كتب البردوني هذه القصيدة وهي عبارة عن مجاراة لبائية أبي تمام الشهيرة، (السيف أصدق انباءً من الكتب) التي قالها في (عمورية) فتح.
وقد ألقى البردوني قصيدته هذه في إحدى مهرجانات مربد العراق العظيم حينها فازت بجائزة افضل قصيدة، ورغم قدم القصيدة الا أنها تنطبق على حال الأمة العربية اليوم

ما أصدقَ السيفَ إنْ لم يَنْضِهِ الكَذِبُ
وأكذبَ السيفَ إنْ لم يصدق الغضبُ

بيضُ الصفائحِ أهدى حين تحْمِلُهَا
أيدٍ إذا غَلَبَتْ يعلو بها الغلبُ

أدهى من الجهلِ عِلْمٌ يطْمَئِنُّ إلى 
أنصافِ ناسٍ طغوا بالعلمِ واغْتَصَبُوا

قالوا: همُ البشرُ الأَرْقَى وَمَا أَكَلُوا 
شيئاً ..كما أكلُوا الإنسانَ أو شَرِبُوا

ماذا جرى يا أبا تمام تسألني 
عفوا سأروي ولا تسأل عن السبب

يَدْمى السؤالُ حياءً حينَ تسألهُ: 
كيف احتفت بالعِدا(حيفا) أو(النَّقبُ)

مَنْ ذا يُلَبِّي؟ أمَا إصرارُ مُعتصمٍ 
كلَّا وأخزى من ( الأفشينِ) ما صَلبوا

اليومَ عادتْ عُلُوجُ ( الرومِ )فاتحةً 
وموطنُ العربِ المسلوبُ والسَّلَبُ

ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجالِ ولمْ 
نَصْدُقْ…وقدْ صدقَ التنجيمُ والكتبُ

فأطفأتْ شُهُبُ ( الميراج ) أنجمَنَا 
وشمْسَنَا… وَتَحَدَّتْ نارَها الخُطَبُ

وقاتلتْ دوننا الأَبواقُ صامدةً 
أما الرجالُ فماتوا…ثمَّ أو هربُوا

همْ يَفْرشُونَ لجيشِ الغزوِ أعيُنَهُمْ 
وَيدَّعونَ وُثُوباً قبل أن يَثِبُوا

الحاكمونَ و ( واشنطن ) حكومتُهُمْ 
واللّامعونَ …وما شَعَّوا و ما غربُوا

القاتِلونَ نبوغَ الشَّعبِ تَرضيةً 
للمُعتدينَ وما أجْدَتُهُم القُرَبُ

لهم شُموخُ ( المُثنَّى ) ظاهراً ولَهُمْ 
هوَىً إلى ( بابِكَ الخَرْميِّ ) ينتسبُ

ماذا ترى يا ( أبا تمام ) هل كَذَبَتْ 
أَحْسَابُنا؟ أو تناسى عرقَه الذهبُ

عروبةُ اليومِ أُخرى لايَنِــــمُّ على 
وجودِهَا اسمٌ ولا لونٌ …ولا لقبُ

تسعونَ ألفاً ( لعمُّوريَّةَ ) اتقدُوا 
وللمُنَجِّمِ قالُوا : إنّنا الشُهُبُ

قيلَ:انتظارُ قِطافِ الكَرْمِ ما انْتَظروا 
نُضْجَ العناقيدِ لكنْ قبلَهَا الْتَهَبُوا

واليومَ تِسعونَ مليوناً وما بَلَغُوا 
نُضْجَاً وقدْ عُصِرَ الزيتونُ والعنبُ

تنسى الرؤوسُ العوالي نارَ نَخْوتهِا 
إذا امتطاها إلى أسيادِهِ الذَنَبُ

(حبيبُ) وافيتُ من(صنعاء) يحملُني 
نسرٌ وخلفَ ضلوعي يلهثُ العربُ

ماذا أحدّث عن صنعاءَ يا أبتي؟ 
مليحةٌ عاشقاها السِّلُّ و الجربُ

ماتتْ بصندوقِ ( وضاحٍ ) بلا ثمنٍ 
ولم يمتْ في حشاها العشقُ والطربُ

كانت تراقبُ صبحَ البعثِ فانبْعَثتْ 
في الحلمِ ثمّ ارتمتْ تغفو وترتقبُ 

لكنها رغمَ بخلِ الغيثِ ما برحتْ 
حبُلْى وفي بطنهِا (قَحطان) أو (كَرِبُ)

وفي أسى مقلتيها يغتلي ( يمَنٌ ) 
ثانٍ كحلمِ الصِبا ، ينأى ويقتربُ

(حبيبُ) تسأل عن حالي وكيف أنا؟ 
شبَّابةٌ في شفاهِ الرِّيحِ تنتحبُ

كانت بلادُكَ (رَحْلاً) ضَهْرَ (ناجيةٍ) 
أما بلادي فلا ضَهْرٌ ولا غَبَبُ

أرعيتَ كُلَّ جديبٍ لحْمَ راحلةٍ 
كانت رعتْهُ وماءُ الرَّوضِ ينسكبُ

ورُحتَ من سَفَرٍ مُضْنٍ إلى سفرٍ 
أضنى؛ لأنَّ طريقَ الرَّاحةِ التَّعبُ

لكنْ أنا راحلٌ في غيرِ ما سَفَرٍ 
رَحْلِي دَمِي وطَرِيقي الجمرُ والحطبُ

إذا امتطيتَ ركاباً للنوى فأنا 
في داخلي أمتطي ناري وأغتربُ

قبري ومأساةُ ميلادي على كتفي 
وحوليَ العدَمُ المنفوخُ والصًّخَبُ

(حبيبُ) هذا صداكَ اليومَ أُنشِدُهُ 
لكن لماذا تَرى وَجْهي وتكتئبُ؟

ماذا؟ أتعجبُ من شَيبي على صِغَري؟ 
إنِّي ولِدتُ عجوزاً؛ كيف تعتجبُ؟

واليومَ أذوي وطيشُ الفَنِّ يَعزفُني 
والأربعونَ على خدَّيَّ تلتهبُ

كذا إذا ابْيَضَّ إيناعُ الحياةِ على 
وجهِ الأديبِ أضاءَ الفكرُ والأدبُ

وأنتَ من شِبتَ قبلَ الأربعين على 
نارِ (الحماسةِ) تجلوها وتنتخبُ

وتجتدي كلَّ لصٍّ مُترفٍ هِبةً 
وأنتَ تُعطيهِ شِعراً فوق ما يهَبُ
 
شرَّقْتَ غرَّبْتَ من (والٍ) إلى (ملكٍ) 
يَحُثُّكَ الفقرُ أو يقتادك الطَّلبُ

طوَّفتَ حتى وصلتَ (الموصلَ) انطفأتْ 
فيك الأماني ولم يشبعْ لها أربُ

لكنَّ موتَ المجيدِ الفَذِّ يبدأهُ 
ولادةٌ من صِباها ترضعُ الحِقَبُ

(حبيبُ) ما زال في عينيك أسئلةً 
تبدو … وتنسى حكاياها فتنتقبُ

وما تزالُ بحلقي ألفُ مُبكيةٍ 
من رهبةِ البَوحِ تستحيي وتضطربُ

يكفيكَ أنَّ عِدانا أهدروا دَمنا 
ونحنُ من دِمنا نحسو ونحتلبُ

سحائبُ الغزوِ تَشوينا وتحجبُنا 
يوماً ستحبَلُ من إرعادنا السُّحُبُ

ألا ترى يا ( أبا تمَّام ) بارِقَنا 
(إنّ السَّماءَ تُرَجَّى حينَ تحتجِبُ )
_____________
عبد الله البردوني