تطويع وليس تطبيعا فقط
مخطىء من يظن أن هدف دولة الاحتلال هو مجرد "التطبيع" ببناء سفارة لها وتبادل للتمثيل الدبلوماسي معها، لتكون مقبولة في المحيط العربي و الإسلامي. التطبيع ليس حلم الكيان الغاصب، فهذا قادم وأصبح اليوم أكثر يسرا وسهولة مما تصور المغتصِبون أنفسهم. إذ الهدف النهائي للكيان ومن وراءه من قوى استعمارية تؤمن بنبوءات توراتية وخرافات نسجها العقل الصهيوني عبر الزمن هو التمكين الحقيقي لدولة الاغتصاب من أجل السيطرة على العقول و القلوب في بلاد العرب و المسلمين. فالمتصفح لما قاله "حكماء بني صهيون" عبر قرون، يدرك ببساطة أن صراع هؤلاء ليس من أجل بناء هيكل في القدس فقط، ولا من أجل تعايش سلمي مع العرب، ولكن الغاية أبعد من ذلك بكثير. فالهدف النهائي هو دولة تسيطر على المنطقة اقتصاديا وثقافيا وعسكريا.
وعندما يكون دافع المنبطحين من تلقاء أنفسهم هو الحفاظ على انفسهم حكاما لدويلات ليس لها مقومات الدول، ولو كان ذلك على حساب مصالح الأمة والشعوب العربية، فإن من السهولة بمكان على العدو أن يتمدد وأن يستقر ويبقى. ولن يتحقق ذلك إلا بتطويع العقل العربي وقلبه ومزاجه لقبول هذا الواقع.
ولأن العدو حدد غاياته وأدواته وعرف طبيعة هذا العقل وهذا القلب معرفة قامت على أسس علمية ودراسات وأبحاث قام بها هؤلاء المحتلون، فإن نسبة نجاحهم عالية وعالية جدا للأسف.
إن أدوات تنفيذ المخطط الصهيوني هذا قد تم اختيارها بعناية فائقة. ففي خدمة هذا المخطط نخب سياسية وثقافية واقتصادية تبحث عن مصالحها الآنية، وهي مصالح في النهاية تصب في خانة مصالح العدو.
إن العدو يعرف تماما مكامن القوة في هذه الأمة، ويعرف عدوه الحقيقي. فهو يعرف أن إسلاما مقاوما وثقافة جهادية وذاكرة حديدية لا تنسى مافعله العدو بهذه الأمة هي أعمدة وأركان مهمة في هذه المعركة.
ولذلك فقد استطاع العدو  بالتعاون الصريح والخفي مع أصحاب المصالح، أن يجرّد الأمة من تلك العناصر المهمة. فقد عمل بجد واجتهاد على جعل الجهاد إرهابا، والمقاومة جريمة. وساعده في ذلك قوانين سُنّت، وجيوش أعدت، وإعلام هابط، وإلهاء متعمد للجيل لتحقيق ذلك الهدف.
ولذلك لاغرابة أن تجد عربيا مسلما يدافع عن العدو، ويفرش له الطريق ويمهدها، بل أكثر من ذلك يقف مع العدو في خندق واحد ضد كل من يرى فيه خطرا على المشروع الصهيوني.
فهل تدمير المشروع الإسلامي بتغييب العلماء خلف القضبان، وتجريم كل من يدعو إلى الإسلام الحضاري الذي يقيل أمة الأسلام من كبوتها، وإعادة صياغة العقل العربي من خلال الإعلام الموجه و المناهج الدراسية المصممة "للقبول بالآخر" ولو كان عدوا صريحا، وقلب مفاهيمه والتضييق على المسجد وإلغاء دوره جاءت صدفة؟؟
إننا عندما نحذر أمتنا وخاصة شبابنا من الانحدار في مستنقع الشهوات، والسير في ركاب الهابطين واتخاذهم قدوات لهم، إنما نفعل ذلك لقناعتنا أن هذه هي من أهم وسائل العدو وأدواته لتحقيق أهدافه.
لقد هيأ الإعلام والفن والاستبداد وإفقار الناس وتجريم التدين الحقيقي وتزييف الوعي العام ورفع سقف الهجوم على كل مظاهر التدين، للدخول في منطقة "التطويع" الاختياري والانقياد الأخرق للصهاينة العملاء قبل الصهاينة الأصلاء.
ولامخرج من هذه الأزمة إلا ببرامج حقيقية تعيد لشبابنا وأبنائنا هويتهم وذاتهم التي تربي فيهم العزة والاعتزاز بعرويتهم ودينهم، وتحيلهم من مستهلكين لقمامات الغرب الفكرية و الثقافية، إلى منتجين للعلم والمعرفة والثقافة الهادفة.
د.صالح نصيرات