بعيدا عن الثورة الشعبية في مصر، التي تطالب باسقاط كبير الديكتاتوريات العربية حسني مبارك، والتي نتمنى ان تنجح في خلع اركان نظامه المستبد بعد ثلاثين عاما من التسلط والنهب والسلب،  وفتح قنوات التعاون مع دولة الاحتلال على مصراعيها… وان تصل فيما بعد الى اقرانه الذين "ركبوا ونهبوا" شعوبهم لاعوام كثيرة…نعود للحديث عن وثائق المفاوضات التي كشفتها قناة الجزيرة القطرية.

في البداية لا يهمنا ان نناقش الطريقة التي عرضت بها قناة الجزيرة الوثائق، وتوقيتها الزمني…بل ما يهم الشعب الفلسطيني هو معرفة هل الوثائق التي عرضتها الجزيره صادقة وصحيحة ام مفبركة، وهل حقاً زعماء التفاوض في الجانب الفلسطيني قدموا "العروض السخية والكريمة والخلاقة"التي اشارت لها الوثائق، من اجل تحقيق تقدم في عمليتهم السياسية.

لقد حققت " الجزيرة" من خلال كشف وثائق المفاوضات سبقا إعلاميا جعلها تحوز على أكبر نسبة من المشاهدين، سواء رضي بذلك البعض ام لم يرضى، وسواء اعترض البعض على الطريقة التي عرضت بها القناة الوثائق ام لم يعترض، لاهمية القضايا وسخونتها لدى الشعب الفلسطيني والعربي، كون هذه القضايا تمثل خطوطاً حمراء في القضية الفلسطينية لا يُسمح لاي من كان ان يتجاوزها.

هل الوثائق صحيحة…وهل ما قدمه زعماء التفاوض الفلسطينيين للجانب الاسرائيلي مثًل سقف مطالبهم السياسية..سؤال سيبقى مثار جدل، ولكن اذا نظرنا لما سيأتي لاحقا، لن نحتاج جهداً لمعرفة الجواب.

 

*** الرئيس عباس، قال في تصريح نقلته عنه وكالة "رويترز" في 26-4-2008 (يمكن العودة اليه للتأكد) أن تقديم تنازلات وصفها بـ "الضرورية"، فيما يتعلق بقضايا الحدود وعودة اللاجئين الفلسطينيين ومصير القدس، من شأنه أن يقود إلى اتفاق تسوية مع اسرائيل ، أطلق عليه فيما بعد اسم "صفقة"، اذا مبدأ التنازلات في القضايا المصيرية ليس محرماً لدى القيادة.

 

*** نبيل شعت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" اقر في حديث مع قناة العربية مساء الاثنين 24-1-2011م بصحة ما عرضته قناة الجزيرة الفضائية من وثائق بشأن القدس، واعتبر أن ما تضمنته هذه الوثائق كان عبارة عن نقاشات وأفكار غير ملزمة، وأقر أن الجانب الفلسطيني وافق على التنازل عن الحي اليهودي بالقدس، متبنياً الرواية والاسم الصهيوني لحائط البراق معتبراً انه "حائط المبكى".

كما اقر شعت بما أوردته الوثائق والخرائط التي عرضتها الجزيرة عن موافقة أحمد قريع على بقاء مغتصبة صهيونية مقامة في الجزء الشرقي من القدس للاحتلال، معتبراً أن ذلك يأتي في إطار التكتيكات التفاوضية…يمكن العودة لذلك اللقاء ايضاً للتأكد من مصداقيتها.

 

*** خليل التفكجي عضو لجنة القدس والحدود بطاقم المفاوضات (1992-2001) قال في لقاء مع الجزيرة نت في الرابع والعشرين من الشهر الماضي إن السلطة الفلسطينية وافقت على تلبية مطلب إسرائيل بضم نحو 30 كلم2 من مساحة القدس الشرقية بحدودها البلدية والبالغة 72 كلم2، مشيرا إلى أن إسرائيل تفوز فعلا بحسب ذلك بأكبر "أورشليم" كانت تحلم بها.

ولفت إلى أن هذه التنازلات نتاج تراكمات بدأت قبل كامب ديفد عام 2000 واستمرت في طابا وإيلات، مشيرا إلى أن المداولات تواصلت حتى توقفت عقب الانتفاضة الثانية، وما لبثت أن تجددت عام 2005 حيث شهدت تعديلات طفيفة.

*** عضو الكنيست من حزب العمل  بنيامين بن اليعزر،قال في 23-1-2011 في تصريحات للصحافة الاسرائيلية إن مسألة تنازلات السلطة الفلسطينية في منطقة شرقي القدس، بما في ذلك المناطق التي بات يقطنها اليهود الآن، ليست جديدة.

وأضاف "أنا كنت مشاركًا في المفاوضات مع الفلسطينيين منذ عام 1993 وخلال حكومة أولمرت، وكان الفلسطينيون على استعداد لتقديم تنازلات في شرقي القدس، ولكن سقطت حكومة أولمرت قبل أن نتوصل إلى اتفاق".

*** رئيس ما يسمى بجهاز امن الاحتلال الأسبق "عامي أيلون" قال في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في تصريحات لاذاعة جيش الاحتلال "أنه لولا التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لما تم إحباط عمليات "إرهابية" كبرى.

وقال أيلون: "لقد كان هناك تعاون استخباراتي وفي بعض الحالات فان الأمر تجاوز العمل الاستخباري، بل وصل إلى حد التعاون في العمليات الميدانية".

 واذا كان البعض يرى ان قناة الجزيرة قدمت معلومات مفبركة، فأن صحيفة الغارديان البريطانية، التي يشهد لها الجميع بالسمعة المهنية الممتازة، وبأنها دوما ما تقدم اخبار ذات مصداقية عالية اكدت صدقية الوثائق ونشرتها بعد تأكدها من ذلك.

من جانب اخر، لا بد من القاء نظرة الى الصحافة العبرية، التي تعتبر المنبر الاول لتصريحات بعض القادة الفلسطينيين …فقد نشرت صحيفة "معاريف في" "24/ 1/ 2011" مقالا قالت فيه: "هناك شريك في رام الله وفي عدد من العواصم العربية، وهناك الكثير من الأمور التي يجب أن نتعامل معها فلماذا نغض الطرف عنها".

 وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها يوم 25/ 1/ 2011 إن: "القول بأنه لا يوجد شريك للسلام مع إسرائيل ما هو إلا تمثيلية".

وتساءلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" "24/ 1/ 2011" كيف أن إسرائيل لم تفهم في لقاء أيار 2008 في فندق الملك داوود "في القدس الغربية" أبعاد ما قاله أحمد قريع "أبو العلاء"، رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض في حينه. فقد قال قريع: "إنها المرة الأولى في التاريخ نقدم اقتراحا كهذا. لقد رفضنا أن نفعل ذلك في كامب ديفيد".

وماذا اقترح الفلسطينيون؟ تقول الصحيفة: "لقد اقترح الفلسطينيون أن تقوم إسرائيل بضم كل الأحياء اليهودية خارج الخط الأخضر في القدس بما في ذلك هار حوماه "جبل أبو غنيم"".

بنيامين نتنياهو المتطرف لم يكن بعيداً عن تلك الضجة، ولذع القيادة الفلسطينية بتصريح ينم عن استخفافه بالنهج التفاوضي الفلسطيني وقال في صحيفة معاريف 25في / 1/ 2011 إن الجميع يفهم الآن: "لماذا وصفنا الطلب الفلسطيني بتجميد الاستيطان بأنه أمر سخيف ومضحك جدا". "".

 

*** الرد الفلسطيني الذي امتاز بالتشنج والارتباك والتناقض، وموقف وسائل الاعلام الرسمية وطريقة تعاملها مع القضية والتي حرفت بوصلة مناقشة الوثائق ربما علامة اخرى…يجب الامعان فيها.

اما الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية الذي تعامل مع الوثائق بكثير من المراهقة السياسية، وبات يكيل الاتهامات للجزيرة، التي باتت عدوته دون التطرق الى مضمون الوثائق فأنه دليل اخر على الصدمة التي المت بهم

*** الكاتب هاني المصري قال في مقال له في 01-02-2011 ان القيادة الفلسطينية  حولت القضية الى قضية "الجزيرة" وقطر وأميرها وعلاقاته بإسرائيل و الولايات المتحدة الأميركية. ومن يقبل أن تصبح الجزيرة قضيته أصبح بلا قضية

واضاف ان هناك تناقض كبير بين الردود الرسمية التي روجها القادة والتي اظهرت أن حملة الجزيرة أميركية – إسرائيلية تستهدف منع القيادة من اللجوء إلى مجلس الأمن ودفعها لاستئناف المفاوضات، وتارة أخرى اعتبر أن الحملة تستهدف تعميم الثورة التونسية وبث الفوضى ونزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية وخدمة حماس. وتارة ثالثة اعتبر أن الحملة تستهدف إعادة القضية الفلسطينية إلى الحاضنة العربية على حساب المنظمة.

وهنا لا بد من القول كما قال الكاتب المصري أن المسؤول عن تدهور مكانة القضية الفلسطينية على كل المستويات ، هو النهج الذي سارت عليه القيادة الفلسطينية وإستمرت بالسير فيه رغم وصوله لطريق مسدود منذ عشرة سنوات على الأقل.

ورغم توقف المفاوضات بشكل معلن- وما ادرانا ما يحدث تحت الطاولة- اليس جديراًَ بأن يتم محاسبة المفرطين بحقوق الشعب الفلسطيني، وليس تشكيل لجنة تحقيق شكلية للبحث في الموضوع…لان قائمة لجان التحقيق الفلسطينية لم تعد تسمح باضافة لجنة جديدة..فقد اشبعت وانهكت، دون اي فائدة تذكر.
بقلم:أحمد ملحم