17 مايو, 2016 هاج القريض
هاجَ الْقَريضُ فَصِحْتُ أَيْنَ دَواتي؟ *** يا عَيْنُ هِلّي بِالدُّموعِ وَهاتي
قَلْبي الْيَراعُ لِشِعْرِ صَبٍّ عاشِقٍ *** وَالْحِبْرُ مِنْ دَمِهِ وَمِنْ دَمْعاتي
الْحُزْنُ يَسْكُبُ في كُؤوسي خَمْرَهُ *** فَأَعوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْ حَسَراتي
قَلَبَتْ لِيَ الْأَيّامُ ظَهْرَ مِجَنِّها *** رُغْمَ الْأُجاجِ اسْتَعْذَبَتْ عَبَراتي!
وَاسْتَوْطَنَ الْهَمُّ الْفُؤادَ، وَشِقْوَتي *** تَسْتَبْدِلُ الْأَحْزانَ بِالْفَرْحاتِ
وَأَنا الْيَتيمُ، أَبي تُخِلِّدُ ذِكْرَهُ *** أَفْعالُ أَبْيَضُ مِنْ ثُلوجِ سَراةِ
وَمَضى زَمانٌ كُنْتُ فيهِ مُنَعَّمًا *** في بَيْتِ أَجْدادي وَخَيْرِ سُراةِ
تَتَرَدَّدُ الضَّحْكاتُ في أَرْجائِهِ *** ما زِلْتُ أَسْمَعُ تِلْكُمُ الضَّحْكاتِ
هَلْ كانَتِ الرُّؤْيا لِروحي لَعْنَةً؟ *** حاشى الرُّؤى أَنْ تَجْلِبَ اللَّعْناتِ
في الْحُلْمِ كُنْتُ أَرى غُلامًا خاشِعًا *** في رَوْضَةٍ قَدْ أَكْثَرَ الرَّكْعاتِ
في ظِلِّ شَجْرَةِ سِنْدِيانٍ ضَخْمَةٍ *** وَالنّورُ بَدَّدَ حالِكَ الظُّلُماتِ
وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضٌ كَسَريرَتي *** كَحَمامَةٍ في أَطْهَرِ الْكَعْباتِ
قالَتْ مُفَسِّرَةُ الرُّؤى: يا صاحِ، لا *** تَقْصُصْ رُؤاكَ عَلى بَني الْعَلّاتِ (1)
فَسَيَجْتَبيكَ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ *** لا يُخْلِفُ الْميعادَ في الْميقاتِ
وَسَيَفْتَحُ التّاريخُ دَفْتَرَهُ لِكَيْ *** فيهِ تُسَطِّرَ أَجْمَلَ الصَّفْحاتِ
فَاصْبِرْ عَلى الْبَلْوى اخْتِبارًا واجِبًا *** وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْفَجْرَ آتٍ آتِ
لِلْقَلْبِ صَبْرٌ لَمْ يُكابِدْ مِثْلَهُ *** أَيّوبُ أَوْ جَمَلٌ بِذي الْفَلَواتِ
في الْجُبِّ أُمّي قَدْ رَمَتْني عارِيًا *** وَالذِّئْبُ أَدْمى غَدْرُهُ أَخَواتي
سوءَ الْعَذابِ يَسومُهُنَّ أَخٌ لَنا *** يَبْكينَني فَيَزيدُ في اللَّطَماتِ
سَيّارَةُ الْغُرَباءِ باعَتْني لِمَنْ *** في قَصْرِهِ أَنَاْ عازِفُ النّاياتِ
أُشْجي بِأَلْحاني طُيورَ الْأَيْكِ إِذْ *** وَطَني صَدى آهاتِهِ نَغَماتي
فَالشِّعْرُ موسيقى وَغُرْبَةُ خافِقي *** عَزَفَتْ عَلى إيقاعِها آلاتي
وَالشِّعْرُ إِبْداعٌ يُجَدِّدُ سِحْرَهُ *** مَنْ لا يَهابُ الْخَوْضَ في اللُّجّاتِ
إِنّي لَسَبّاحٌ مُجيدٌ ماهِرٌ *** ما كُنْتُ أَخْشى عالِيَ الْمَوْجاتِ
وَأَغوصُ في أَعْماقِ بَحْرٍ كامِلٍ *** لِأَفوزَ بِالْمَكْنونِ في الصَّدَفاتِ
إِنّي الْمُتَيَّمِ بِالَّتي في خاطِري *** دَوْماً تُراوِدُني مَعَ الْخَفَقاتِ
وَهِيَ التَّقِيَّةُ وَالنَّقِيَّةُ راوَدَتْ *** قَلْبًا نَقِيَّ الشَّغْفِ وَالنَّبَضاتِ
قَدَّتْ قَميصَ الشَّوْقِ مِنْ قُبُلٍ، وَمِنْ *** دُبُرٍ يُقَدِّدُهُ شَذا الْخَلَواتِ
ما ثَمَّ شَيْطانٌ يُكَدِّرُ صَفْوَنا *** فَلِقاءُ روحَيْنا عَلى الْغَيْماتِ
كَمْ أَكْبَرَتْني كُلُّ أَرْضٍ زُرْتُها *** وَغَرَسْتُ فيها أَجْمَلَ الزَّهْراتِ
وَبَذَرْتُ فيها الْعِلْمَ، يَحْصُدُ أَهْلُها *** مِمّا يَدي زَرَعَتْ نَدى الْغَلّاتِ
كَمْ قالَ لي: مَلَكٌ كَريمٌ زارَنا *** مَنْ جِئْتُهُمْ في أَحْلَكِ الْأَوْقاتِ
إِذْ بَعْضُ قَوْمي خَيَّبوا ظَنّي فَقَدْ *** عَدّوا عُيوبًا فِيَّ خَيْرَ صِفاتي
وَالْعَيْنُ إِنْ رَضِيَتْ عُيوبًا لا تَرى *** وَالْعَيْنُ إِنْ غَضِبَتْ فَلا حَسَناتِ
قالوا: الْقَصائِدُ ذي حرامٌ سِحْرُها *** وَالشِّعْرُ نَحْسَبُهُ مِنَ الزَّلّاتِ
فَسَجَنْتُ شِعْري، وَالسَّجينُ بِأَرْضِنا *** مَيْتٌ بِلا كَفَنٍ وَلا دَعَواتِ
وَرَأَيْتُ في حُلْمٍ قَصيرٍ أَنَّني *** أَسْقي النَّوارِسَ خَمْرَةَ الْهِجْراتِ
وَالْخُبْزُ يُطْعِمُهُ الْمُنافِقُ رَبَّهُ *** وَرَمى لِشَعْبٍ كادِحٍ بِفُتاتِ
وَالْقُدْسُ تَهْمِسُ لي: تَطاوَلَتِ الْعِدا *** فَلْتَرْجِعوا يا عِزْوَتي وَحُماتي
فَدَعَوْتُ: يا رَحْمنُ فَرِّجْ كُرْبَتي *** وَامْدُدْ لِقَلْبي رَبِّ حَبْلَ نَجاةِ
هَبْني إِلهي لِلْحَبيبَةِ أَوْبَةً *** ﻷِقَبِّلَ الْوَجْناتِ في السَّجْداتِ
فَأَجابَ رَبّي لي الدُّعاءَ وَجِئْتُها *** والثَّغْرُ يَرْجو أَعْذَبَ الْقُبُلاتِ
لكِنَّما أَلْفَيْتُها عِنْدَ الْعِدا *** لَمّا تَزَلْ وَالْقَيْدُ في الْيَدّاتِ (2)
قالَتْ: ظَريفَ الطّولِ عُدْتَ فَمَرْحَبًا *** بِالْعائِدينَ إِلَيَّ بَعْدَ شَتاتِ
رُمْتُ الصَّلاةَ بِمَسْجِدي الْأَقْصى فَلَمْ *** يَسْمَحْ لِيَ الظُّلّامُ بِالصَّلَواتِ
قالوا لِيَ: اسْمُكَ في الْقَوائِمِ مُدْرَجٌ *** هَيْهاتَ تَدْخُلُها وَلَوْ كَرُفاتِ
فَصَرْخْتُ: يا قُدْسَ الْجَمالِ مَحَبَّتي *** كَمْ سِرْتُ فيكِ وَهِمْتُ في الْحاراتِ
وَشَمَمْتُ رائِحَةَ التَّوابِلِ وَالْبُخورُ يُعَطِّرُ الْأَسْواقَ وَالطُّرُقاتِ
إِنْ يَمْنَعِ الْأَعْداءُ ثَغْري قُبْلَةً *** لِلْقِبْلَةِ الْأولى بِلا عِلّاتِ
فَالْقَلْبُ فيها كُلَّ وَقْتٍ ساجِدٌ *** وَيَؤُمُّ مَنْ سَجَدوا بِلا جَبْهاتِ
ناجَيْتُ مَسْرى أَحْمَدٍ في حُرْقَةٍ *** وَالصَّخْرَةَ الْغَرّاءَ وَالْباحاتِ
يا قُدْسُ يا مَسْرى الْحَبيبِ مُحَمَّدٍ *** يا مَعْرَجَ الشُّهَداءِ لِلْجَنّاتِ
بِطَهورِ تُرْبَتِكِ التَّيَمُّمُ واجِبٌ *** ماءُ الْعُروبَةِ آسِنٌ مَوْلاتي
وَطَني فِلَسْطينُ الّتي قَدْ بورِكَتْ *** نَثَرَتْ عَلى قَلَمي جَنى الْبَرَكاتِ
أَجْرُ الرِّباطِ بِها عَظيمٌ، بَلْ غَدا *** فَرْضًا، وَأَمْسى أَفْضَلَ الْقُرُباتِ
إِنّي لَأَخْشى كُلَّما صَلَّيْتُ في *** أَرْضٍ سِواها أَنْ تُرَدَّ صَلاتي!
لا تَطْلُبي مِنْ غَيْرِ رَبِّكِ نُصْرَةً *** فَالْعُرْبُ قَدْ خَنَعوا لِشَرِّ غُزاةِ
في السَّلْمِ آسادٌ، زَئيرٌ صَوْتُهُمْ *** في الْحَرْبِ تَعْجَبُ مِنْ ثُغا النَّعْجاتِ
لا تَطْلُبي مِنْهُمْ مُساعَدَةً فَقَدْ *** مَحَقَ الرِّبا الْخَيْراتِ وَالْبَرَكاتِ
وَطَني أَيا عِشْقَ الْفُؤادِ وَنورَهُ *** يَفْديكَ مالي، تَفْتَديكَ حَياتي
كَمْ نَكْبَةٍ حَلَّتْ بِشَعْبٍ صابِرٍ *** وَيَقولُ هذي آخِرُ النَّكْباتِ
كَمْ مِحْنَةٍ أَنْسَتْهُ عَشْرًا قَبْلَها *** فَكَأَنَّهُ قَدْ أَدْمَنَ الْمِحْناتِ
يا قُدْسُ إِنَّ صَلاحَ يَشْحَذُ سَيْفَهُ *** في كُلِّ مَيْدانٍ وَفي السّاحاتِ
في غَزًّةٍ، في مِصْرَ، في صَنْعاءَ، في *** بَغْدادَ، تونُسَ، حِمْصَ، ريفِ حَماةِ
بِالْوَعْدِ في (الْإِسْراءِ) إِنّي موقِنٌ *** أَتْلو عَلى يَأْسِي شَذا الْآياتِ
عِنْدي وَرَبِّكَ حَبَّةٌ من رَمْلِهِ *** أنْقى وَأَغْلى مِنْ كُنوزِ عُداتي
يافا عَروسَ الْبَحْرِ: كُلُّ نَوارِسي *** يَوْماً سَتَلْثُمُ عاطِرَ النَّسَماتِ
عَكّا: بِكِ (الْجَزّارُ) شاهِدُ عِزَّةٍ **** وَمُقاوِمٌ لِلْجَوْرِ وَالْوَيْلاتِ
قَدْ عادَ غَسّانٌ إِلى حَيْفا عَلى *** مَتْنِ الرِّوايَةِ قَبْلَ أَيِّ رُواةِ
سَيَعودُ دَرْويشٌ إِلى الْأَرْضِ الَّتي *** فيها عَشِقْنا الرَّسْمَ بْالْكَلِماتِ
سَيَعودُ أَبْنائي وَأَحْفادي إِلى *** أَشْهى السُّهولِ وَأَجْمَلِ الرَّبْواتِ
وُرُبى الْخَليلِ الشِّعْرَ أُهْدي عابِقًا *** بِالْعِطْرِ مِنْ فُلٍّ وَمِنْ وَرْداتٍ
سَأَظَلُّ أُنْشِدُ في الْقَصائِدِ (مَوْطِني) *** حَتّى تُعانِقَ قُدْسَنا راياتي
جواد يونس