المصائب و الكوارث بين التفسير المادي المفارق للإيمان والتفسير الديني المفارق لسنن الله والعلم الحقيقي
د.صالح نصيرات
عندما نقول أن كتاب الله سبحانه وتعالى هو كتاب الهداية الأوحد و الوحيد، ينكر علينا علينا غيرنا، مع أنهم يؤمنون بأن كتبهم ونظرياتهم وتفسيراتهم من وجهة نظرهم هي الأصوب والأصح وهي الحقيقة بعينها. وهذه ليست مفارقة فقط، بل هي نظرة طبيعية لمن يؤمن بأن هذا الكون بكل ما فيه إنما خلق صدفة، وأنه ليس له من خالق مدبر.
فالماديون يفسرون الأحداث من خلال مايؤمنون بهن وهم أحرار في ذلك، ولكن أن يجعلوا كل تفسير آخر خرافة وشعوذة فهذا من قبيل احتكار الحقيقة المطلقة دون منح الآخر فرصة لتفسير ما يحدث حسب مايعتقد.
يعتقد المؤمنون بالله أن هذا الكون مبني على قوانين وسنن إلهية، وما يجري فيه ليس عبثا أو خبط عشواء.
فالمصائب و الكوارث في ظاهرها تحدث لسبب معين ظاهره مادي وباطنه مشيئة الله سبحانه وإرادته. زقد قصّ علينا القرآن الكريم قصص الأمم الغابرة التي تنكبت طريق الهداية، فقتلت الأنبياء ولم تترك للمؤمين الفرصة ليقولوا مايريدون. واليوم نجد ما فعلته تلك الأمم يتكرر ولكنه يقدم بلباس “علمي”.
وقد تحدث مؤمنون وغير مؤمنين في هذا الوباء الذي تسبب في كواراث اقتصادية واجتماعية وبشرية. وكل أدلى بدلوه. وهذا حق لكل متحدث، والفيصل في الأمور الحقائق الموضوعية التي نلمسها. ولأن غير المؤمنين لايؤمنون بغيب ولا يعتقدون بقوة غير القوة المادية، فإنهم يجدون أنفسهم في موقف المنتصر، كونهم يملكون مفاتيح العلم و الحقيقة كما يظنون.
في كتاب الله سنن البقاء و الدمار، وفيه سنن الحياة السعيدة، ومن يجادل غير ذلك فهو عمي عن الحقيقة.
والقرآن أمرنا بالتدبر و التأمل و الملاحظة و الربط بين الاسباب و النتائج، وهذه مناهج علمية في الوصول إلى تفسيرات علمية صحيحة. فالله سبحانه وتعالى يقول ” وفي أنفسكم أفلا تبصرون” ويقول ” قل انظروا ماذا في السموات و الأرض” ويقول “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماؤ كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت”. وفي دعوته للاعتبار مما حل بالأقوام السابقة يقول سبحانه ” لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب”.
وقد تطوع مسلمون لايفقهون هذه المعاني بتفسيرات ليست مبنية على فهم صحيح لسنن الله في الكون. فأنكروا على الناس الحقائق الثابتة والتي نراها عيانا. فقوم أنكروا وجود الوباء وكأنه شيء غريب أو عدوه نوعا من المؤامرة واطنبوا في القدح و الذم، وعجزوا عن رؤية العلاج إلا من خلال ما كانت تفعله البشرية في قبل التوصل إلى علاجات للأمراض المزمنة. وهؤلاء أساءوا لدينهم بجهلهم بسنن الله في هذا الكون. فالدين يحث على التعلم و النظر والبحث في كل الأسباب الموجبة للخلاص من الأمراض والتداوي بما وصل غليه أهل العلم و الاختصاص. وحوّل بعضهم كتاب الله سبحانه إلى كتاب في الطب وهو لم يأت ليكون كذلك.
وبعض المسلمين بسّطوا الأمر بطريقة تتنافى مع مقاصد الشرع والفهم الصحيح له.
وفي المقابل نجد أقوما لايعترفون بالعلاج الروحي ولا يدركون أن العلاقة بين الإنسان و الخالق سبحانه تقوم على علاقة العبودية و الرضا، واستجلاب الرحمة و الدعاء برفع الوباء. ووهؤلاء لم يقصروا في السخرية والنقد. وهم معذورون لجهلهم، وفقدانهم هذه المعاني العظيمة.
إن ما فعله هؤلاء وأولئك جعل الناس يشكون بمصداقية الدين، والاعتماد بالمطلق على الماديات، أو على الجانب الآخر قصروا الأمر على الدعاء و الاستغفار دون الأخذ بالأسباب.
وهذا سببه الخوض واللغو ممن لايفقهون سنن الله سبحانه في هذه الحياة، فيختارون الحلول السهلة واليسيرة والتي تريح عقولهم من الجهد في البحث والدراسة الشاقة للوصول إلى علاج يساعد في حل المشكلة. وهذا ليس تجنيا على أحد، بل لأن ما وصل إليه المسلمون من تراجع علمي وحضاري وعياب قيم الجدية و المسؤولية والعمل ضمن قوانين الحياة وسننها جعل الكثيرين يخوضون بلا علم أو دراية. وهذا يفسره التناقض الكبير فما ينشرون من اشرطة مصورة ومقالات يقوم عليها أقوام هذه مهمتهم نشر الفوضى العلمية وبث الإشاعات وتكريس الجهل والتخلف.
فتفسير مصيبة كورونا أو غيرها أمثلة على تفسيرات مادية مجحفة بحق الإيمان، وتفسيرات دينية مجحفة بحق العلم والسنن الإلهية. ومادامت أغلبية المسلمين تفكر بهذه الطريقة ولاترى حقيقة اقتران العلم بسنن الله سبحانه في تفسير الظواهر والأحداث والكوارث فإن الطريق طويل وطويل جدا لنهضة حضارية مأمولة.