أتيتُ الدَّهرَ أسألُهُ الجَوَابَا
لماذا حالُنا انقلبَ انقلابا ؟
أرى الأيَّامَ تُطعمنَا مَراراً
وتسقينا التَّنَمُّرَ والعَذَابَا
تقلِّبُنَا المصائبُ في رحاها
نرى من بأسها العَجَبَ العُجَابَا
لِمَنْ سأبينُ ويحي مااعترانا ؟
نعيشُ اليومَ نأيَاً و اغترابا
أَدُسُّ توَجُّعي في غُمدِ صمتي
وجفنُ العينِ أُرهقُهُ انتحابا
فقد زادَ الفسادُ وسادَ فينا
وأمسى موطني قفراً خرابا
ويأكلُ بعضُنا بعضَاً بظلمٍ
حقوقُ النَّاسِ تُغتَصَبُ اغتصابا
ويجلُدُنا اللِّئامُ بسوط غدرٍ
وماحسبوا لآخرةٍ حسابا
وكم مِنْ طامعٍ جَشِعٍ مُسِيءٍ !
مضى في البغي نهباً واستلابا
رأيتُ الحاقدَ الموتورَ يسعى
بسوءٍ صبَّ في وطني اضطرابا
وألفيتُ الجليسَ بألفِ وجهٍ
وصار الصَّحبُ أغلبُهم ذئابا
وذو شَرَفٍ يعيشُ بها ذليلاً
ويحيا اللّصُّ مُحتَرَماً مُهَابا
ونفتقدُ المكارمَ لا نراها
رموا الأخلاقَ واتَّخذوا العِيابا
وأدواءٌ بجيشِ الرُّعبِ تغزو
تُحَيِّرُنا ارتقاباً وارتيابا
أرانا في الحياةِ على اغترارٍ
وتسحرنا بزينتها خِلابا
فصرنا نعبدُ الأهواءَ طوعاً
نعبُّ لذائذَ الدُّنيا اكتسابا
وشرُّ نوائب الأيَّام عندي
بأنْ يغدو الأمان هنا سرابا
وحكامٌ لنا وعدوا سلاماً
فألفينا مواعِدَهم كِذابا
وأقسى غُربَةٍ أنَّاتُ شعبٍ
يرى أحلامَهُ صارت هبابا
وشاع الجهل والتَّخريفُ فينا
وأهملنا المعارف والكتابا
دعاةٌ باسم دين اللّه تُفتي
” بشرع الذَّبحِ ” تجتزُّ الرِّقابا
فعفواً يا إله الكون عفواً
فلستَ بربِّهم كَذّبُوا انتسابا
تكالبتِ الذِّئابُ على بلادي
وأنشبَ غدرُها في الجسم نابا
خطابي لم يزل في القلب قهراً
لِمَنْ أُلقي الملامةَ والعتابا ؟
أنا الشَّاميَّةُ الموجوع قلبي
على يَمَنِي غدا دمعي انسكابا
عراقيٌّ شموخي بِتُّ أخشى
خطوباً شَيَّبَتِ فيه الشَّبابا
إلى الأقصى عيونُ الرُّوحِ ترنو
لها الخَفَّاقُ يلتهبُ التهابا
طَرَابُلُسُ الجريحةُ لحنُ حزني
وسهمُ مُصابِها كبدي أصابا
وشريانُ العروبةِ نزفُ جُرحي
نزيفٌ مَوجُهُ أضحى عُبَابا
أرانا في شفاهِ الموتِ نهذي
فهل أملٌ يضيءُ لنا شهابا ؟
دراويشٌ نُرَقِّعُ ثوبَ حُلْمٍ
هوى , مانستطيعُ لهُ طِلابا
أُحَدِّقُ في شبابيكِ التَّمَنِّي
أرى في ضوءِ عينيها غُرَابَا
سوادُ العمر أخلصَ لي كَظِلِّي
وبؤسي سافرٌ بِيْ قد تَصَابَى
سأروي خيبتي الخرساءَ شعراً
فقد بلغَ العَنا عندي النِّصَابَا
أراني في المصائب طال مكثي
ودهري قطُّ ما كفَّ الحرابَا
سأمضي قبل أن تمضي حياتي
إذا ما خانني صبري وغابا
وأنهضُ من رُفاتي في يقينٍ
لربِّي معلناً منِّي الإيابَا
فمالي غير بابِ اللَّهِ بابٌ
إذا ما ضَيَّقَ الخوفُ الرِّحَابا
أسارعُ راجياً منهُ التَّداني
فعند اللَّهِ أنتظرُ الثَّوابا
قَدِمْتُ وفي يدي شوقٌ مُصَفَّى
لأنهلَ من موارده العِذَابا
على باب الرَّجَا عَلَّقْتُ قلبي
لينشدَ خاشعاً فالقلب ثابا
ولم أبرح دروبَ الحبِّ يوماً
فعمري في حمى الرَّحمنِ طابا
يبشِّرُنا به الهادي سبيلاً
ونوراً قد جَلا عنَّا الضَّبَابا
نَبِيٌّ فكرهُ الميمونُ يسمو
على من ساءَ جهلاً أو تَغَابَى
يسوسُ النَّاسَ في لينٍ ورفقٍ
ورَغَّبَ في تراحُمِنا رِغَابا
ووحَّدَ أُمَّةً بضياء شَرعٍ
فجوهرِ شرعهِ يهدي الصَّوابا
على باب الرّحيم وقفت أشكو
وأكشفُ عن مواجعنا النِّقابا
أيا ربّاهُ تملؤنا شجونٌ
وعَصْفُ الهمِّ خلَّفنا يبابا
يمرُّ العمر والآمال تخبو
أرى داعي القنوطِ بنا أهابا
إلهي ليس لي إلَّاكَ منجى
إذا عَظُمَ البلا والضُّرُّ نابَا
متى يأتي لنا فرجٌ قريبٌ ؟
ليسقينا الهنا عذباً شرابا
سألتُكَ يا إله الكون عطفاً
يُنَوِّلُنِي الشَّفاعةَ والمَتَابا
رسولَ اللّه أرجو فيك ربِّي
ولم أرَ راجياً للَّهِ خابا
عليك صلاةُ ربِّي كلَّ حينٍ
بها ألقى قبولاً واقترابا
صلاةٌ قد رَوَتْ أنداءَ روحي
تُمَرِّرُ في فمي شهداً مُذَابَا
جوارحُنا بحمد اللّه تشدو
فنعلن من مشاكلنا انسحابا
————–
البحر الوافر
 مريم كباش