مقال في غاية الأهمية:

كذاب ربيعة أحب إليهم من صادق مضر! 
إعلام العبيد 
عند تقييم الوقائع والأحداث يجب علينا النظر في عدة أمور أهما الحالة النفسية لمن ينبري دوما للتقليل من شأن الناجحين.   النجاح له وجهان: وجه حقيقي يلمسه الناس ويرونه عيانا، ووجه آخر لاوجود له إلا على شاشات التلفزة والصحف والمجلات والمواقع التي تتخذ من التزييف طريقا لتسويق الفشل على أنه نجاح. وبدون فهم نفسية أولئك الفاشلين، لايمكن الحكم بموضوعية على الآخر.
وفي ضوء هذه المقدمة يمكن تفسير الكثير من الأخبار الزائفة والدعايات الفجة والإعلام الموجه لخدمة فرد أو طائفة أو مجموعة. و المعروف أن كثيرامن القراء والمشاهدين يتجهون نحو المواقع والصحف و الشاشات التي تريحهم من التفكير ولاتتسبب في رفع الضغط والتوتر لديهم. وهذه الفئة كبيرة للأسف ولاتريد أن ترى الحقيقة الصادمة التي قد تخرجهم عن توازنهم، وتؤدي بهم إلى تغيير مواقفهم التي عاشوا عليها.
واليوم نشهد أحداثا مختلفة: دينية وسياسية وأخلاقية وعسكرية. هذه الأحداث ليست بالضرورة واقعية، أو لنقل تنقل نقلا واقعيا أمينا. فالإعلام بكل أشكاله وتوجهاته ليس لديه قدرة على أن يكون محايدا. فهو يعبر عن أيديولوجيا وفلسفة يتبناها القائمون على المؤسسات الإعلامية، وهدفهم الوحيد التسويق لتلك الفلسفة أو الأيديولجيا.
فعندما نقرأ خبرا عن نمو اقتصادي بنسبة معينة مرتفعة عادة فمن المتوقع أن نرى تغيرا ملموسا على نسب الفقر والرفاهية المجتعمية. فإذا كانت نسبة الفقر و البطالة وما يترتب على ذلك من جرائم اقتصادية واجتماعية، فإننا نستنتج أن ما يقال عن نسب نمو اقتصادي ليست سوى دعايات لاقيمة لها. وعندما نقرأ عن انتشار التسامح في مجتمع  ونرى الظلم والقهر والاستعباد والتجارة بالبشر فإن مايقال على الشاشات ليس سوى دعايات لا أكثر.
ولأن عامة الأنظمة يهمها البقاء في السلطة وتكريس الوجود الفعلي لها بحيث لايرى الناس بديلا عنها (يتم في ذلك دول ديمقراطية وديكتاتوريات والفرق أن الديمقراطيات يسهل فيها التداول السلمي على السطلة فقط)  فإن أفضل وسيلة للبقاء أمران: رشوة اقتصادية تقدم لبعض الناس من أبناء الذوات وبعض الأغنياء المستجدين، ورمي فتات لفئات مهمشة تحسن الكثير من المديح و الإطراء. وأخرى دغدغة مشاعر البسطاء باللعب على أوتار الوطنية والدين.
ولأن الكثير من الأنظمة تستخدم خبراء في الدعاية وعلوم الاجتماع والنفس في تكريس البقاء، فإن من المتوقع أن يأتي هؤلاء بكثير من التفسيرات والتأويلات لما يحصل وفقا للمزاج العام للشعوب حتى ولو كانت النتيجة مزيدا من التراجع والتخلف.
والجماهير لها سيكولوجيتها – كما يرى غوستاف لوبون – التي يتلاعب بها المستبدون، ويوجهها إعلامهم نحو غايات محددة. وبالرغم من وجود فئة تحاول الوقوف أمام هذا الزيف فإنها لن توقفه إلا بثورة قد لاتطيقها تلك الشعوب. فقد رأينا الملايين من الأمريكيين يعترضون على غزو العراق بالتظاهر وتدبيج المقالات والبراءة من بوش وعصابته، إلا أن أبناء وأقارب وجيران هؤلاء المتظاهرين هم الذين كانوا يحرقون بغداد والفلوجة والأنبار وغيرها من مدن العراق على رؤوس المدنيين.
وكثيرا ما يفاجئ المرء بتصريحات في مواقف معينة. فقد يصبح العلماني بل الشيوعي القح البعيد كل البعد عن الدين مناصرا "لدين أبويه" ويحاجج مع دين ضد آخر، وفي المقابل تجد متدينا يناصر موقفا علمانيا معينا لأن الموقف يخدم فكرته ويدغدغ عواطفه. وهذه المواقف تنتج عن شعور لا واعي يطفو على السطح ينبئ عن وجود "قشرة" خارجية تغطي حقيقة الفرد الذي يرتد إلى الطائفية أوالتدين الي ينكره على الآخرين من أبناء الملل الأخرى.
إن مراجعة لما قيل خلال اليومين الماضيين حول إعادة آيا صوفيا إلى حالته كمسجد لمدة ما يقرب من 500 عام ينبئ عما أشرنا إليه أعلاه. فإعلام أشد المجتمعات العربية تخلفا ورجعية واستبدادا وإنكارا لحقوق العمال وازدراء لثقافاتهم والتوجهات العنصرية ضدهم نراها تقف موقف "المتسامح" نكاية بتركيا وليس حبا في الآخر. فهل موقف الإعلام الخليجي والمصري وبعض المواقع الإخبارية ومحطات التلفزة الأردنية الخاصة تعبير عن التسامح؟؟؟
وهكذا في ظل إعلام مزيف للوعي مرهون لاصحاب النفوذ تصبح الجماهير ليست سوى "قطعان" تقودها تلك الوسائل الإعلامية التي لاهم لها سوى المال والنفوذ وبقاء مصالحها ولو على حساب قيم تتعامل معها وفق قانون البيع و الشراء والعرض و الطلب للأسف الشديد.

د.صالح نصيرات