(سألتني ابنتي " كنوز " بعفوية الأطفال وبنبرة الأسى والإستغراب ، عن سرّ الشيب الذي زحف على رأسي باكرا ، فاهتاجت في صدري جراح الأمس واليوم ..).


أوقِــدْ جمـــار الأسى واحرقْ بها ورقـِي
ذاك الحبور انتــأى و اشتاق إنسانــــــــا


وافتح مرايا الصَبى ، يصفـو بها وتــري
واصدح بصوت هَـوَى بالجرح كتمانــــا


واسرج خيول البهــاء السرمدّي و طُــفْ
بالعمـر بحـرًا مـن الأحــــزان فــتَّــــانــا


أيُّ الشموس استباحت يا " كنوز " غدي
فابيضَّ ليل الشِّتـا ، و الصّبح ما بـــانـــا


الشّيب حـرفٌ بحِــبر القـلب يكتبنــــــــي
طيرا ذبيحا يُغنّــــي الموتَ نشوانـــــــــا


أسرفتُ في شغفــــي للمبتغى عَـبثــــــــا
في البِـــدء سحـر الهوى أختمــه نَـدمانـا


أدمنتُ " لوكان " أعياني الكلامُ ، وفــي
صدري " لَسَوْفَ " تزيد الجرح إمعانــا


الشعر للحُبّ جمـر إشتهــــــاه دمـــــي
والشوق في الحُبّ نهــرٌ فاض حيرانـــا


صارعتُ بالصَّبر َصبًّا هـدَّني ، فمتــى
سايرتُ موجه هَــدَّ فــــيَّ أركـــــانــــــا


آهٍ لسنبلتي الظَّمــآى ، أسلتُ لهـــــــــــا
دمع الوفا .. وتركتِ القلب عطشانــــــا


فالملح يزحف مختالا على رَمَقِـــــــــي
كم ذقـتُ من حنظل الهجران ألوانــــــا


إنّـي الفتى راهب الجوى نذرتُ دمــي
أفديه ..أفنــى فيه إدمـــــــــــانـــــــــا


إنِّي الغريب ، وسقف خيمتــــي قمـــرٌ
الحبُّ حاملها والحـــزنُ عنــــوانــــــا


لازلتُ أزرع أجراس النّدى في الرّدى
تبًّــا لعصرٍ يسمّــي القِــْردَ فنَّــــانــــــا


لازلتُ أحيا بصوت العِــزِّ في وطــنٍ
شموعــه انطفأت ، وعِــزُّهُ هــــانـــــا


فالعُـــرْبُ يا طِفلتـي تاهـت مراكبهــمْ
نومٌ و كيْــدٌ ، وندعو الله يرعـــانــــــا


قد كان بالأمس مجدٌ يستضيء بهــــمْ
واليوم كُلٌّ أضاع نجمه ُ الآنـــــــــــــا


والرّيحُ مرّت على حقولنا و مضـــتْ
ظننتُها تُلقِــحُ النّـخلَ الـــذي كـــانـــــا


لكنّهـا خَطفَتْ حرائــري ، ذَبحــــــتْ
حمائمي وانبرت تـــدكُّ عُمـــرانــــــا


كم حَرَّقَتْ نبرة الأحلام في قلمــــي
كم شَرّدت بُلبلا قد صَــدّ غِـــربانـــــا


تلك التّباريح ما انفكّــتْ تُسـربِلنـــــي
ذاك الذي صيَّــرَ البُستـــان كثبــانــــا


يكفيكِ يا طفلتي أن تسكنــي كبـِــــدي
لا تعبئي بمشيبــــــي ، أنتِ سُلوانـــا

شعر:محمد شاويش