قبل أن تحمل مريم بعيسى عليهما السلام كان يأتيها رزقها من عند الله، لكن عندما أنجبت طُلب منها أن تبذل مجهوداً حتى يأتيها طعامها. 
ألا ترون -بمقياسنا البشري- أن الأمر قد انعكس، أليس من الأولى أن يأتيها الطعام من عند الله دون بذل لأي أسباب وهي المريضة، المنهكة، وليس هناك من يمد لها يد المساعدة؟!

قال تعالى"فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".

وقال تعالى:"فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا. فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا. فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا".

ما الرسالة التي تصلنا عند التمعن في الموقفين؟

يبدو أن الرسالة فحواها ما يلي:
إنّ الشعائر التعبدية التي تقوم بها -إنْ كانت خالصة لله- كما كانت تفعل مريم فإنها تحقق لك المعجزات أو الكرامات، فإنها تيسّر امورك، تبارك في رزقك، تبارك في وقتك، تريح نفسيّتك، تهدئ من روعك؛
فمريم عليها السلام عندما كانت في المحراب لم تكن تلتفت لغير العبادة والتّبتُل. لكن عندما وضعت عيسى عليه السلام؛ انشغلت به وانشغلت في التفكير بما هو آت من قومها فقالت عندما أجاءها المخاض:"يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً".
فلم يأتها طعامها كما كان يأتيها وهي في المحراب بل طُلب منها أن تهز بجذع النخلة لتساقط عليها رطباً جنياً بسبب انشغالها عن القنوت والتبتل برعاية المولود وانشغال تفكيرها بالكيفية التي ستدافع بها عن نفسها عندما يسألها قومها.
والله تعالى أعلم وأجل.

نجم رضوان