هل يعيق الإسلاميون الإصلاح السياسي؟؟ 

د. صالح نصيرات
نقرأ ونسمع من حين لآخر من يزعم أن الأنظمة العربية خائفة من قفز الإسلاميين على السلطة لو حدثت انفراجة سياسية في أي بلد. ويستشهدون بما حصل في مصر وليبيا وتونس و فلسطين واليمن (قبل انقلاب الحوثي) ووصول الإسلاميين لتشكيل الحكومة في المغرب ومشاركاتهم السياسية في عدد من البلاد العربية.

مثل تلك الأقوال ليست بريئة فهي تتضمن خوفا حقيقيا من كون الخيار الإسلامي مازال مطروحا بقوة في معظم إن لم يكن في كل البلاد العربية، وأن هذا الخيار -رغم الهجوم الإعلامي و ”الديني الرسمي” المنظم و المنسق عليه- مازال يمثل قوة حقيقية على الأرض.

كما تتضمن تلك الأقوال فرضية مهمة وهي أن غالبية الأنظمة العربية عجزت عن بناء دول حقيقية تمثل طموحات المواطن العربي، فهي في غالبتها استبدادية فاسدة ومتخلفة وتمنع حق المواطن في مشاركة ذات قيمة. إذ أن معظم المؤسسات التشريعية في البلاد العربية بلا فاعلية تذكر. فهي لا تختلف عن السلطات الأخرى التي تخضع مباشرة للحاكم ومن يدور في فلكه من اصحاب المصالح

ويقف تحالف أصحاب المصالح والفاسدين الذين تسللوا إلى مواقع مهمة في كثير من البلاد، وكذلك العدو الصهيوني ودول ديمقراطية غربية كثيرة والولايات المتحدة وأوروبا التي تحل الديمقراطية لنفسها وتحرّم على غيرها على رأس المحرضين ضد أي بارقة أمل بالتغيير والإصلاح، وتفضل التعامل مع مستبدين يحققون لها كل ما تريد من تطبيع مجاني واستباحة لبلاد العرب وفرض واقع سياسي واقتصادي على الشعوب حتى لا تتحرر من الظلم والظالمين.

و الأنكى من ذلك كله افتراءات الكثيرين على الإسلاميين بقولهم إن الانتخابات ليست سوى سلم يصعد عليه الإسلاميون ثم يأخذونه معهم بلا رجعة، وكأن تلك الأنظمة الفاسدة المفسدة تحكم بشرع الله أو تمثل شعوبها حق تمثيل أو أنها تؤمن بالديمقراطية أصلا .
لقد استطاعت بعض الأنظمة توظيف قوى اقتصادية واجتماعية/دينية مهمة لتمرير تلك الاتهامات، خاصة من خلال استغلال المؤسسات الدينية الرسمية وبعض الطوائف والفرق الإسلامية التي تتمتع بمزايا وتحقق لأفرادها مصالح ذاتية من خلال التحالف مع الفساد والظلم بتمرير الفتاوى وتغيير المزاج الشعبي تجاه الحركيين الإسلاميين. بل وصل الأمر بمؤسسات دينية أن تضع الإسلاميين الوسطيين مع داعش والقاعدة في سلة واحدة، وتصم الجميع بالخوارج، الذي “يشوشون” على الحكام خاصة أولئك الذين ركبوا موجة العلمنة والليبرالية لإرضاء الغرب من خلال تمييع الدين والإخلال بالقيم الاجتماعية، وصياغة عقول الرعية التي لا تفكر بحقوقها ولا ترى نفسها أصلا مؤهلة لتلك الحقوق.

وللأسف الشديد أن تلك المؤسسات الدينية تمارس “علمانية” حقيقية عندما تعلن بلا مواربة أن لا علاقة بالدين بالسياسة، -إلا عندما يتم توظيفهم لصالح الأنظمة- وأن الحاكم ظل الله على الأرض لا يسأل عما يفعل حتى وإن سرق وظلم وقتل وزنى علانية!.
وللحقيقة فإن بعض ممارسات الإسلاميين “الساذجة” هي التي تخيف الأنظمة. فالعمل السري وتضخيم قوتها وتواجدها على الساحة، و” طيشها على شبر ماء” والخطاب السياسي غير المتماسك والموحد ، إضافة إلى سيطرتها المحدودة -والتي يبالغون فيها- على بعض مؤسسات العمل النقابي والاجتماعي والخيري.
والمطلوب من الإسلاميين كثير ولعل من أهم ذلك وجود برامج إصلاح عملية وواقعية، ووضوح أهداف الإصلاح وتطوير خطاب يسمح بالتعددية السياسية وقبول الآخر والتعاون مع الجميع لتحقيق تطلعات المواطن العربي.
إن الإصلاح يحتاج إلى قوى تؤمن بتعدد الخيارات، وتسمح بجدل ونقاش سياسي حقيقي، ولا تقمع صوتا مخالفا، وهذه الظاهرة الإيجابية التي نجدها في الدول الديمقراطية “محرّمة” بفتاوى دينية وقوانين متعسفة تحرم المواطن من مجرد رفع الصوت ليطالب بحقوقه الطبيعية التي تميزه كإنسان