هِيَ الْقُدْسُ

فَلا طَيرٌ يُضامُ بِها وَلا غَرْسُ

وَإِنْ سَرَقوا صُخورَ الأَرضِ وَاخْتَرَقُوا

جِدارَ البَيتِ وَالْهَمَساتِ وانْطَلَقُوا

فَهلْ نَاخَتْ غُصُونُ اللَّوزِ وَالشَّمسُ؟

وَما خَنَعتْ لَهم شَفَةٌ وَلا رَمْسُ

فَإِنْ بَقِيَتْ لَكمْ خَضْراءُ أَو رَمَقُ

فَقُومُوا إِنْ رَأَيتُمْ أَنَّها الْقُدْسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

حِجَارُ الجَدِّ نَكْسِرُها بِأيدينا ونَرْدُمُ فَوقَها البَلَدَا

وَخُضْنا في دُموعِ الأَمسِ نَسْتجْدي بِها مَدَدَا

وَنَحْبو فوقَ غُرْبَتِنا وبينَ ضُلوعِنا وَجَعٌ يَمُدُّ يَدَا

وَلم نَعلمْ بِأَنَّ القَومَ قد نَحَتوا بِفُرْقَتِنا لهم مَهْدَا

وَأَنَّ نَقابَةَ الشَّيطانِ قد رَقَصَتْ لهم وُدَّا

وَمِلْنا في ثَنايَا اللَّهْوِ والغاوُونَ قَدْ رَأَسُوا

*****

هِيَ الْقُدْسُ

وَإنْ رَكِبوا عَناوينَ الدُّجَى والْجَورِ وَاخْتَلَسُوا

أَغَانِينا مِنَ الْحاراتِ وَالفَرَحِ الّذي دَعَسُوا

وفي غَسَقٍ منَ الأَيّامِ غَطُّوا كَيدَهم فِينا وَما نَعَسُوا

فَتِلكَ مَذارِفُ التّاريخِ تَغْرِفُ من مَكائِدِهمْ

وَظَنُّوا أنَّ زَجْرَ الرّيحِ قد يَجْثُو لهُ الْبأْسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

نَقولُ لهم خُذُوا الأنْفاسَ والنّظَراتِ والْعَضُدَا

وَكانُونَ الْخَبيزِ وفرْحَةَ الأَطْفالِ إذْ شَرقَتْ

خُذُوا الأَكْفانَ والأَسماءَ والأَنْواحَ وَالشُّهَدَا

وَجَذوَةَ بَرْدِنا وَالدَّمعةَ الحرَّى وَما شَهِدَتْ

خُذوا الثَّمراتِ والأشْعارَ والسُّمَّارَ وَالْولَدَا

فَكَرْملُنَا يَناجِي دَمعةً يَنْدَى بها الأَقْصَى

فَلنْ تَرِثُوا تُراباً منْ مَقابرِها وَلا وَتَدَا

سَقَينا وَردَهَا ألْوَانَ حُبٍّ خَافَهُ الْيَبَسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

وَإنْ فَرَضُوا خَراجَ الْمَوتِ أَو مَكَسُوا

نَقُولُ لهم مَراكِبُنا قَدِ امْتَخَرتْ فلنْ تَرْسُو

عَلى شَطٍّ يَذوبُ به ضِياءُ الوَحْيِ والقَبَسُ

فَدَرْبُ الشَّعْبِ يَرْعُفُ أَنْفُهُ ناراً لمنْ يَئِسُوا

وَأُخْتُ جِراحِنا نَطَقتْ بما تَهفو لهُ النَّفسُ

وهَبَّتْ منْ (مَيادينِ) العَزاءِ فَغَرَّدَ الْعُرسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

وَإنْ دَهَنُوا خُدودَ الفَجرِ بِالألْغامِ والجُدرانِ والمِلَلِ

أوِ انْتُزِعتْ مَساطِبُ دُورِنا منْ حِضنِها غَصباً ولم تَزَلِ

فَكمْ منْ أُمَّةٍ نَفَثَتْ حَناجِرُهَا نَسيمَ السَّهلِ وَالْجَبَلِ

وَتُهدِي دِفأَها غَدَقاً لمنْ يَأَتِي بِغيرِ الْغِلِّ والبَارودِ وَالوَجَلِ

عَصافيرُ البِلادِ تَنامُ في حِضْنِ الضُّحَى هَرَباً مِنَ الْوَهَلِ

إِذا سمعتْ نُشوزَ اللَّحْنِ يَسْري في نَدَى الكَلِماتِ تَبْتَئِسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

وإنْ غَاروا عَلى حُلْمٍ نَما في القلبِ والوَلَدِ

وَجَفَّتْ بَينَ أَيديهمْ عُروقُ التِّينِ منْ كَبدِ

فَغَزَّةُ تَجْمعُ النَّسَماتِ تُرسِلُها إلى اللُّدِّ

وَتَذْرِفُ حُبَّها مُزْناً إلى أَمَلٍ يُناغِيها

تَقولُ لمنْ جَفا بَلداً منَ الأَحْزابِ واللَّدَدِ

فَزَهرةُ قُدْسِنا تَرْنو لمنْ في قَلبِهِ الْقُدْسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

تُقَلِّبُ وَجْهَها بينَ السَّماءِ وسُورِ خِلاَّنِ

تُحِيكُ ثِيابَها بينَ الْهُمومِ وَقَسْوَةِ الْجَانِي

تُحَزِّمُ شَوقَها تَلقَى الْمَسيحَ بِصُحْبَةِ المهْدِي

هُنَا امْتَدَّتْ ظِلالُ اللَّيلِ واخْتَصَمُوا لِنيرانِ

خَريطَةُ أَرْضِنَا قُسِمتْ لها عَلَمٌ وشَعْبانِ

فَحاقَ بِهمْ لِسانُ القَهْرِ والأَفراحُ تَنْدَسُّ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

إِمامُ الأَنْبِياءِ هُناكَ صَلَّى وارْتَقَى فَخْرَا

تَلاهَا الْقَلْبُ تَنْزيلاً وكانَتْ قِبْلَةً أُولَى

وَمَسْجِدُها تُشَدُّ لهُ رِحالٌ تَنْشُدُ الأَثَرَا

بِعِزَّةِ مُؤْمِنٍ فُتِحَتْ وذا الفَاروقُ قدْ جَلَّى

صَلاحُ الدّينِ مدَّ لها رُواقَ الضَّوءِ والسُّتُرَا

فَما شَقِيَتْ كَنَائِسُ بَعدَهُ يَوماً ولا كُنُسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

لَبَسْمَتُها تُضِيءُ لنا وإنْ غَارتْ هُنا الشَّمْسُ

أَيَا ابْنَ كُرومِ مَنْ رَضَعوا عَناقِيدَ النَّهاراتِ

أَإِنْ بَهَتَتْ شُمُوعُ الدَّربِ وانْطَفأَتْ لِمَرّاتِ

تَرَى عَثَراتِ نَجْمَتِنا تَحُطُّ هُنا وَلا آتِ

أَغَيرُ اللهِ يَفتقُ نَبعَ صَحْوَتِنا فَيَنْبَجِسُ ؟

*****

هِيَ الْقُدْسُ

فَوَيلٌ لِلّذي تَركَ الحياءَ وَغَبَّهُ الرَّمْسُ

ولم يَكُ قدْ جَرى في عِرْقِهِ غَضبٌ أَوِ الزَّحْفُ

وَظَنَّ حَفاوَةً بَينَ الْخَوَالفِ أَنَّها شَرَفُ

إِذا رَقَصَتْ لهُ الدّنيَا يَهيجُ بِدَرْبِنا النَّزْفُ

فَكيفَ تَعودُ أوتارٌ تُرفْرِفُ فَوقَها القُدْسُ

*****

هِيَ الْقُدْسُ

هُنا الزّيتُونُ يَدْمعُ منْ صَدا التَّاريخِ يَنْفَطِرُ

صُخُورُ الطُّورِ في (زَيتا) رَأَتْ قَطْراً وَتَنْتَظِرُ

لِمنْ يَأتي على رُمْحٍ يَدُكُّ الأَرضَ لا يَذَرُ

يُكَحِّلُ شُفْرَ جَفْنَيها وَيَروي عَينَها الْمَطَرُ

يَرى قَبَساً وَإنْ تَتَبَسَّمُ الْعَثَراتُ وَالْغَلَسُ

*****

لَنَا الْقُدْسُ

شعر:صقر أبو عيدة