أأهـمـسُ في أذنيكَ , أم أنت تعلم ؟
بأن لـهـيباً في الـحشـا يتضرّمُ ؟

وأن عيونَ الشعر تـهـمـي كئـيبةً
وأن القوافـي مـيمُها تتألّـم ؟

وأنـيَ دبّـجتُ الـمـآسي قصيدةً
مُطَلسَمَةً, والبؤسُ فيها يُترجـم ؟

وحاولـتُ أن أخفي عن الجفن عَبرتي
وحزناً دفيناً في فؤاديَ يَـجْثُـمُ

ولكنّ دمعَ القلب يجري بـمقلتـي
وأظهر ما أُخفي , فكيف سأكتمُ ؟

…كذلك قلبي, حين أبكي من الأسى
فأدمُعُـه فـي وجـنةِ الخدّ ترْسُمُ

وإن الأسى, والحزنَ, والبينَ,والجوى
وهجرَ الكرى,والبؤسَ, للشعر يُلهِمُ

أتعـلم أن الشـعرَ غـاضت بحارُه؟
وأن لسـانـي واجـمٌ يَتـلعثم ؟

فهذي فلسطينُ الـجريـحةُ كُبّلت
بقـيـدٍ تشكّى منه كفٌّ ومعصمُ

وتلك الضحايا جُـثةٌ فوق جُـثّـةٍ
وأعـداؤُنا مـنّـا تُـعَزُّ وتُكْرَم !

علامَ ؟ وقـد قتلوا النساءَ ,وأحرقوا
مساجـدنا, ولـكم بغزةَ أجرموا !

مآذنُـها تـهوي من القصف واللّظى
فهل يا تُرى قد أضرمتها جهنم ؟

فصار سـوادُ الليـل صُبْحاً بضوئها
وصبـحُ اليـتامى والأراملِ مُظلمُ

وهذي هي الأشـلاءُ تصرخُ: إننـي
تبعثرتُ, والأقصـى يُسَرْبِله الدَّمُ

أتدري بأن الـعينَ ناحـت لما أرى ؟
وأرنو إلى الشاشات ,من ثُـم أندم

تفطّر قلبـي حـين شـاهدتُ طفلة
رماها رصاصُ الغدر, والثغر يبسِم

وثكلى يهدهـدها الفراقُ, فترتـمي
وأطفالُـهـا قبل الشـهادة يُتِّموا

وتلك السبايا تستغيث, وصوتُـهـا
تلاشـى بـأُذْن الصُّمِّ, والصُّمُّ نُوَّمُ

كأنـي بـمعتصمٍ تـحفَّز في الثرى
يلبـي الندا ,والله بالـحال أعـلمُ

كأنـي بسيف الله يـبكي بـحرقةٍ
وصـار عـلى عهـدٍ مضى يترحَّمُ

ومعركةُ الـيرموك كادت لغيـظها
تَـمَيَّزُ ,فـالإسـلامُ يبكيه مسلمُ

وقالت: أفيقوا من سُباتٍ وغفـلـةٍ
وإياكـم فـي الحرب أن تستسلموا

..أرى الـمسجد الأقصى يئِنُّ لما به
وقـام خـطيباً في الورى يتكلّم :

لماذا أرى رأس الـعـروبة مُـطرِقاً
وعينيَ تـرنو للهـوان, فـتسأَمُ ؟

تـجـرَّع بعضُ العرب بَحـرَ مَذلة
ومنهم أنـاسٌ سـادرون ونُـوَّمُ

ومنهم جـهاراً نافـقوا وتـآمـروا
وخانُوا, وأسوارَ الأمانةِ حطَّمُـوا

أُعَـلّمُهُمْ أنّ الـوفـاءَ فضـيلـةٌ
ولكنْ, نتـنـيـاهو لديهمْ معلِّمُ

فعذراً رسـولَ الله! مسراك دنّسـوا
وشِرْذِمَةُ الأوغادِ في القدس خيّموا

وعذراً نبـيَّ الله عـيسى بنَ مـريمٍ
ففي مـهدك اليومَ اليهودُ تحكّموا

وعفواً صلاحَ الدين مني , فبـعضُنا
غدا اليـومَ عـن حِطّينِنا يستفهم ؟

فيا عُرْبُ : هل أنتم خلائفُ خالدٍ ؟
ويا قومِ : هل أحـفادُ حيدرَ أنتمُ ؟

..ولكـن لـي أمـلاً بأن خـيولنا
سترقى الثـريا , في سـماها تُحَوِّمُ

فبالصدر منا ألـفُ بركـانِ عـزةٍ
نفـجّـرها بـرقـاً,ورعداً يُزمزِمُ

وبالعزم والإيـمان تشرق شـمسُنا
ويبزُغ فجرُ النصر, والليلُ يُـحرِمُ

سنبنـي جـبالَ المجد, والنّجمُ أُسّها
وما يُبْتنى فـوق السُّـهـا لا يُهدَّمُ

أرى جبروتَ الـمعـتدين سينحني
أمـام رضـيعٍ يرتوي مـن دماهُمُ

أمام صغـيرٍ , كـفُّه تُرهـب العدا
فبُورك ذاك الكفُّ , ولْيَحْيَ مِعْصمُ

صغيرٌ, وأحـجـارٌ أمـام جيوشهم
وأحجـارُه دوَّت , وليس لـها فمُ

حلالٌ له رفعُ الـجـبين مدى المدى
ولكنْ على الأعداء هذا مُـحَـرَّم

وما تلك أحـلامٌ تجول بـخاطري
وليس خـيـالاً , أو أنـا أتـوهّم

…أتدري بأن النصـرَ آتٍ وقدسُنا
ستـصـدَحُ أطـيارٌ بـها وتُنَغِّمُ ؟

وأنـي بـها صـبٌّ مشوقٌ ومُغرمٌ
وعند منامي, فـي سنا القدسِ أحلُمُ

أعانق طيـفَ القدسِ فـي كل ليلة
كما عـانـق البيتَ الحرامَ الـمُتيَّم

وأدعو إلـهي أن أمـوتَ بـأرضها
شهيداً ,ومنـهـا فـي الجنان أُنعَّم

شعر : مصطفى قاسم عباس