الذاكرة عندنا تمر من القلب..

ولكل ذاكرته..

ولكل طريقته في إعادة بناء هذه الذاكرة، أو حتى في نفيها..

والذين ينفون الذاكرة ينفونها بذاكرة أخرى، هي في النهاية منهم، ومن حواسهم ومساراتهم..

ينفونها ببديل هو من مسافتها.

ولكن ثمة من يستبدل الوجه بقناع، والشريان الحي الحار بمطاط صناعي.

وهؤلاء لا يدركون أنهم يستبدلون الحياة ذاتها!.

وبعفوية مروّسة كالإبرة، نستعيد -مع نهار السابع والعشرين من شهر ديسمبر هذا- الذكرى الثالثة لملحمة الفرقان، التي أطلق عليها العدو الصهيوني اسم (الرصاص المصبوب).

نستعيد ذكرى الأيام الـ(23) التي استخدم الصهاينة خلالها (80) طائرة قامت بـ (2500) غارة جوية، و(35) ألف جندي صهيوني، وعدة مئات من دبابات (الميركافاه) ومدافع الميدان، بحيث وصل وزن المتفجرات التي صبت فوق رؤوس الغزاويين إلى أكثر من مليون كيلو غرام.

وقد أوقعت تلك الحرب أكثر من (1417) شهيداً، و(5500) جريحاً، وألحقت الدمار الشامل أو الجزئي بآلاف البيوت والمنشآت المدنية والحكومية في القطاع الذي يمتد على مساحة لا تزيد عن (365) كيلو متراً مربعاً، يعيش عليها أكثر من مليون ونصف المليون مواطن.

هذا حدث قبل سنتين وليس قبل ألفي سنة، ومكانه قطاع غزة وليس القطب الجنوبي أو الشمالي، أو كوكب المريخ والزهرة وأزواجها الخمسة..

ولكن الحس العالمي تدنى إلى درك السمسرة، وتوائم القطاع أداروا له ظهورهم، وأغلقوا بواباتهم، والبيئة التي كان من المفروض أن تحتضنه وتدافع عن ذاتها فيه، تخلت بخسّة عن بدائيات الحضانة التي يمارسها الكل تجاه الجزء.

لقد زاغت مصالح التهافت دون الإيمان الراسخ والطويل بصحة العقائد في استشراف الحاضر، وفي إنارة المستقبل..

وهل العقيدة سوى نور؟.

ثم، إن حبة القمح إن لم تبذر في أثلام التربة، لا تُخرج سنبلة جديدة، إنها داخل الأرض تصبح حياة تأبى الموت، وتدوس العدم والفناء بسريرة القيامة..

وهي لا تنتظر إذناً لكي تدب الحياة في جسم مؤهل لها.

وهكذا هم شهداء غزة..

وهكذا هو القطاع الذي خرج من رصاص الفرقان المصبوب..

ومعهم نستعيد ذاكرة القلب.

بقلم:محمد أبو عزة