معلِّم فَن
جاء منتصف الفصل الأول، فطالَبَنَا مديرُ المدرسة بإعداد شهادات بعلامات تحصيل التَّلاميذ لإرسالها إلى أولياء أمورهم، فبدأتُ بتجميع العلامات من معلِّمي المواد للصَّف الذي كنتُ أنا مسئولا عنه (مُرَبِّي الصَّف). 
حَصَلْتُ على جميع العلامات إلا علامات مادة التَّربية الفنيَّة، فدُرتُ أسأل جميع المعلِّمين أَيُّهم يدرِّس مادة الفن للصَّف الفلاني، فلم يُجبني أحد بالإيجاب، فغضبتُ وصرت أقول لهم: "حرام عليكو، ليش ها الإهمال، يا جماعة! اعطوني العلامات، بدِّي أخلِّص الشَّهادات واسلِّمها للمدير!"
كان المعلِّمون، جزاهم الله خيرا وبارك بهم، يستقبلون غضبي بابتساماتهم العذبة وبحُسن أدبهم، فقد كنتُ مِن أكبرِهم سنَّا، وكانوا يحترمونني جدَّا.
لم أجد بُدَّا إلا أن أذهب إلى المدير أشكو له الحال الذي وصلتُ إليه لعلَّه يجدُ لي حلا.
بحثَ المُدير في أوراقه وفي جدول توزيع الحِصص على المعلِّمين، ثُمَّ نَظَرَ إليَّ وضحك ضِحكة حتَّى كاد يقهقه وقال لي: "أنت مِش عارف مين هو معلِّم الفن؟! أنت معلِّم الفن يا حبيبي!"
أُسقِطَ في يدي، ولم أدرِ هل أضحك أم أحزن أم أعتذِر لتقصيري غير المقصود، وأنا الحريص على أن أقوم بجميع واجباتي وزيادة! 
نظر إليَّ المدير بإشفاق وأخذ يخفِّف عنِّي، فقلتُ له بأنني نسيت، فذكَّرني بأنه عند توزيع الحصص قال لي بأنه سيكتُب على البرنامج أنني أنا معلِّم الفن، ولما اعترضتُ بأنه لا علاقة لي بتدريس الفن وأنا معلِّم لغة إنجليزية وبأن عدد الحصص في برنامجي الأسبوعي هو الأعلى إضافة إلى تربية الصَّف وما يلحق بها من أعمال، كان قد قال لي أنَّ ذلك إجراء شكلي لكي توافق مديرية التَّربية على توقيع البرنامج واعتماده، وأنني لن أكون مطالبا بإعطاء تلك المادة.
المهم أن المعلِّمين أخذوا يتندَّرون من هذا الموقف ويسألونني ضاحكين: "أستاذ أديب، بتعرف مين معلِّم الفن المقصِّر، يا أخي مِش حرام عليه!" وكُنتُ أضحكُ ويضحكون.
ملاحظة: أنا مِن صغري أحب مادة الفن وأعتبر أنها مادة هامة توسِّع المدارك والآفاق وكثيرا ما كُنتُ أذهب إلى المعارض الفنيَّة أثناء دراستي في دمشق وأستمتع بها وأتعلَّم شيئا عن أصولها. وكثيرا ما كنتُ أرسم رسوما توضيحية لتلامذتي أثناء شرحي للحصص.

أديب السعدي