أَبْكَيْتَ عَيْنَ الْقَلْبِ يا مَجْروحُ *** فَإِلى مَتى عَيْنُ الْعِراقِ تَنوحُ؟
وَإِلى مَتى سَتَظَلُّ جُرْحًا نازِفًا؟ *** كَمْ مَسَّتِ الْقَلْبَ الرَّهيفَ قُروحُ
كَمْ هَزَّ نَخْلَكَ يا عِراقُ مُتَيَّمٌ *** وَالدَّمْعُ فَوْقَ خُدودِهِ مَسْفوحُ
فَاسّاقَطَتْ أَحْلامُهُ في حِجْرِهِ *** وَالْهَمُّ يَغْزو قَلْبَهُ وَيَجوحُ
الْقُدْسُ تَبْكي في الدُّجى أَمْجادَهُ *** وَبِهَمِّها لِلساجِدينَ تَبوحُ
هذا الْعِراقُ إِذا سَأَلْتَ عَنِ الَّذي *** مِنْ كُلِّ حُرٍّ ماجِدٍ مَمْدوحُ
هذي بِلادُ الرّافِدَيْنِ حَبيبَتي *** في عِشْقِها بَوْحُ الْيَراعِ صَريحُ
أُمُّ الْحَضاراتِ الَّتي مِنْ ثَدْيِها *** رَضَعَتْ مِدائِنُ شُيِّدَتْ وَصُروحُ
مَهْدُ الدِّياناتِ الَّتي قَدْ وَحَّدَتْ *** رَبًّا لِإِبْراهيمَ لَيْسَ يَلوحُ
أُسُّ الْقَوانينِ الَّتي في بابِلٍ *** أَرْسَتْ مبادئَ ما مَحَتْها الرّيحُ
أُمُّ الْمَعارِكِ مُنْذُ ذي قارٍ وَكَمْ *** فَضَحَتْ جَبانًا في الْمَجوسِ السّوحُ
——–
تَهْوي كَما نَجْمٍ طَوَتْهُ الرّيحُ *** يا مَنْ قَصيدُكُ كَالْعِراقِ سَميحُ
يا مَنْ شَدَوْتَ كَبُلْبُلٍ ما أَرْبَكَتْ *** أَلْحانَهُ في مَحْبَسَيْهِ جُروحُ
ما الشَّعْرُ إِلّا فَخْرُ فَحْلٍ ماجِدٍ *** بِالْعِزِّ في وَطَنٍ فِداهُ الرّوحُ
كَمْ مِنْ قَصائِدَ كَالرَّصاصِ عَلى الْعِدا *** فَبِها تَآمُرُ حِلْفِهِ مَفْضوحُ
اصْعَدْ إلى جَنّاتِ رَبٍّكَ باسِمًا *** فَهناكَ راحَةُ مَنْ بَراهُ بَريحُ 
اصْعَدْ فَقَدْ صارَ الْعِراقُ غَنيمَةً *** لِلطّامِعينَ وَحُسْنُهُ مَذْبوحُ
اصْعَدْ فَلَمْ يَعُدِ الْعِراقُ لِرُشْدِهِ *** مَجْدُ الرَّشيدِ وَعِزُّهُ مَطْروحُ
اصْعَدْ فَلَمْ يَعُدِ الْفُراتُ قَصيدَةً *** أَلْحانُها تَغْدو بِنا وَتَروحُ
ما عادَ لِلشُّعَراءِ مَجْدٌ ها هُنا *** وَخَبا لِحَرْفِ الْمُبْدِعينَ طُموحُ
ما عادَتِ الْأَطْيارُ تَشْدو بَهْجَةً *** فَالسِّلْمُ في دارِ السّلامِ كَسيحُ
ما عادَ في بَغْدادَ إِلّا ناعِبٌ *** بَزَّ الْغُرابَ نَعيقُهُ الْمَقْبوحُ
ما عادَتِ الْوَرْكاءُ تَذْكُرُ قِصَّةً *** مِنْ نَقْشِها عُشْبُ الْخُلودِ يَفوحُ 
وَتَقولُ لي بَغْدادُ: وَيْحَكَ، لَمْ يَزَلْ *** لِلشِّعْرِ وَجْهٌ ناضِرٌ وَصَبوحُ
فَإِذا ضُروعِ الشِّعْرِ جَفَّتْ مِنْ أَسىً *** ما جَفَّ ضِرْعي فَالْعِراقُ مَنوحُ 
فَلّوجَةُ الْأَحْرارِ في حَلْقِ الْعِدا *** شَوْكُ الْقَتادِ وَلِلْأَحِبَّةِ شيحُ
كَمْ مِنْ فَوارِسَ لَمْ تَزَلْ بِسُيوفِها *** هَمًّا غَزا قَلْبَ الْعِراقِ تُزيحُ
كَمْ مِنْ أَرامِلَ مِثْلَ نَخْلٍ باسِقٍ *** لَوْ هَزَّها الْإِعْصارُ لَيْسَ تَطيحُ
جواد يونس