وجهة نظر
النضج التنظيمي فكريا وسلوكيا ضرورة حتمية
النضج بالمعنى العلمي هو الانتقال من مرحلة الطفولة و المراهقة إلى مرحلة الرشد العقلي والتوازن  النفسي والقوة الجسدية والتفكير العلمي  المنظم. وهذا للأسف لم تصل إليه كثير من التنظيمات الإسلامية والحزبية العربية.
إذ لم يعد الحديث عن  الانتظام في التنظيمات الحزبية يغري الكثيرين. ولعل فشل كثير من التنظيمات الحزبية في تحقيق أهدافها وعدم قدرتها على الانسجام مع الواقع المجتمعي والشعبي زاد من الصدود عن تلك التنظيمات. فكثير من التنظيمات الحزبية في البلاد العربية نشأت في ظروف غير طبيعية، اي أنها نشأت في ظل الاستبداد السياسي الذي جاء ليحكم الحياة العربية بعد "الاستقلال" الشكلي الذي محنه المستعمرون لبلاد العرب. وفي ظل الاستبداد لايمكن أن تنشا قوى منافسة وتعيش حياة طبيعية. وقد استطاعت بعض التنظيمات الحزبية القفز إلى أعلى هرم السلطة عبر العسكر من خلال انقلابات غادرة، وأخذت بلادها نحو التخلف و الدمار المنظم حتى اصبحت دول مثل سوريا والعراق ومصر و الجزائر وليبيا واليمن صحاري لايعيش فيها سووى من تملق تلك الأنظمة وباع ضميره واعتاش على فتات موائد العسكر.
ونال الظلم أكثر ما نال من التنظيمات الإسلامية من أحزاب وجماعات وهيئات، ودفعت ثمن وقوفها في وجه الاستبداد ثمنا باهضا. وقد أدى ذلك إلى عدم القدرة على بناء تنظيمات منفتحة على المجتمع، متفهمة لمطالبة ومسايرة لروح العصر. إذ عاشت التنظيمات الإسلامية –في معظم البلاد- تحت الارض وفي سجون المستبدين، ولذلك لم تستطع بلورة افكار متقدمة وملائمة للحياة اليوم.
وحتى في البلاد التي تمتعت بنسبة معقولة من الحرية السياسية فإنها –للأسف- مارست العمل السياسي بعقلية "المنفصل" عن المجتمع إلى حد بعيد. ولذلك استمر العمل التقليدي المنصب على المشاركة الخجولة التي لا تقدم للمجتمع العربي فرصا حقيقة للنهوض الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. بل إن بعضها مالئت وسكتت على الظلم وظنت خطأ أن الحرية النسبية التي نالتها كانت حبا فيها أو رغبة حقيقة من قبل الحكام لتمهيد الارض العربية لبناء مجتمع يقوم على الفضائل الإسلامية. ولكنها في الحقيقة لم تكن –في نظر أولئك الحكام- سوى أدوات ضغط وتوظيف لصالحها. فتتيح لها حرية الحركة متى احتاجت إليها، وتعيدها إلى "القمقم" متى استغنت عنها.
فقد تم توظيف الحركات الإسلامية لمناهضة الفكر اليساري في البلاد المحافظة، أو تقديم غطاء شرعي لها.
ولست بصدد لوم أحد ولكن ما اقدمه هنا قراءة لما حصل وما يحصل اليوم في كثير من البلاد العربية التي "تحتضن" تنظيمات إسلامية. ولست اشك بأن بعض التنظيمات حاولت الخروج من هذا الوضع بطرق سلمية، ولكنها وجدت نفسها أمام "قبضة" لاتسمح لها بالخروج. فبقيت تردد نفس الشعارات وتعيد اجترار الافكار التي تؤمن بها دون وجود حقيقي على الارض. ولعل الانتشار الواسع للتنظيمات الإسلامية في مراحل معينة يعود بالدرجة الأولى إللى المناخ السياسي أكثر من قدرة التنظيمات على العمل أو التجديد الفكري الي لم تطرحه اصلا. ولهذا كان صعود التنظيمات وهبوط شعبيتها مرهونا بالوضع السياسي الداخلي.
وحتى عندما أتيح لها العمل في مستوى من الحرية المقبولة، فإنها اتجهت نحو الانتشار الافقي بتكثير الأنصار الذين لايتوفرون على قدر عال من الفهم لتقلبات الحياة السياسية و الاجتماعية. ولم تستطع تطوير عملها باتجاه غرس قيم اجتماعية متقدمة يمكن أن تساهم في تطوير الحياة الاجتماعية والقيمية في المجتمعات. لذلك نرى تراجعا حقيقيا في شعبية القيم والمبادىء والأفكار الإسلامية. 
كما أن اعتمادها الخطاب " الشعبوي" الذي لايقدم رؤية حقيقة للمجتمعات التي تعيش فيها، كانت أسبابا حقيقه لتراجعها حتى أننا كنا نرى حضورا كثيفا لانصارها في مواقع معينة، ثم لا تلبث جذوة الحماس تخبو ويبدأ العمل من جديد لأن الأسس لم تكن عميقة والبناء لم يكن ثابتا.
ولذلك تبدو الحالة "الإسلامية" اليوم بحاجة إلى إعادة نظر حقيقة في اساليب العمل وطبيعة الأولويات وعدم الركون إلى الظالمين، والاهتمام بغرس القيم الإيجابية في المجتمع وفق نظرية للعمل تأخذ بعين الاعتبارا فهم طبيعة المجتمعات والظروف التي تمر بها، دون الاعتماد على مجرد افكار "جامدة" كانت صالحة في مرحلة معينة ولم تعد تفي بالغرض اليوم، أو النظر بسذاجة إلى اقدار الله سبحانه وتعالى وكأن القدر يمشي ويتحقق من خلال وسيلة او منهج واحد وباجتهاد ليس بالضرورة أن يكون الأنسب.

صالح نصيرات