حصاد الهشيم!
أن تقبع أمة ما في ذيل الأمم فإنها تقوم بذلك اختيارا، إذا تصبح مهمة النخب التنظير والتفلسف، ويغيب عن المشهد العاملون الحقيقيون أو يُغيبًّون لأن أفعالهم تظهر عمليا أن التنظير سهل وأن الفعل المطلوب غائب عن حياة الناس.
عندما تتصفح الصحف والمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي ترى عجبا. أهل التدين ليس أمامهم إلا الدعوة للإعجاب بصوت المقرىء  فلان أو المقرئة علّانة. والذين يرون التدين تخلفا ورجعية يسيرون على نفس الأسلوب فينشرون من غثاء لا يسمن ولا يغني من جوع.  يريدون به إعجابا من هذا  وهذه.
الغثائية تأتي عندما تفقد الأمة القدرة على الحركة الإيجابية، وتنتهي معها المبادرات العملية. وهذا ينبئ عن حالة من اليأس والإحباط لا أكثر.
إن أسهل شيء أن نتحدث عن مؤامرات "الآخر" علينا وكيده الذي تزول منه الجبال، ونتوقف عند ذلك دون رؤية للعمل أو الحل.
نعاني من فوضى حياتية غير مسبوقة. ويبرر قوم تلك الفوضى بأقوال كثيرة، وكلها تصب في توجيه المجتمع إلى القبول بالواقع دون محاولة حقيقية لتغييره.
شبابنا يقضون أوقاتهم يتعاركون في المقاهي أو يتفننون في قتل الوقت على الطرقات وعلى "المطلات" يلوكون الكلام ومعه أشياء أخرى لانعرف إلى أين ستوصلهم.
تؤوي إلى فراشك فإذا بأصوات سيارات "تفحط" في الشوارع بلا رقيب و لاحسيب، مراهقون يركبون سيارات مهترئة تغيب وعيهم فيتصرفون ك"حمر مستنفرة فرّت من قسورة". تذهب إلى صلاة الفجر فإذا شباب جالسون في سياراتهم يحتسون الشراب وينفثون دخان سجائرهم. أين الآباء الذين ينامون وأبناؤهم هائمون في الشوارع وعلى الطرقات؟ أين المؤسسات الرقابية والأمن من هذه الظواهر التي لم نعرفها يوما؟ أين غابت القيم التي تراعي حال الناس في ليل أو نهار؟
شوارع قذرة بفعلنا نحن وبعجز واضح من البلديات، وكثير من أهل الخير و الصلاح ليس عندهم سوى دعوات لتلاوة أدعية تطلب رزقا سهلا أو تطيل العمر وتزيل الهم. أما المبادرات المجتمعية للتعاون على البر و التقوى والخير والإصلاح فلا وجود لها إلا في أضيق نطاق.
فشل حقيقي في التربية الأسرية و المدرسية والمسجدية. وليس أمامنا سوى لوم "المجهول" الذي يريدنا هكذا. هل من المعقول أنه بعد مايقرب من مائة عام على "الاستقلال" يعود العربان يستجدون مستعمريهم للعودة لتنظيف شوارعهم وحماية موائنهم وتسديد دونهم؟ هل من المعقول أن أمة حصلت عشرات التريليونات خلال عقود قليلة تعود لتقترض وتعيش على "مساعدات" تمنّ بها دول الاستعمار القديم؟
هل من المعقول أنه ليس لدينا سوى شتم بعضنا البعض وقتل بعضنا البعض وتخوين بعضنا البعض؟ صحافة مضللة وإعلام بلا ذوق ونخب تزيف الوعي إلا ما رحم ربك.
في التعليم والتربية في ذيل الأمم، وفي القيم لسنا بأحسن حال من غيرنا. تراكم الإهمال لعقود نحصده اليوم. فهل من مدّكر؟؟؟

د.صالح نصيرات