المنطقة تمور بالأحداث مورا، وتشهد تغيرات كبيرة منظورة ومتوقعة وما يخبئه المستقبل اكبر وأكثر خطورة وأثرا، وما تفرضه سنن الكون ان القوة والسيادة لن تستمر لطرف واحد وان طال الأمد، بل الأيام دول، وهناك قوى صاعدة وقوى هابطة، بحكم سيرها واتخاذها الأسباب. والذين لا يطورون أنفسهم ولا يصنعون قوتهم سوف تطويهم تقلبات الدهر ويذهبون على غياهب النسيان.

والذي ينبغي معرفته والوقوف على حقيقته بجدية ان «اسرائيل» لن تستمر بقوتها وهيمنتها وسيادتها في المنطقة، ولن تستطيع تغيير سنن الدهر على رغبتها، وهناك تغيرات كبيرة يشهدها العالم الاسلامي والعربي ليست لمصلحتها ولا تعزز استمرارها على موقفها وسياستها المفروضة من طرف واحد.

«فاسرائيل» لن تستطيع الاحتفاظ بالارض المحتلة والاحتفاظ بالمياه المسروقة، والاحتفاظ بعشرات الآلاف من الاسرى، وفي الوقت نفسه تحوز على الأمن والأمان والسلم والسلام، فهذه معادلة مختلة لا تدوم ولو دعمتها اميركا وصمت عنها الاتحاد الاوروبي وصمتت بعض الأنظمة العربية، وفرطت بحقوق شعوبها ومواطنيها.

الان تتشكل اتجاهات جديدة وتحالفات جديدة، وتظهر قوى جديدة وصاعدة، وفي الوقت نفسه سوف تشهد المنطقة أفول قوى اخرى نحو الضعف والغروب، وينبغي على الاذكياء والحكماء البحث عن موطىء قدم على هذه الارض المتحركة، والتشبث بأسباب البقاء والاستمرار، لمن يريد ان يبقى حاضرا في المشهد ومؤثرا في مسرح الاحداث.

البقاء في المشهد لا يتم بالرغبة والتمني، ولن يكون وفقا للهوى ولا استمرارا للزمن الغابر، بل لا بد من قراءة صحيحة لمفردات التغير وادراك عميق لاتجاهاتها الحقيقية، ولا بد من بذل جهود استثنائية للامساك بالقوة واسباب النجاة.

القوة الحقيقية المقصودة هنا هي القوة النابعة من الذات والمستمدة من الجهد المبذول في صناعة النفس وصياغتها، وليست المستمدة من القوى الاخرى او التبعية لها والدوران في فلكها.

ان الشعوب العربية والاسلامية والاجيال الجديدة التي ولدت ونشأت في ظلال الهزائم والانكسار، والظلم والاضطهاد وعانت من التهميش وانعدام الوزن وعدم التأثير وفقدان القوة الاصيلة والذاتية، والبقاء على مدرجات المتفرجين هذه المدة الطويلة، هذه الشعوب نفسها هي التي تشهد التغير المشهود، وهي التي تمثل القوة الصاعدة والمخزون الهائل للطاقة التي يحتاجها وقود التغيير المطلوب ذاتيا، وهي التي تعطي زخما كبيرا لمن يبحث عن القوة الحقيقية والزاد الحقيقي، والامساك بسلم الصعود وقارب النجاة في هذا البحر اللجي المتلاطم والمظلم، الذي لا يرحم الضعفاء ولا يقيم وزنا لتوسلاتهم الكسولة.

ان الوعي العميق لحقائق التغير والثبات، المصحوب بالتمسك بالاسلام عقيدة وهوية وتراثا وثقافة، والقدرة المتشكلة من معايشة الظروف والاطلاع على مجريات الواقع، ومشاهدة افعال الاميركيين والغرب عموما منذ قرن من الزمان، والاحساس بالظلم، كل ذلك يولد قوة تغييرية هائلة قادمة، ولكنها تحتاج الى قدرات استيعابية، وأطر تشكيلية، وحكمة وبصيرة ثاقبة، وقدرة توجيهية، تسير بهذه الجموع الى الهدف المنشود والغاية الكبرى بالتحرر والوحدة والقوة.
بقلم:ارحيل غريبة