من الهزيمة العسكرية إلى الاستسلام والخنوع: مسلسل التطبيع العربي
بدأت معركة النظام العربي مع الصهاينة عام 1948 وانتهت بهزيمة هذا النظام ، وكانت النتيجة اغتصاب جزء كبير من فلسطين، وقيام دولة الاغتصاب. ولأن النظام العربي في تلك الأيام كان "ليبراليا" و"أتوقراطيا" في نفس الوقت، فقد خسر هؤلاء الجولة لصالح أنظمة"العسكر" الذين رفعوا شعار تحرير فلسطين ابتداء من انقلاب حسني الزعيم عام 1949 مرورا بانقلابات عبدالناصر1952 وعبدالكريم قاسم 1958 فالبعث السوري 1963 فالبعث العراقي عام 1968 فالقذافي 1969 فالنميري 1969 فحافظ الأسد عام 70/71.
وقد كانت هذه الانقلابات وبالا على الأمة. فالذي قرأ وسمع عن هذه الانقلابات يجد أن مهمتها الأساسية كانت التمكين الحقيقي لدولة الاغتصاب. حيث تم القضاء على الحياة السياسية تماما، وتم أيضا القضاء على الجيوش العربية من خلال عسكر لم يدخروا جهدا في تقديم زملائهم ورفاق سلاحهم والأبرياء من الضباط والجنود إلى محاكمات صورية ثم إعدامهم بذريعة "الانحراف" عن الخط الثوري وخروجهم على الحاكم بأمر الله. ولم تقف عند ذلك بل انخرطت في حروب عربية- عربية كما فعل عبدالناصر في اليمن. فلم تأت حزيران 67 حتى كانت الجيوش طائفية ومسيسة وخادمة للأنظمة التي كانت مرتبطة بأجهزة المخابرات العالمية كما جاء على ألسنة من قّدر له أن يفلت من قبضة عصابات الإجرام التي تحكم تلك البلاد.
وجاءت هزيمتهم المنكرة والمتوقعة في عام 67 لتصبح فلسطين بأكملها والجولان وسيناء في قبصة اليهود. ولم تأت هذه الحرب من فراغ بل جاءت بعد أن قضى العسكر على كل معارضة لهم إسلامية وغير إسلامية.
وبدأ هؤلاء أنفسهم رحلة التمكين ليهود من خلال تطبيع السادات في اتفاقية كمب ديفيد  ثم كرت السبحة  فتقاطر العرب للسلام المزعوم مقابل رشاوى  فأصبحت بموجبها دولة  الصهاينة معترفا بها. والعرب حرس لحماية العدو التاريخي للأمة، وتجاوزوا ذلك فحاربوا كل مجاهد ونكلوا بكل مخلص وصادق.
وخلال العقود الخمسة الماضية تمت عملية "غسل دماغ" منظم للعقل العربي للقبول بالواقع، والاستسلام له. ولم تكن عملية سهلة، إذ خاض العسكر معارك كثيرة لتأمين هذا الانتقال من "الثورية" إلى "الواقعية". حيث كانت الحروب موجهة للتيار الإسلامي بدرجة كبيرة، فتم شل فاعلية  الحراكات خصوصا الإسلامية التوجه في مصر وسوريا والسودان وليبيا وحُجّموا في بلاد أخرى وصولا إلى وصمها بالإرهاب والتكفير وبث الفتن.
وفي الأثناء فتحت الدنيا أبوابها لبعض العرب من أصحاب البترول، فتحولوا وبطريقة مدروسة ومنظمة إلى مجتمعات استهلاكية لا همّ لأهلها إلى اللهاث خلف الغرب وما أفرزته ثقافته من أنماط سلوكية أدت إلى القضاء على الثروة العربية من البترول وتبديدها على شراء الأسلحة "الخردة"  وقيام مجتمعات مفككة اجتماعيا، ومنسلخة عن عروبتها ودينها، حتى وصل هؤلاء اليوم إلى الاستدانة والوقوع في فخ رسمه لهم سادتهم في واشنطن ولندن.
ولم تكن عمليات تغيير الأنظمة في بعض البلاد والحروب العربية العربية والقضاء على "الربيع العربي"  عبر انقلابات مدبرة ومنسقة مع الكيان الغاصب وراعيتها أمريكا و أوروبا إلا للقضاء على اي بارقة أمل لقيام أنظمة ديمقراطية شعبية حقيقية تنطق باسم الشعوب، وتقيم أوطانا ودولا محترمة تستقل في قراراتها السياسية و الاقتصادية. وتولى كبر دعم هذه الانقلابات دول النفط لتنال الحظوة عند يهود ولتبقي على عروشها.
ثم جاء تغيير المناهج بحذف كل ماله علاقة بفلسطين والعروبة و الدين باسم التطوير والتحديث والانسجام مع عالم تفرضه السياسة الغربية المتحالفة مع كل ما هو معاد للدين والقيم والإنسانية الرفيعة، و تم استخدام الإعلام المرئي والمسموع بصحافة ورقية والكترونية تم إنشاؤها بأموال العرب لغرس قيم لادينية يقوم عليها علمانيون لادينيون يشدّ من أزرهم علماء سلاطين باعوا أنفسهم بثمن بخس. فقدموا الفتاوى التي تمجد الاستسلام والتطبيع  بتحريف الكلم عن مواضعه وتزوير التاريخ.  ولم يكتفوا بذلك بل جاءت أفلام ومسلسلات وكتب وروايات تحقّر رموز الأمة من خالد بن الوليد إلى صلاح الدين و كل من ثار على الظلم يوما و تُمجد "السلام" لترسيخ ثقافة الاستسلام للعدو وإنشاء جيل من أبناء العرب وبناتهم يعيشون للتوافه بحيث اصبح الشاب العربي – إلا من رحم الله- مثالا على التفاهة والسطحية والابتذال، وما نراه اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي ليس سوى ثمرة خبيثة لعمل الشياطين الذين كرّسوا حياتهم لخلق هذا الجيل العابث المستهتر. ولم يكتف شياطين العرب بذلك، بل تحالفوا مع مؤسسات مشبوهة ومنظمات متصهينة لتشكيك الشباب بمصادر العزة ومنهاج الحياة الأمثل: القرآن  الكريم والسنة المطهرة والسيرة العطرة لرسولنا الكريم وصحابته الأبرار. كل ذلك تمهيدا للقبول بالعدو العاصب ثم إعلان الحرب على كل من يحاول القيام بأي عمل وطني في فلسطين. فاصبح الجهاد الفلسطيني في نظر الأعراب إرهابا يتطلب القضاء عليه لضمان بقاء العروش ومن ثم التطبيع الكامل معه، واعتبار ذلك "إنجازا تاريخيا".

د.صالح نصيرات