المناسبة : تناقلت وسائلُ الإعلام والتواصل الاجتماعي خبرَ شابٍّ سوريٍ غرقَ في البحر المتوسط وهو هاربٌ من الحرب في وطنه، وقد وجد بثيابه رسالة كتبَها للبحر قبيلَ موته.. قرأتُ الرسالة فتأثرت بها فأنزلت بعضاً من فحواها في هذه القصيدة راصداً الحال في وطني الجريح فلنقرأ:
شكراً جزيلاً بحرَنا المتوسطَ
شكراً جزيلاً بحرَنا المتوسطَ
بحنانِكَ استقبلْتَني
(فيزا) دخولٍ لمْ تَسلْ
ألْحَدْتَني بلَطافةٍ 
وبلا كَفنْ
وبلا رصاصٍ أو قنابلَ أو شَررْ
……………..
شكراً جزيلاً بحرَنا المتوسطَ
أحسنتَ لي ملءَ الأملْ 
شكراً لكمْ أسماكَهُ
فأكلتُمُ لحميْ طَعَامَاً سائغاً
دونَ السؤالِ عنِ انتمائي واعتقادي والوطنْ
فَلْتأكلوا
_ حِلٌّ لكمْ _
لحمَ البشرْ
…………….
شكراً جزيلاً بحرَنا المتوسطَ
غيَّبتني.. أنجيتني 
منْ عَالَمٍ
بسُكوتِهِ 
أمسى حَجَرْ
إعْلامُهُ أفعالهُ
سيلُ الدماءِ قدِ انحدرْ
……………
شكراً جزيلاً بحرَنا المتوسطَ
مَوتي هُنا
لَهَدِيَتي للعَالَمِ المتَحَضِرِ
ووصيتي أُمِّي التي باعَتْ قلادةَ عُرسِها أجرَ السفرْ
قبِّلْ يديها بحريَ الحانيْ الرؤوفَ وقلْ لها:
لا تحزني
إنّي بِغَيمٍ عائدٌ عَبْرَ المطرْ
فَلْتَصْطَفِيْ طبَّاً لها منْ مائهِ
بدلَ الدَّواءِ المنتظرْ
…………….
يا بحرُ من أُختيْ اعتذرْ
انقلْ لها: أنْ تنسجَ الذكرى وشاحاً ..تصطبرْ
لمْ أشترِ الحلوى التي أوصتْ بها
ما عدْتُ أرجِعُ من سَفرْ
……………
ورسالتي يا بحرُ أرجوكَ ارمِها
جاوزْ بها شطآنَ كلِّ الحاقدينَ وقلْ لهمْ:
ما ماتَ حقٌّ مطلقاً
فترقَّبوا
وتربّصوا
وتخيَّروا
إمَّا رجوعٌ أو سَقَرْ
…………..
شكراً جزيلاً بحرَنا المتوسطَ
انظرْ فؤاديَ كي ترى عَجَبَ الصُّورْ:
وطنٌ يسابقُ موتَهُ
دِيْنٌ تحولَ مَذْبَحاً
وردٌ يفجّرُ نفسَهُ
والشَّيخُ يقتلُ إبنَهُ
والزَّهرُ نُسِّيَ لونُهُ
والعينُ تحْرِقُ رمشَها
والبيتُ يرقصُ عارياً
بُستانُنا خالي الثَّمرْ
وربوعُنا أضحتْ قَفَرْ
و دُروبُنا ما بيننا خطرٌ خطَرْ
……….
والطِّفلُ يُثْكِلُ أمَّهُ
والطّفل يُقتَلُ نائماً
والطّفل يُقتَلُ راضعاً
والطّفل يُقتَلُ لاهياً
والطفلُ يَحمِلُ مِشْعَلاً
والطّفلُ صَيحَاتُ البقا
والطفلُ بَسْمَاتُ القَدرْ
………..
والصِّدقُ يَسبِقُهُ الغَضبْ
والنَّاسُ تُنكِرُ ظِلَّها
والضَّوءُ يُرسلُ ظُلمَةً
والفعلُ مَصلوبُ الأثرْ
والقولُ معتوهُ الفِكَرْ
والأمنُ مذعورُ البَصَرْ
والجوعُ يَفْتُكُ لا يَذرْ
………….
شكراً جزيلاً بحرَنا المتوسطَ
(فاللهُ خيرٌ حافظاً)
وبعلمِهِ يجري القَدرْ
وصلاتُنا دوماً على
قمرِ الهدايةِ أحمَدٍ
أسمى البَشَرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد العزيز محمود الخضر