسلمة" وتمسي " متغربة". ولذلك فالهروب من الخوف يعني للكثيرين البحث عن الضد. 
السلطة تخاف من المثقف والمفكرلذلك تسرع إلى شرائه بكل الوسائل المادية والمعنوية. فقد تشتريه بالمال أو المنصب، أو تشتري سكوته بمحاولات اغتياله معنويا. وهذا الأمر واضح ولا يحتاج إلى برهان. فالمفكر الحر والموضوعي و المنسجم مع ذاته وفكره غير مرغوب فيه.
 ووالمتابع لما يُكتب في الصحف و المجلات والمواقع التي تمولّها دول النفط  تحديدا، يرى بؤسا حقيقيا لدك الكثيرين من المثقفين و المفكرين العرب الذين باعوا فكرهم وثقافتهم وعلمهم للأعراب بثمن بخس مقابل أن يجردوا اقلامهم للنيل من "الخطر الظلامي" المتمثل في الإسلام الحركي.
فالمفكرون والمثقفون الداعون إلى "تحرير العقل" العربي المسلم من الجمود والانغلاق، لايستطيعون كتمان حقيقة خوفهم، لذلك نجد الكثيرين يخلطون الحق بالباطل والخير بالشر والصدق بالكذب. ولايختلف الإسلاميون عن أولئك. إذ يفعلون قريبا من ذلك للدفاع عن أنفسهم في مرحلة اصبحوا غرضا وهدفا للمؤسسات العلمانية و الدينية الرسمية.  فما نقرا ونشاهد على المواقع الإخبارية أو الخاصة، يبين بجلاء أن الكثير مما يقال فيه التدليس واختلاط الحقيقة بالخيال.
وهذا الخوف نلمس جوانب منه في العلاقة بين الإسلام وخصومه. فمجزرة نيوزلندا تعبير حقيقي عن الخوف من انتشار الإسلام، وإن كان يتلبس ذلك الخوف بخوف على الفرص الوظيفية اوالخوف من التغيير في أنماط ثقافية جديدة في حياة الغربيين، باعتبار الغرب "معيار" التقدم والحياة الأفضل والأجمل. 
ولايمكن القضاء على هذه الظاهرة الإنسانية بشكل مطلق، فالخوف فطري في الإنسان، ولكن عندما يصبح الفرد مسكونا بالخوف من الآخر أو الظروف، تصبح فرص الجريمة أكبر. فالانتحار تعبير عن الخوف من المستقبل، أو تعبير عن الإحباط وانغلاق الفرص لحياة افضل. وسحق الآخر المخالف بالفكرة –السلاح المعنوي- أو بالرصاصة -السلاح المادي- يصبح ظاهرة على الناس التعايش معها، لأنهم جزء من هذا الخوف.
 وقد يقود الخوف المرء بالبحث عن سلوكيات تعوضه عن هذه الحالة من خلال تطوير أخلاقيات الكبرواحتقار الآخر والعنصرية ومحاولات تمجيد الذات التي تؤدي غالبا إلى الكثير من السلوكيات المرفوضة. ولكنها في الواقع تعبير عن حالة "مرضية" في المجتمع.
ولا أعتقد ان "المُسكِّنات" التي يحاول رجال الاقتصاد أو السياسة أو حتى الدين استخدامها للتقليل من هذا الخوف قادرة على تحقيق ذلك إلا بمقدار ضئيل ومؤقت. ولذلك فالحل يمكن في تفكير إنساني نابع من اعتقاد جازم بأن عواقب الخوف ومآلاته تمس الجميع حتى وإن بدا للبعض أنهم محصنون من ردود الأفعال والعواقب.