تجفيف منابع العلوم الشرعية لتجهيل الشباب وتقديم “إسلام مُعَلمَن”
د.صالح نصيرات

من الواضح أن هناك فقرا مدقعا في العلوم الشرعية بين أبناء المسلمين، وخصوصا في زمن توفر المعلومة على نطاق واسع هذه الأيام. وللأسف أن توفر الحرية الكاملة لنشر المعلومات والمعارف له إيجابياته وله سلبياته. وسأتحدث اليوم عن السلبيات. إذ أننا متفقون على إيجابيات توفر المعلومات للجميع، بحيث أصبح من السهل الوصول إلى المعلومة بشكل أكبر من ذي قبل.

أما سلبيات توفر معلومات عن الدين في المواقع الإليكترونية تحديدا، فإن أبرزها أن المواقع الإليكترونية ليست دائما حيادية، وليست موضوعية، بل تنقل الآراء التي تتفق مع أصحابها. ولأن قلة المعرفة الدينية الصحيحة لدى عامة شبابنا اليوم، فإن من السهل أن يقعوا فريسة التجهيل المتعمد، من قبل أصحاب أجندات مختلفة. فأعداء الدين تسللوا إلى هذه المواقع وأخذوا بنبش كل رواية مرجوحة، أو رأي شاذ أو قصة مختلقة، وبناء حوارات ونقاشات حول تلك الروايات مع شباب تنقصهم المعرفة، فكانت النتيجة ما نراها اليوم من جرأة غير مسبوقة على التهوين من شأن العلم الشرعي، وعلماء الإسلام سلفا وخلفا. وتحقير الاتباع ، دون أن يقدم هؤلاء للناس دليلا على صحة ما ينقلون أو مايقولون

من الواضح أن هناك اتفاقا بين الأنظمة على تجفيف منابع الفهم الصحيح للدين، من خلال حظر المنبر المسجدي ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية على العلماء الحقيقيين، وفتحها أمام من يمالئ الأنظمة، ويسبح بحمدها، ويقدّم للناس نسخة للدين تنسجم مع علمانية عامة الدول العربية و الإسلامية. فعامة الدول العربية علمانية فجة في عدائها للدين والتدين، وتبحث عن شيوخ “وسطيين” يقدمون للناس ضلالا حقيقيا باسم الاعتدال والوسطية الإسلامية.

وفي نفس الوقت، نجد هجوما منظما على العلم الشرعي والتدين من خلال الاستهزاء والتهوين من شأن العبادات من خلال الفن الهابط الذي يتولى كبره ممثلون لا خلاق لهم ولايُعرف عنهم احتراما للدين ولأهله.

وفي المقابل، نجد مواقع لاترى الدين إلا من خلال التشدد في العبادات و الهيئات، وتركز على مواطن الخلاف والفتاوى التي تعلي من شأن التدين الشخصي الذي يعزل المسلم عن الحياة، حتى أصبح الدين في نظر هؤلاء زيا وهيئة وطقوسا وأذكارا، بعيدا عن الفهم الأصيل للدين ودوره في بناء الحضارة وإقامة العدل وحفظ كرامة الإنسان.

وكلا الفريقين متشدد مستنكر ودعيَّ بالوسطية و الاعتدال الذي يخدم الأنظمة التي توظف الفريقين لخدمتها بشكل لالبس فيه.. .

أما علماء الشريعة فإن كثيرا منهم رضي من الغنيمة بالإياب. فهو منخرط في كتابة كتب وأبحاث علمية لايقرأها سوى فئة محدودة من الناس: طلاب الجامعات في مراحلهم الدراسية المختلفة. ويغلب عليها التنظير الذي لايقدم لشباب اليوم الدين بلغتهم ولايخاطبهم بما يتناسب مع اختلاف اهتماماتهم. كما أن بعض العلماء و أساتذة العلوم الشرعية، يأنفون من الدخول في حوارات جادة مع الشباب خاصة من يخالفونهم الراي، خشية ذهاب “هيبتهم” وعدم قدرتهم على الإجابة على تساؤلاتهم، أي أنهم تخلوا عن وظيفة مهمة وهي تعليم الناس دينهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ظل منع الأنظمة للعلماء المعتبرين من اعتلاء المنابر واستخدام وسائل الاتصال الجماهيري من إذاعة وتلفاز إلا لمن همه المدح والقدح. مدح السلطة والقدح بالعلماء الربانيين الذين يهمشون لأسباب كثيرة..

وبهذا الفعل تركوا الساحة لأنصاف المتعلمين، وقليلي الرسوخ في العلم الشرعي يقدمون للشباب رؤى ليست بالضرورة هي الأفضل. ومن خلال متابعتي لبعض المواقع التي تثير الكثير من الأسئلة والشبهات حول السنّة النبوية وتفسير القرآن الكريم، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفقهاء الإسلام وتاريخ المسلمين، أجد تعاطفا كبيرا من الشباب مع أصحاب تلك المواقع وناشري تلك الشبهات، وما ذاك إلا لأن هذه المواقع تضرب على وتر “تمييع الدين” وادعاء العلمية و العقلانية والموضوعية. ولأن الكثير من شبابنا ليس لديهم الوقت الكافي للتحقق من تلك الشبهات و الرد عليها أو حتى مناقشتها. فيكون الرد من بعض الشباب باستخدام الشتم و السب و التفسيق و التكفير فيغدو في نظر الكثيرين سطحي التفكير، قليل العلم وخارجا عن نطاق الأدب في الحوار. وفريق ثاني يتبنى بجهل وقلة حيلة تلك الشبهات ويدافع عنها لأنها توافق هواه وتنسجم مع رغباته.

إن المطلوب من علماء الدين الانخراط في الحياة والنزول إلى الميدان وطرح موضوعات تناقش تلك الشبهات بعلمية موضوعية، وعدم الاعتزال في مكتباتهم ومكاتبهم و الاكتفاء بمواعظهم التي لاتقدم العلم الحقيقي ولا تبني ثقافة شرعية متماسكة لدى الشباب.