• Visit Dar-us-Salam.com for all your Islamic shopping needs!

27 يناير, 2010 هل تُرانا نتعظ

أضف تعليقك

أي شخص كان قد رآني متسلقاً سور المقبرة في هذه الساعة من الليل، كان سيقول: أكيد مجنون، ‏أو أن لديه مصيبة. والحق أن لديَّ مصيبة، كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري – رحمه الله: أنه كان لديه قبراً في منـزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه نادى( ‏رب ارجعون .. رب ارجعون )
ثم يقوم منتفضاً ويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟
حدث أن فاتتني صلاة الفجر، وهي صلاة من كان يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم
عند ذلك.
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني، ‏فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ‏ثم تكررت للمرة الثالثة على التوالي؛ ‏هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها حتى لا تركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار قررت أن أدخل القبر حتى أؤدبها 
‏ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها إلى ما يشاء الله. ‏وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في هذا الأمر حتى فاتـتني صلاة الفجر مرة أخرى.
‏حينها قلت: كفى . وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة.
ذهبت بعد منتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: ‏هل أدخل من الباب ؟ حينها سأوقظ حارس المقبرة! ‏أو لعله غير موجود! ‏أم أتسور السور ؟
‏إن أوقظته لعله يقول لي تعال في الغد، ‏أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي، ‏فقررت أن أتسور السور .. ‏
رفعت ثوبي وتلثمت بشماغي واستعنت بالله وصعدت، برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة.
‏ورغم أنها كانت ليلة مقمرة، ‏إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً ‏تلك الليلة، ‏كانت ظلمة حالكة، ‏سكون رهيب.
‏هذا هو صمت القبور بحق، تأملتها كثيراً من أعلى السور، ‏واستـنشقت هوائها، ‏نعم إنها رائحة القبور، ‏أميزها عن ألف رائحة، رائحة الحنوط،‏ رائحة بها طعم الموت ‏الصافي.
وجلست أتفكر للحظات مرت كالسنين .. ‏
إيه أيتها القبور، ‏ما أشد صمتك وما أشد ما تخفينه، ‏ ضحك ونعيم، وصراخ وعذاب أليم،‏ ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟

 لعلهم سيقولون قولة الحبيب صلى الله عليه وسلم ) ‏الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم )
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة، وأي مصيبة بعد ضياع صلاة الفجر عدة مرات.
هبطت داخل المقبرة، وأحسست حينها برجفة في القلب، ‏والتصقت بالجدار ولا أدري لأحتمي من ماذا؟

‏عللت ذلك لنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور وانتهاكها، أنا لست جباناً، ‏لكنني شعرت بالخوف حقا !‏
نظرت إلى الناحية الشرقية والتي بها القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. ‏إنها أشد بقع المقبرة سواداً ، وكأنها تناديني، ‏ مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ ؟
أمشي محاذراً بين القبور،‏ وكلما تجاوزت قبراً تساءلت ‏أشقي أم سعيد ؟ ‏شقي بسبب ماذا؟ ‏أضيّع الصلاة ؟ أم كان من أهل الغناء والطرب؟ ‏أم كان من أهل الزنى؟
‏ لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة، وأن شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟
: أم أنه كان يقول
 ما زال في العمر بقية،
‏سبحان من قهر الخلق بالموت
أبصرت الممر، ‏حتى إذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفع نظري إلى الناحية الشرقية، ‏ثم بدأت أولى خطواتي، بدت وكأنها دهر، ‏أين سرعة قدمي؟ ما أثقلهما الآن، ‏تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرني هناك.
اعلم، فقد رأيت القبر كثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة، أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم، أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، ‏بالتأكيد أنها وسوسة من الشيطان، لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعه.
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها سواداً، ‏كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ ‏بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟ ‏وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ ‏فكرت بالإكتفاء بالوقوف و أن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي .
‏ولكن لا أصل إلى هنا ثم أقف، ‏يجب أن أكمل، ‏ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة، بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي.
ما أشد ظلمته، ‏وما أشد ضيقه، كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟
 سبحان الله
‏ يبدو ‏أن الجو قد إزداد برودة، ‏أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟ ‏ليس ريحاً، ‏لا أرى ذرة غبار في الهواء، هل هي وسوسة أخرى؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، ‏ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب، إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً، ‏سبحان الله، ‏نسعى لكي نحصل على كل شيء، ‏وهذه هي النهاية: لاشئ .
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن، والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا، وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل. ‏
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت، وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم: يا أهل القبور ،‏ مالكم ؟‏ أين أصواتكم ؟ ‏أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟‏ أين أموالكم؟ ‏أين وأين؟‏ كيف هو الحساب ؟ ‏ أخبروني عن ضمة القبر، أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، ‏أخبروني عن حالكم مع الدود
سبحان الله، نستاء إذا قدم لنا أهلنا طعام بارد أو لا يوافق شهيتنا، ‏واليوم .. نحن الطعام، لابد من النزول إلى القبر .
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلي اليمين، وافترشت شماغي، ووضعت رأسي ‏وأنا أفكر، ‏ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة؟
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد،‏ ما أشده من موقف وأنا حي . فكيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هو بجانبي، والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة، ياللعجب!‏ رغم أنه مسدود من الداخل إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه! فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟ خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان في الظلام وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى الأعلى متجاهلني تماماً، ‏حينها قررت أن لا أنظر إلى اللحد .
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياً من هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماماً عن النظر إليه .تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتضر(لا إله  إلا الله .. إن للموت سكرات ) تخيلت جسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي. وتخيلت صراخ أهلي عالياً من حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
 )فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت الأصحاب يحملونني ويقولون : لا إله إلا الله، تخيلتهم يمشون بي سريعاً إلى القبر، وتخيلت أحب أصدقائي إلي وهو يسارع لأن يكون أول من ينـزل إلى القبر، تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهم بالرفق حتى لا أقع، يصرخ فيهم: ‏جهزوا الطوب.
وتخيلت أحمد يجري ممسكاً إبريقاً من الماء يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب، تخيلت الكل يرش الماء على قبري، تخيلت شيخنا يصيح فيهم : ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل، ‏ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل .
ثم رحلوا، وتركوني فرداً وحيداً، تذكرت قول الله تعالى(ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم ) نعم صدق الله، تركت زوجتي، فارقت أبنائي، تخلـيّت عن مالي، أو هو تخلى عني .تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً، ظهروا بأصوات مفزعة، وأشكال مخيفة، ينادي بعضهم بعضاً: ‏أهو العبد العاصي؟
 فيقول الآخر: نعم. ‏ فيقال: ‏أمشيع متروك ‏أم محمول ليس له مفر؟ ‏فيجيبه الآخر: بل محمول إلينا ليس له مفر. فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام . ‏
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزونني بعنف قائلين:‏ ما غرك بربك الكريم ؟ ما غرك بربك الكريم حتى تنام عن الفريضة .. ‏ ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ أهي الدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار فناء؟ وقد فنيت! أهي الشهوات؟ أما تعلم أنها إلى زوال؟ وقد زالت! أم هو الشيطان؟ أما علمت أنه لك عدو مبين؟ أمثلك يعصى الجبار، والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته، لا نجاة لك منَّا اليوم، اصرخ ليس لصراخك مجيب
فجلست اصرخ رب ارجعون، رب ارجعون. وكأني بصوت يهز القبر والفضاء، يملأني يئساً يقول :  (كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ
 إلى يوم يبعثون )

بكيت ماشاء الله أن أبكي، ثم قلت: الحمدلله رب العالمين، مازال هناك وقت للتوبة، استغفر الله العظيم وأتوب إليه ثم قمت مكسوراً،‏ وقد عرفت قدري، وبان لي ضعفي، أخذت شماغي وأزلت عنه ما بقى من تراب القبر ، وعدت وأنا أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه وسلم :
عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك مجزي به
—————
 دعواتكم لي في ظهر الغيب – اخوكم في الله ( كاتب القصة ) –

4 يناير, 2010 طاقة الفرج

أضف تعليقك

حدث الأمر هكذا بسرعة مذهلة وترتيب غريب، هوت الفرحة على رأسه كمزحة من العيار الثقيل ومكيدة من الليرات الذهبية.

لم يكن قد استعد جيداًَ لمثل هذه المفاجأة، كان ما يزال في طريقه إلى الخيمة يحمل الماء على رأسه المتصدع كأرض محروثة، إلى أن لمحها من بعيد.. فاتنة، متمايلة الخطى، لونها الأبيض بدا كفستان عروس تضحك، صوتها عذب ينفث فحيح غيوم بيضاء، أما عجلاتها كانت بطيئة كما تبطئ الفرحة داخله تخبطاً.

دون تردد ركض ليثبت قدميه أمام تلك الطاقة الصغيرة، وما هي إلا لحظات قليلة حتى عج الصخب، وانسل الأولاد الشياطين من ثقوب الأرض يتدافعون ويتقاذفون الضربات والضحكات.

دفعوه بقوة إلى الوراء، احتلوا موقعه الملاصق للطاقة، رغم ذلك ظلت الفرحة على وجهه طافحة كدلو الماء الذي اندلق على جسده لحظة تلقي المفاجأة، ربما سكبه عن قصد كي يتأكد إن كان الأمر مزحة أم حقيقة.! لكنها الحقيقة.. الحقيقة.. بكل طيشها وجموحها القاهر.

تشبث بموقعه أكثر وضحك بصوت يضج انتصاراًَ.

ما هي إلا لحظات حتى انفتحت الطاقة تتقيأ الضوء في كل مكان، ظهر منها وجه مجدور يصيح:

(بنظام كل في دوره.. لا أريد ضجة.. كل في مكانه..)

وأنا هذا هو مكاني لن أسمح لأحد بمزاحمتي عليه..

طالما ظن أن الحياة ستفتح له ذات يوم كل مساماتها كي ترشقه بفرحها. 

بين ضجيج الفرج وصراخ الفرح، تذكر تلك المرات الكثيرة حيث كان يقف هناك بعيدا عن هذا الشباك الصغير، كان النهار يمضي.. قدماه تتورمان، الشمس تذيب رأسه وتصهره في بوتقة تجمع الرأس والرقبة في قالب واحد.

كثيراً ما كانت الحمولات "تنفق" والنهار يمضي قبل أن يأتي دوره، يتبارك بملامسة تلك الطاقة، ليعود أدراجه ثقيل الخطى ينوء ظهره بحمل الخيبة فتقضه.

أمه وأخوته الصغار يتكومون أمام شق الخيمة كثياب "مجعلكة" بانتظار الظافر كي يعود بها لنازلة شتاء طويل يسن أسنانه من الآن، عندما تلوح قامته من بعيد تتلاطمها أمواج الانكسار تلوح ا لدموع في عيني أمه، بينما يتدحرج أخوته الصغار إلى شقوقهم، ربما كانوا يلعنون في أعماقهم الأخ الأكبر الذي سيضعهم مرة ثانية بين فكيّ البرد واصطكاك الأسنان والاحتكاك بالموت عن كثب.

إنه خير من يعرف أن للبرد أضراس تمضغ تلك الجثث الضئيلة، تلوكها متلذذة باستسلامها، لتبصقها في آخر المطاف وجوهاً صفراء، وعيوناً فارغة من كل شيء، إلا من دهشة النجاة.

لكن اليوم كل شيء تغير.. هاهي الفرجة المضيئة على بعد أمتار منه.. الظهور أمامه بدأت تستدير تبشره باقتراب دوره، فقط لو يرى وجه "مسعود" الآن كيف يبدو؟

مسكين.. ربما يقف في الصفو ف الأخيرة يحاول دسّ جسده بخبث ومهارة كما يفعل دائماً

آه يا مسعود ليتك تراني الآن.. ستحسدني حتماً وسأزهو أمامك خابطاً بقدميّ على الأرض لأقول لك صارخاً: (هل كنت تحلم بهذه الرقعة من الأرض؟ قد تضيء بعض الدموع في عينيك لكنني لن أشفق عليك أبداً، لن أترك فرحتي تشوبها شائبة، خاصة وأنك كنت تستلذ بإغاظتي وتنصرف "تنتع" صرة الثياب الثقيلة على كتفك المتعب، تحلق أمامي مبتسماً وقد سبحت سحنتك في بركة عرق لزجة ـ كمذاق وقفتي الطويلة تلك ـ تقول لي بصوت يضج انتصاراً: (لح ّ ق حالك…)

كنت أشعر أن كل شيء متواطئ معك.. الشباك أحسه يدنو منك.. الجموع تتفرق كي تفسح لك ممراً سهل الاجتياز.. حتى الشمس لم تكن تتبلد فوق رأسك لتصب جام زيتها وعرقها عليك.

لكن الأمر ليس كذلك، ها أنت في مكان لا أستطيع معاينته، وأنا هنا.. هنا يا مسعود مازلت أذكر حين سألتك مرة وقد اكتسى جسدي بانحناءة استجداء مهترئة كذلك البنطال الذي عجزت أمي عن رثيه:

ـ (مسعود علمني.. علم رفيقك كيف تفعل ذلك بكل تلك الشطارة؟)

كنت تبتسم أمامي ببنطالك الكتاني وقميصك الذي فُصّل على مقاسك ـ حتى الثياب كنت أشعر أنها متواطئة معك ـ أجبتني حينها:

ـ (إن الأمر يحتاج إلى ذكاء.. ذكاء فقط)

لم أنفجر في وجهك لأقول لك إن تصريحك معلن بأنني غبيّ لأنني ظننتك ستعطي صديقك البائس شيئاً من أسرار المهنة.

لكن الآن كل الأمور انقلبت.. سيهوي أخوتي فوق تلك الصرة يتقلبون ويتدحرجون وسيأتي الشتاء رحيماً كما لا تجري العادة.. سنجلسه معنا.. سنحكي له كل الحكايات الخبيثة والبريئة.. سيضحك حتى ينقلب على قفاه فيبدو كولد مراهق، سنوبخه ونعاتبه على كل المرارات ساخرين من تحطمه وسيعتذر لنا تائبا.. أحدنا سيدس أصابعه الدافئة تحت الغطاء السميك قبل أن يقبل اعتذاره. 

ظهر جديد استدار، ما هي إلا لحظات ويدخل طاقة الفرج ليخرج منها شخصاً آخر.

تمسّك بالشاب أمامه وألقى نظرة خاطفة للوراء وضحك في عبه.

سال عرق بارد على سلسلة ظهره.. تداخلت كل الصور في عينيه فأزاحها لأنه هنا..

ها أنت أيها البائس وجهاً لوجه أمام هذه الطاقة دون فواصل دون حدود دون طوابير متكاثرة

ها أنت أمامها وجها لوجه ( من قال إن الدنيا ظلامة الحظوظ؟ ) .

حدق في المربع الصغير عاين زواياه الحادة كعيون صقر.. تحسس قضبانه، حيث المربع المجاور كان أكثر اتساعا كي تتمكن المعونات من إعانة نفسها بالتزحلق، ها هي الطاقة تتحسس لون الضوء في سحنتها، ارتفع صوت الرجل أمامه، يخربش بين الأوراق، كان سيقول له:

ـ أ نا في واد وأنت في واد..

أين أنت الآن يا مسعو د.؟

جاءه صوت الرجل مُلحاً بعصبية:

ـ البطاقة.. أعطني البطاقة.

ليست مزحة من العيار الثقيل أو مكيدة من الليرات الذهبية ما سقط على رأسه.. فؤوس.. فؤوس مشحوذة بحرفية فالق الصخر. 

البطاقة.. كيف نسيت البطاقة.!.

بلع ريقا ناشفا وهو ينضح العرق الدافق من جبهته.

تدافعته الجموع للوراء.. أحس برغبة ملحة للبكاء لكنه لم يفعل

صرخ البرد في جميع غرف قلبه المتخبطة الأبواب والشبابيك.. دوى الصوت في رأسه يفلقه إلى نصفين، أحس أنه يبلع جفاف الصحراء بشوكها وواحاتها الكاذبة في حلقه.

وجوه أخوته ما لبثت تركض في ممرات جمجمته نيئة.. أجساد منكمشة على نفسها كضحكة مقتضبة.. أصابع تتآكل برداً.. عيون صامتة كقبر قديم.

إنه من يعرف البرد.. إن دخل من الباب هربت الحياة من الشباك .

وحده من خبر للبرد فحيحاً ساماً أشد قسوة من لدغ البرد نفسه.

هل كنتُ حقاً هناك قربها.؟ أم كانت تلك اللحظات القصيرة ضرباً من ضروب التشظي حلماً.؟

انكسرت جميع مرايا الثقة في أعماقه، وجد نفسه يتمرغ فوق فتاتها.. 

نهره هذا.. ولكزه ذاك.. أخذت الشمس تسلط أشعتها المحترقة عليه..

رنا عميقا إلى يديه تباركتا بملامسة تلك الطاقة التي غدت بعيدة.

بعيدة جداً كتلك الشمس المتواطئة معك يا "مس عود". .
بقلم:كنانة عفاش العفاش-دمشق

أضف تعليقك

رنات الهاتف تتسارع لتقطع جو السكون الذي أشاعه صوت الأستاذ في المحاضرة…
النغمة نفسها التي اضطرتها إلى إقفال الهاتف ليلة البارحة، وفي الصباح، وبعد المحاضرة الأولى، والآن…
امتطاط الدقائق عند الحديث عن الدروس يثير شهية الاضمحلال لديها، فتغدو متقوقعة على الكرسي القديمة، التي احتجزتها في المكان ذاته، منذ بداية الفصل الدراسي الأخير في الجامعة.
الجو اليوم "مُحيْر" كما الذي سبقه، وعادة ما تتقشف السنة بحرارتها وبرودتها في هذا الموسم، ومن يدفع الضريبة هي التي تجلس على الكرسي نفسها منذ بداية الفصل الأخير في الجامعة، فتتلوى من وجع في حلقها، ثم تجري قشعريرة الجفاف في قصباتها الهوائية، وتنفث في أنفها ريح الزكام، فتعاني..
ثم، تحاول أن ترقد، وبعد ذلك بأربع وعشرين ساعة، تجتاح صوتها موجة كتمان، فتفقد القدرة على الحديث مدة ثلاثة أيام.. لا ترد على الهاتف الذي أيقظ فيها سطوع الشمس وخفوت القمر وصراخ الرعد وعويل البرق، وتصبح خبيرة درجة أولى بحالة الطقس.
***
ألفين وواحد.. ألفين وثلاثة.. وأربعة.. وتهجم الشمس جهراً على السماء فتمحو الملامح العقائدية لليلة على ضوء القمر، ولذة عد النجوم فيها..
سميت الليلة بذلك لأنه لم ينم فيها؛ فلا يستطيع مرتادو لحظاتها أن يطرقوا باب النعاس، وهي جميلة جدا حين تترنح بدلال في سماء النقب، متبخترة بصفاء ما فوق الخيمة، ومتعالية على سبب الوجود المقيت في مكان جعلته الأمم المتحدة من نصيب الدولة غير الشرعية التي أصبحت شرعية لأن "الداية" التي ولَّدت جارتها "بنت حلال"، ولأنها وُلدتْ وحدها واقفة على قدميها، لم تجد إلا أن تتكنّى بداية جارتها…
سُجلت في شهادة الاحتلال "قانونية"، وبقي الأمر مُتَداول في حانات اللاوعي العربي، إلى أن يحين موعد الغروب، وتنطفئ الكهرباء، فيتحدث العرب عن عدم شرعيتها بلغة الإشارة..
هو حاليا موجود فيها؟! ويعترف بها بكل ما أوتي من سخرية ساقته إلى قدر ملعون، فموعده مع الثورة التي اعتادت أن ترمي همومها على بعض الأشداء، فتنكسر ظهورهم، ويلجؤون إلى … إلى تيار معاكس ليحميهم، فيُرجعون للثورة همومها ولا تندم أبدا.
***
انتهى الدوام، وتراقصت النغمة الخاصة من جديد، ولا حياة لمن ينادي، يخنقه "برستيج" "الفصائل" حين تتهادى عجرفة أبنائها نحو الجالسين في الخيمة بنعومة، فيظن إن الموجودين غير الذين انخرطوا في الثورة؟!
وهو.. يغدق عليها رنّاته، بحثا عن الوجه الآخر للحرية الحمراء، التي يتغنى بها برفقة الشعراء في الخارج…
تهديد اضطر أن يفرض نفسه على الأجواء حين أراد أن يكلمها في المرة الأولى؟! فأقسم باسم "التنظيم" الذي رضع من صدره، أن يحاسبها على كل عمل شرير قامت به منذ أن وقعت في دائرة المراقبة؟!
وحين تدرك أن المتحدث مدعوم تقول له: "بلط البحر يا ……"
فتستثير فيه حقا الرغبة في تبليطها، وينجح.. ليصبح حبيبها الذي حلمت به من قبل ما يقارب الخمس سنوات…
وأدى عمق التجربة إلى حمل غير شرعي لرنات الجوال .
***
تسرع نحو المطبخ ، تخرج نصف كيلو من الأرز، وتنقعه في الماء مستعجلة، بينما يتخطى هو مرحلة قتل الوقت وينقع الأرز أيضا..
نصف ساعة مرت الآن، استطاعت فيها أن تغير ملابسها، وتصلي، ثم تعود إلى المطبخ..
كل شيء جاهز الآن عنده، ولا يحتاج إلا لبعض البهار، يرش مكونات الطعام به..
فكرا ببعضهما حين نضج الأرز..
اشتاق أحدهما إلى الآخر، وماء "الشوربة" يغلي..
أطبقا على جهاز الاتصال بشدة، وهما يأكلان…
ـ الآن سأتصل
ـ لا بد أنه سيرن الآن
ترن ترن ترن ترن ترن ترن
ـ وأخيرا تكلمتِ؟ لماذا لم تردي على اتصالاتي منذ يومين؟
ـ عفوا أنا لست….. أنا صديقتها في السكن الجامعي
ـ وأين هي؟
ـ لقد اختفى صوتها كلياً، وتقول بأنها سترد حين يعود.
صام عن الحديث هو الآخر، لن يتطرق إلى تضييع ثانية بعيدا عن ملكوت الحديث معها، وبدا له صوتها كسراب في الصحراء يجري للإمساك به دون جدوى..
صام وصلى وصبر وتضرع داعيا.
***
وتعود رنات الهاتف، تتسارع لتقطع جو السكون الذي أشاعه صوت الأستاذ في المحاضرة…
النغمة نفسها التي اضطرتها إلى إقفال الهاتف ليلة البارحة، وفي الصباح، وبعد المحاضرة الأولى، و… وهي نفسها التي جعلت الأستاذ يطردها من المحاضرة، فأسرعت قدماها تعانقان بلاط الأرض، تركضان نحو اهدأ نقطة، وطبعا أكثر نقطة تعمل فيها الشبكة، تسمع:
ـ "شو، ما رجع الصوت؟"
فتقول:
ـ "اشتَقت لَك كثيرا"
ويعودان للعزف على الأوتار ذاتها؟!
لا يملان….. ولا مرة أحسا أنهما يعيدان الحديث عن المشاعر نفسها والأشخاص عينهم، ما يزالان يتمتعان بروح مقاومة …
تسأله:
ـ "كيف المعنويات؟"
يجيب:
ـ "عالية"
تكمل: "إن شاء الله على طول، راح الكثير وبقي القليل"
ويختمان:
ـ "ديري بالك على حالك"
ـ وأنت كمان".
بقلم:  نهى شريف غنام -مواليد 1984 _ الكويت، السالمية

15 ديسمبر, 2009 أحاسيس للبيع

أضف تعليقك

لم يكن حزنه على خاله بل على حاله ، على شهاداته الكبيرة ومواهبه المتعددة وهي تراق تحت أرجل المجتمع بدون اعتبار ، ماذا فعل ( زمردة) الفاشل ليحصل على ألف وخمسمائة جنيه في ليلة ، هذا الذي حفظ بعض السور بالإكراه بعد فشله في التعليم ليتسول بها على المقابر ثم صار بعد ذلك المقرئ الشهير ، أ كل هذا من أجل الصوت ؟ .
رفض عرض زمردة توصيلة مجانية بسيارته الحديثة متعللاً ببقائه مع أولاد خاله حتى لا يقتله الغم
رجع إلى بيته ماشياً ، وجد رسالة تحت الباب تحمل نبأ الشاعر المناضل و رفيق الأدب الراقي وموعد حفل التكريم بالعاصمة .
أشعلت قصيدته التي كتبها النار في أعين وقلوب الحاضرين من أهل الميت وأحبابه وجمهوره ، حتى بكى الأديب الشهير صاحب الصالون الأدبي اللامع ودار النشر الكبرى بكاءً مريراً طلب على أثره من الشاعر أن يشرفه في مكتبه صباح الغد .
لم يصدق نفسه وهو يمسك بمبلغ كبير كهذا ، وراح يقلبه ويشمه بعدما خرج من مكتب الرجل الذي لم يتكلم كثيراً إلا أنه أوحى إليه أنه يهمه أن يجد من يرثيه برائعة كالتي ألقاها بالأمس .
لم تمر أيام إلا وصدق حدسه وكان يلقي خريدة في رثاء الرجل سطع بها نجمه .
تطورت الأمور ليذيع صيته في أروقة المجتمع الأخرى ، وأصبحت قصيدته تقليداً يدخل الميت به سجل العظماء بغض النظر عن الاستحقاق .
وذات ليلة شعر بريح هوجاء تقتلع باب شقته الجديدة و أوجه كثيرة حوله لم ير منها سوى الأعين ، حملوه بملابسه كما هو ليمثل أمام الباشا :
ـ طبعاً سمعت بالفاجعة ومصيبة رحيل صاحب السعادة والدي ، وبالتأكيد ستقوم بواجبك الوطني في رثاء شخصية عظيمة مثله ، أمامك أسبوع على حفل التأبين .
قضى يومين يطبب في سريره من أثر الحملة قبل أن يحبس نفسه ونَفَسَه بقية الأيام ليعد القصيدة .
لم يبق سوى ساعتين على موعد الحفل ، جاءته حملة أخرى ولكنها تختلف عن الأولى ، فقد كانت من أبناء الفقيد الذين استأخروه فجاءوا ليتبينوا الخبر وليسمعوا المرثية بكراً .
يا مساء الرعب ، إن كل واحد منهم وراءه من كتل اللحم التي تسمى بالحراسة الخاصة ما يذكره بأجساد عاد وثمود ، كلهم يحمل ملامح الفقيد الذي أطعم الناس القطط والكلاب المستوردة والذي جلب كل المواد المسرطنة والذي ما خلت من ذكره أي مصيبة حلت بالبلد .
استجمع ما تبقى لديه من قوة ، ألقى قصيدته العصماء ، بكى الجميع معلنين حزنهم على الغالي :
ـ ما كنت أعلم أن المرحوم كان رحيماً .
ـ وما كنت أعلم أنه يميز بين الشعر ومواء القطط .
ـ أ كل هذا الخير في أبينا ولا نعلم ؟
صاح فيهم غاضباً :
على رسلكم فليست القصيدة في أبيكم
سادت لحظات من التلفت والدهشة قبل أن يصيح كبيرهم :
ـ فيمن كتبتها إذن ؟!
ـ نزفتها من أجلي أنا ، فهي مرثية شاعر المراثي ،فقد أمضيت أياماً أبحث لأبيكم عن حسنة أنظمها في بيت فلم أجد .
لم تمر ساعة وكان أحد الشعراء البارزين في حفل التأبين يلقي القصيدة العظيمة التي كتبها شاعر المراثي قبل أن ينتحر حزناً على فقيد الوطن .
بقلم:خالد الطبلاوي

10 ديسمبر, 2009 كُرسيّ المُدير

أضف تعليقك

لتحقَ المهندسُ نبيه بفرعِ الشركة منذ سبعِ سنين ، ومنذ الأيام الأولى راحَ الجميعُ يتهامسون بأنّ وراءَ ذلك اللسان الحُلْوِ ، والبسمةِ التي لا تُفارقُ الفم ، والتواضعِ المُبالَغِ فيه ؛ بئراً عميقةً مليئةً بالطّموحاتِ المؤجّلة !
ونُقلَ عن عمّاله في المشروع الذي يرأسه أنّه كانَ يُمازحهم ، ويجلس معهم على الأرض ويُشاركهم طعامَهم البسيط ، وأنّه كثيراً ما كانَ يُصلّي معهم صلاةَ الظُّهر ، وعلى ذمّةِ أحدهم أنّه رأى مرّةً في دُرجِ طاولته مُصحَفاً صغيراً كانَ يُخرجه من حينٍ لآخَر ليقرأ فيه .. وهذه الأخبار التي كانت تَنْمى إلى سَمْعِ مُدير الفرع " الأستاذ محمد خير " أثلجتْ صدره عليه وجعلتْهُ يُقرّبه منه دونَ كثيرٍ من مُهَندسيه مُدَراءِ المشاريع !
ولم تَنْصَرِمْ سنتان على بدءِ عمله حتى فوجئ مَنْ في الشركةِ جميعاً بتلفيقِ تُهمةِ اختلاسٍ – عُرفَ بعدُ مَنْ لفّقها – لمدير الفرع ، فكُفّتْ يدُهُ عن العمل ، فجلس في بيته يترقّبَ البتّ في أمره ! وبِقرارٍ سريعٍ من المدير العامّ للشركة ، تنفيذاً لبرقيّةٍ عاجلةٍ من الوزير جلسَ " الأسـتاذ نبيه " بكاملِ أناقتِـهِ – وبوجهٍ آخرَ جديدٍ لم يرهُ به أحدٌ من قبلُ – على كُرسيّ مدير الفرع .. وكانَ أوّلَ أمرٍ إداريٍّ أصدره تبديلُ كلّ ما يُذكّر بالمدير السابق من أثاث مكتبه ، ثمّ عيّنَ " الآنسة سوزان " الكاتبةَ في الديوان سكرتيرةً له في الغرفة المُجاورة . وحَفِلَ " بوفيه " مكتبه بكلّ أنواع المشروبات ؛ من الشاي والقهوة والزهورات إلى العصير البارد وبعض أنواع الخُمور ! فلكلّ لحيةٍ تزوره مشطٌ يُمشّطها به " لمصلحة العمل " ، كما كان يُردّدُ على مسامع موظّفيه في كلّ اجتماع ! ثمّ لم يَلْبَثْ أنْ آمَنَ بأنّهُ خُلِقَ لهذا الكٌرسـيّ الدَوّار ، وأنّهُ لن يسـتطيعَ أنْ يُزحزحه عنهُ إنسٌ ولا جانّ ّ! وصـارتْ زياراتُ " المَدام زوجته " للفرع أمْراً مُعتاداً ، تأتي بها سيّارةُ " اللانسِر " التي أصبحت تحتَ تصرّفها معَ سائقها " أبو محمد " وكانَ يَطيبُ لها أن تتمشّى في ممرّات الفرع تستعرضُ طولَها الفارعَ وأنفَها المرفوعَ وشعرَها المُستعارَ وعُطورَها الفرنسيّةَ ، وكأنّها في قصرِ أبيها ! ثمّ تشرب القهوةَ عند " الآنسـة سوزان " قبلَ أنْ تدخل إلى الأستاذ !
وشعر " الأستاذ فارس " المهندسُ في شعبة التخطيط بأنّ السعدَ قدْ أشرق عليه مع المُدير الجديد فراحَ يتولّى التخطيطَ والتنفيذَ للعلاقات الاجتماعيّة " التي تصبّ أخيراً في مصلحة العمل " كما كان يهمس للمدير: حفلات عائليّة مع المسؤولين في المحافظة وفي البلديّة ، وسـهرات وعشـاءات في " كازينوهات " البحر الفاخرة مع كبار الشخصيات والمُقاولين ، وباتتِ الخِرافُ المحشـوّة بالرزّ واللحم ، والمُضَمّخة بالخُمور والتي كان يُدعى إليها كِبارُ المسؤولين ؛ عُرفاً عندَ كلّ تدشينِ مشروعٍ جديد ! ولمْ يكن يُداخل الأستاذَ نبيه شَكٌّ بأنّ كلَّ ذلك ممّا يجعله من الراسخين فوقَ كُرسيّه الدّوّار !
بعدَ سنةٍ أو تزيد على تولّيه إدارة الفرع ، فوجئ الأستاذ نبيه بلجنةٍ من الجهاز المركزي للرقابةِ والتفتيش تكفّ يده عن العمل ، وتُحيله إلى التحقيق بتهمة " هدر المال العامّ " .
وكانَ أوّلَ أمرٍ إداريٍّ يُصدره مديرُ الفرع الجديد ، الأستاذ فارس ، تبديلُ كلّ ما يُذكّرُ بالمُديرِ السابقِ من أثاث مكتبه . وحلّت " الآنسة ليلى " مكان سوزان ..
بقلم:مصطفى حمزة

أضف تعليقك

يجاهد نفسه ليعوم كما علمه ابوه واخوه الاكبرولكن……
مالها المياه ثقيلة جدا لا يقوى ان يتحرك خلال امواجها
النهر اليوم هائج والامواج مائجة ولا يستطيع التقدم
ولو عقدة الا بجهد جهيد
فجأة يرى أناسا كثيرين يعوموا ويجدفوا في قبالته ومواجهته
يتعجب….. يحدث نفسه
ما هذا ؟
أين يذهب هؤلاء؟
أهم مجانين؟
ألا يعلمون انهم يسبحوا لحتفهم؟؟
يلوح لهم بيده
يتكلم اثناء سباحته وبأعلى صوته
الي اين انتم ذاهبون؟
خذوا بالكم.
خذوا حذركم
يمسك بيد من يلقاه من الشباب
اخي انت لا تدري الي اين تعوم
بعد هذه الامواج التي خلفي انحدار شديد في النهر
ممكن ان تموت
بل ممكن ان تموتون جميعا
وان سلمتم ففي نهايته سباع وتماسيح
الا تعلم جغرافية النهر
يهز الفتى له كتفيه ويمضي
يصعب عليه ان يتركه
حرام عليك نفسك
ارجع
ارجعوا
ارجعوا
و تذكر انه فعلا يسبح عكس التيار
ولكن الفنار والشاطئ قبالته
اما هؤلاء
وحديث النفس يغالبه
هم امهر مني
بل ويجرون في المياه كأنما على البر
يقطعون الامواج باذرعهم كما يفطع السيف الزبد
ولكن لا يعلمون انهم يسيرون الي نهايتهم
ترى ما غرهم بهذا الجنون؟؟؟؟؟
سلاسة الامواج؟
ام كثرتهم؟
أم بعض القوارب والنساء التي لن تغني عنهم اذا وقعت الواقعة شيئا؟؟
ام يريدون ان يكتشفوا المجهول؟؟؟؟
ولكن ربما لا احد قال لهم هذا؟
لا بل لقد حذرتهم .
وسمعت مع قدوم الريح اكثر من مرة تحذيرات ممن سبحوا في اتجاهي قبلي لهم
اذا قد اعذر من انذر
اه يا الله …..

ما اثقل الامواج ….المياه تعلو على عيناه مرات ومرات
يكاد لايرى امامه.. يحرك كلتا يديه .وكأن احدا قد علق له فيهما اثقالا من حديد
كاد يترك نفسه مرات للموج… الذي يصارعه كانما يصارع مارد عنيد او مصارع شديد
تعب وانهك وتخدرت يداه وقدماه بل وتخازلت عنه احيانا ايضا
ماذا يفعل …..
انه يهوي للاسفل …ياالله……يا الله…..ياالله
يا مفرج كل كرب … يا مذلل كل صعب
تنطلق الدعوات منه تلقائيا واضطراريا
فانه اصبح في حالة لا يعلم نهايتها الا الله
يذكر نفسه وماذا لو لم انجح في العبور؟؟؟؟؟
سأموت .نعم. فلأموت إذا…. ولكن وانا صامدا محتسبا…
بل قد اكون هكذا عند الله شهيدا
لا بأس اذا لن استسلم ابدا فهي موتة واحدة فلتكن في الاتجاه الصحيح
تبرق له وهو في خضم تعبه واجهاده و محاولة استسلام روحه بارقة امل من جديد
هذا فرع من شجرة عتيقة طمرها النهر في جوفه الذي طالما ابتلع الكثير والعظيم من الناس والاشياء
يتماسك يحاول الامساك بفرع الشجرة
هه هه هه يارب . يامفرج كل كرب
يمدد كلتا يديه لعله يمسك بحبل نجاته او بفرع سعادته
لي مدة كبيرة احاول واحاول لقد تعبت لقد اجهدت .ماعاد بي بقية من قوة
وهو في صراعه مع نفسه والامواج يشتبك بيده فرع اكبر مما يراه كان تحت المياه وهو لا يراه
الله اكبر . يرددها .ياجابر الكسر يارب . يا مفرج كل كرب. يامجيب دعوة المضطرين
امسك بالفرع .بدا ان نهاية الفرع الذي يبعد عن الشاطئ عدة عقد صغيرة يظهر منها قاع النهر
تشبث به دفعه دفعة رائعة غير عادية … دفعة النجاة
الحمد لله
هاهو الشاطئ
بل هاهو بر النجاة
كنت احلم به
كنت اطوق له
اخاف الغرق مع الغارقين
هاهي قدمي تلمس صخر الشاطئ
ها هي يدي اضعها على اول حبة رمل
و لمس نسيم عابر جميل على جسده المنهك حينما يظهر من المياه
ها لقد نجوت
الحمد لله يتمتم
ولكنه مع عنفوان النهر
يسمع صرخات مدوية بعضها فوق بعض
كانها ظلمة الامواج وطبقاتها المخيفة
لهف نفسي لقد حدث المحذور

لقد ماتوا ااااااه ياالله
وترنو عينه الدامعتين ورأسه المتعبة من شقة السباحة
فاذا بناج اخر يلهث مثل لهاثه ويجلس بجانبه
وبيده قطعة من الخشب مزركشة كانه صار اوشيئ مشابه
حمدا لله على نجاتك اخي
الشاب .الحمد لله وحمد لله على نجاتك
هو:ما هذه القطعة التي في يدك؟؟؟؟؟ هل كانت اداة نجاتك؟؟؟
الشاب .كلا فلعلها كانت سباب هلاكهم
مع نظرة صديقه الي النهاية السوداء
والدموع تتحدر على خديهما
ينطقان بالحمد لله في الاولى والاخرة
وهو يستقبل قرص الشمس لينطلق الي احلى حياة
فتترقرق في عينه دمعة النجاة ممزوجة بلوعة الحزن علي من هلك
يلملم بعض ثيابه وادواته البالية
ليعود ليحكي قصته
قصة سابح عكس التيار
ولكن لشاطئ النجاة
ولكنه يرى من بعيد آخرين
يتراقصون ويتقافزون في النهر
في نفس اتجاه التيار
آآآآآآه
ولكن هكذا اذا هي الحياة…….
يلم شتات افكاره وتتحسس مصحفه
ويعرج الي المسجد ليؤدي صلاة الصبح
والتي يتوقع ان تكون لها طعم اخر فتكون صلاة شكر"
بقلم:الطنطاوي الحسيني علي

أضف تعليقك

مكة : أهلا بأهلك يا يثرب يحجون إلى
المدينة : شكرا لك يا أم القرى فلطالما ساقنا الحنين إليك
ولكن سمعنا أنه قد ظهر بك نبى آخر الزمان الذى
يدعو إلى عبادة الله الواحد الأحد ونبذ عبادة الأوثان
مكة : نعم لقد أنعم الله على باستجابة دعوة ابراهيم عليه السلام
" ربنا وابعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم
الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم"
وها قد خرج من بين أهلى
المدينة : وماذا كان رد أهلك عليه
مكة : لقد آمن به الضعفاء والعبيد وبعض الشباب أما عتاة القوم فقد
كذبوه ونكلوا به وبمن آمن معه وعلمت من ورقة بن نوفل هذا
الرجل الذى عنده علم من الكتاب أنه سيهاجر ويتركنى عندما
يشتد عليه الضيق
المدينة : نعم .. نعم .. لقد سمعت من بعض اليهود المقيمين فى المدينة
أنه سيهاجر إلى من بلده الذى أخرجه قومها وأن أهلى من ينصره
ويحميه هو ومن معه
مكة : ولكنه عائد إلى فاتحا ومنتصرا وسيطهر الحرم من الأوثان وأنه لن
يؤذى أهلى فهم أهله والبيت الحرام جزء منى
المدينة : ولكن مقامه سيكون على أرضى ومسجده سيكون بى وأخواله من
أهلى والمنعة له ولأصحابه ودعوته على أرضى
مكة : كل له مقام معلوم وفى أرضى المسجد الحرام موضع الجلال
المدينة : إن كنت متفاخرة ففى أرضى سيكون المسجد النبوى وقبره صلى الله
عليه وسلم موضع الجمال والطمأنينة
مكة : منى السادة وقريش وخلفاؤه
المدينة : منى الأوس والخزرج وأنصاره وسيجتمع على أرضى هو
وأحب أصحابه
مكة : منى أبوبكر وعمر وعثمان وعلى وعبد الرحمن بن عوف
المدينة : منى سعد بن معاذ وسعد بن الربيع وعمرو بن الجموح
وسيجتمع عندى من تفاخرت بهم
مكة : عرفات جبلى يجتمع عليه العباد وتغفر ذنوبهم
المدينة : أحد جبلى يحبه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه ويحبهم
مكة : سنذهب بعطايا رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة : إن كان اهلك سيذهبون بالشاة والبعير فنحن سنرجع إلى رحالنا برسول الله
مكة : اعلمى يا طيبة أنى أحبك وأحب من سيهاجر إليك
وسيكون قبر رسول الله فى ثراك
المدينة : واعلمى يا أحب بلاد الله إلى الله أنى أحبك ومشتاقة إلى أهلك
يامن على أرضك يغفر الذنب والسلام عليك يا بلد الله الأمين
بقلم:أسامة عامر

6 ديسمبر, 2009 شىء فى صدرى

أضف تعليقك

الأب : ما بك يابنيتى .. ماذا دهاك ؟
الفتاة : لا شىء يا أبتى
الأب : أشعر وكأنك غريبة عنى
الفتاة : كيف ذلك يا أبتى ؟
الأب : كل إخوتك يتحدثون ويمرحون وأنت غير آبهة
تفضلين الانزواء والوحدة
الفتاة : هذا شىء ليس جديد على يا أبى
الأب : ولكنه يؤلمنى يا ابنتى
لا بد من إنسان تفضين إليه بهمومك وبما تشعرين وإلا ………..
( يصمت )
الفتاة : وإلا ماذا ؟
الأب : أصابك شعور بالـ …..
ما هذا الكتاب الذى فى يديك
الفتاة : إنها رواية
الأب : هل انتهيت من قرأتها ؟
الفتاة : ليس بعد
الأب : إذن فقد أزعجتك وقطعت عليك حبل أفكارك
سأعود إليك فى وقت آخروأتحدث معك
الفتاة : ( تلقى بالرواية جانبا )
بل يؤجل كل شىء من أجلك يا أبى
هأنذا طوع أمرك .. تفضل
الأب : بنيتى .. لماذا أحس أنك غريبة عنى
الفتاة : هل وصل إليك هذا الإحساس
الأب : نعم
الفتاة : وكيف شعرت أننى بعيدة وأنا معك صباح مساء
الأب : جسدك معنا ولكن أين روحك ؟
الفتاة : ترى يا أبتى ما السبب فى ذلك
الأب : جئت إليك كى أعرف السبب
لو كنت أعرفه ما سألتك
الفتاة : هل أنت مصر أن تعرف السبب
الأب : إذا لم يك عندك مانع
الفتاة : الصراحة مؤلمة يا أبى
الأب : ولكن لا بد منها
الفتاة : مهما كانت
الأب : مهما كانت ستجد عندى براحا
الفتاة : انظر فى المرآة وستعرف
الأب : ( باندهاش ) أنا يا ابنتى
الفتاة : هل تضايقك مصارحتى
الأب : أبدا .. أكملى
الفتاة : أرجوك أن تسامحنى إن كنت أغضبتك
الأب : أبدا يا ابنتى فأنا أحب أن أراك سعيدة
هيا أكملى وبوحى بما فى نفسك وستجدين منى مايقر به عيناك
الفتاة : البنت منا يا أبتاه تحب أن يشعر بها أحد يشاركها أحلامها
وتبث له همومها وأحزانها فإذا لم تجد فى البيت من يسمع لها
أو يحس بمشاعرها فلمن تلجأ ؟
الأب : نعم يا حبيبتى .. ستلجأ إلى الخارج من الصديقات والـ ……..
الفتاة : بالضبط يا أبى وتدريجيا تكون سيطرة الأخرين أقوى من البيت
الأب : ( يقبل ابنته )
سامحينى يا ابنتى لقد استوعبت الدرس جيدا
الفتاة : ( تقبل يد أباها )
أى درس يا أبى .. إننى لم أقل شيئا بعد
الأب : كل لبيب بالإشارة يفهم
الفتاة : وماذا فهمت يا أبى ؟
الأب : الكثير والكثير
الفتاة : مثل ماذا ؟
الأب : أن أكون لك صاحب وصديق وتشكين لى همومك
إنك يا قرة عينى مرهفة الحس عفيفة النفس شفافة الروح
شكرا لك يا بنيتى
الفتاة : علام تشكرنى يا أبى !
أنا المدينة لك بحياتى فلولاك ماكنت
الأب : بارك الله فى أبنائنا هم يعلمون منا ونحن نتعلم منهم
بقلم:أسامة عامر

4 ديسمبر, 2009 رحلة الحاج حنظلة

أضف تعليقك

قال حنظلة : ( هذه فرصة مواتية للذهاب إلى الحج دون الاضطرار إلى الحصول على إجازة من العمل . ولَطالما راودتني نفسي بذلك سنوات وسنوات . إنها حقا فرصة لا تعوض . أُحسُّ في نفسي برغبة جامحة لا حدود لها ، تدفعني إلى اتخاذ القرار .
توكلت على الله …أنا لست أول من يذهب إلى الحج بحملات غير نظامية .
ماذا نفعل وأسعار الحملات النظامية قد تضاعفت مراتٍ ؟!
إن وجود عدد من الجيران والزملاء في الحملة ؛ وإشرافَ رجل محترم مثل ( م. أبو سنّة ) على تسجيل الأسماء وجمع الرسوم ؛ لممّا يبعث على الارتياح والاطمئنان ) .
بادر حنظلة إلى التسجيل ، وأخذ يستعد …
بدأت رسائل السيد ( ف. العجمي / أبي ناصر ) تتوالى إلى زبائنه الكرام على هواتفهم الجوالة :
رسالةٌ تذكر بموعد السفر ، وأخرى تذكر باللوازم ، وثالثة بالتطعيم …الخ
ساد الانطباع بأن صاحب الحملة شديد الاهتمام بحملته .
وكانت رسالته الأخيرة قبل السفر : ( هناك أماكن شاغرة لمن يرغب ) .
بعد ظهر الخميس 4/12/2008 غصَّت الساحة أمام مسجد جابر العلي في محافظة الأحمدي / الكويت..بالسيارات !!
ما يقارب اثني عشر باصا امتلأت عن بكرة أبيها بالوجوه المتفائلة المؤَمِّلة وانطلق الموكب في لحظات مفعمة بالأمل والدعاء والترقب .
ردد حنظلة مع ركاب الباص دعاء السفر ، واستمع إلى الشيخ خالد وهو يعظ الركاب ، ويشرح لهم أداء المناسك .
لم يَفُتْ حنظلةَ – على عادته – أن يتساءل حينا ، ويُعلِّقَ حينا آخر مقاطعا حديث الشيخ الذي كان يثني أحيانا على تعليقاته المفيدة .
في ظهيرة الجمعة 5/12/2008 غمرت نفوسَ الحجاج فرحةُ الدخول في الإحرام من ميقات السيل .
وما هي إلا سُوَيعات حتى بدأ الهرج والمرج ، واشتد الجدال بين لابسي البياض : الركاب من جهة ، وساقة الباصات من جهة أخرى .
قال الساقة : (إن صاحب الحملة لم يستطع تأمين دخول الباصات إلى مكة. فاذهبوا إلى حجكم ، وأدّوا مناسككم ، ثم عودوا إلى هنا ، إلى ميقات السيل يوم الأربعاء القادم لنعود بكم ) .
حاول بعضهم الاتصال بصاحب الحملة الذي كان يحرك حملته من بعيد بالريموت كنترول ( بالموبايل ) فردّ على بعضهم ، وأغلق الخط في وجه آخرين !
ولكنه لم يزد على أنه أخبرهم بعنوان السكن ، في منطقة الغسالة قرب منى .
لم يجد لابسو البياض بدًا من التصرف ، فأخذوا بشكل فردي أوجماعي يركبون السيارت الخاصة التي تعبر من ذلك المكان .
ركب بعضهم بثلاثمائة ريال وآخرون بمائتين للراكب الواحد !
ووجد حنظلة فرصة للركوب بمائتي ريال . ركب ولوَّحَ بيده لمن بقي ينتظر الفرج .
أخذ حنظلة وهو في السيارة يلبّي بصوت مسموع ( لبيك اللهم لبيك …)وينظر إلى البعيد بشوق .
قال صاحب السيارة في أثناء الرحلة : أنا لا أستطيع أن أوصلكم إلى الحرم تماما . تنزلون في الشرائع قبل 12 كم من مكة .وتركبون من هناك بعشرة ريالات فقط .
ارتاب حنظلة في الأمر ، فقطع التلبية ، وقال له :
( تستطيع أن تكسب المال والثواب معا ؛ إن نويت مخلصا أن تساعد زوار بيت الله الحرام ) .
السائق : ( نعم نعم ، هذا مؤكد …وهذا مانفعله )
حنظلة : ( ساعدنا إذن بعدم استغلالك لنا ماديا ، وأوصلنا إلى المكان الذي ركبنا معك من أجله )
السائق : ( هذا موسمنا . أنا لا أستغلكم . أنتم حجاج مخالفون )
في الطريق قال السائق : ( انزلوا هنا ، واجتازوا هذا الحاجز الأمني مشيا ، وبعده بخمسين مترا تركبون من جديد )
لم يكن هناك بد من ذلك ، فنزلوا ، ومشوا وهم يراقبون السيارة التي كانت تزحف في تلك الطريق المزدحمة. وما لبثوا أن اندفعوا داخلها بُعَيد الحاجز
( الحمد لله ..اللهم يسر ولا تعسر )
من منطقة الشرائع ركب حنظلة سيارة أخرى لم تلبث أن امتلأت بالحجيج
قال حنظلة في نفسه : ( الحمد لله أنها الآن بعشرة ريالات فقط ! )
وتابع حنظلة التلبية بصوت أكثر ارتفاعا ، وشاركه بعض الركاب في ذلك
ووسط شارع مزدحم قال السائق : ( انزلوا . الحرم هناك في الخلف ) .
انصاع بعض الركاب للأمر فنزلوا . ولكن حنظلة الذي سبق له زيارة المكان رأى المكان غريبا لا يوحي بقرب الحرم .
فطلب إلى السائق أن يوصلهم إلى الحرم تماما ، لأنهم متعبون .
فسارت السيارة مسافات طويلة أصابت الركاب بالذهول .
قال حنظلة : ( اتق الله يا رجل . كنت تريدنا أن ننزل في ذلك المكان البعيد الذي نزل بعضنا فيه ؟! ) قال : ( أنا لم أجبر أحدا على ذلك ) !!!
وهناك دخل حنظلة الحرم يعروه إحساس لا يوصف ، وكأن الزمان كله جُمِع فكان هذا اليوم ، بل هذه اللحظات .
أدى حنظلة أعمال الحج كلها وهو يعاني من مشقات التنقّل :
السيارات قليلة ، والازدحام شديد ، والأجور مرتفعة …وفوق هذا وذاك كان كثير من أصحاب السيارات يخدعونه ويُنزلونه كغيره من الركاب في مكان بعيد جدا عن المكان الذي يريده … لكن حنظلة الجلد يواصل المسيرة دون أن ينسى الدعاء . كان يدعو راكبا ، وماشيا ، وفي الصلاة
وكان كلما غدر به سائق وأنزله بعيدا يقول : ( اللهم اجز صاحب هذه الحملة بما يستحق ) كان يكررها من أعماق قلبه .
في أثناء أدائه المناسك ؛ علم حنظلة باتصالاته الهاتقية أن الباصات ستأتي لتأخذ الحجاج من سكن الحملة في ( الغسالة ) .
لم يستطع حنظلة من قبل أن يرى هذا السكن بسبب الانشغال بالمناسك ، وبسبب أزمة المواصلات . إلا أنه في النهاية لا بد أن يذهب إليه . فذهب قبل يوم واحد من موعد السفر .
بات هناك ليلته ، فالتقى ببعض من فارقهم عند الميقات ، أما الآخرون فلم يسمعوا بالسكن البتة !!
فرح حنظلة بأنه سيؤدي أعمال اليوم الأخير من الحج دون أن يحمل بيده أي متاع .
وبالرغم مما عاناه في ذلك اليوم ؛ إلا أنه كان يشعر بفرحة غامرة تزداد كلما أوشك أن ينتهي من أعماله .
أراد حنظلة العودة إلى السكن غير أن السائق أنزله هذه المرة أيضا في مكان بعيد ، ومشى كثيرا وهو يلهج بالدعاء المعهود ، إلى أن أشفق عليه شاب ، فأوصله على دراجته النارية التي سُرَّ حنظلة بركوبها بالرغم من أنه أحرق قدمه بعادمها
عاد حنظلة إلى السكن وفي أعماقه سعادة لا توصف .
وأخذ ينتظر ساعة الانطلاق التي حددها ( أبو ناصر ) صاحب الحملة
( وهي الساعة الثانية عشرة ليلا )
غير أن الباصات وصل بعضها وتخلف بعضها الآخر .
فرح الحجاج الذين وصلت باصاتهم ، وأخذوا يضعون أمتعتم فيها .
ولكن الباقين اعترضوا : ( ما ذنبنا نحن ؟ وهل نضمن أن تأتينا باصاتنا إذا سمحنا لكم بالمغادرة ؟ ربما يُقال لنا : تعالوا أنتم إلى الميقات حيث تجمع حجاج آخرون !! ) .
فلم يلبث أن عسكر بعضهم أمام الباصات كيلا تتحرك .
بينما تضاحك حنظلة ومن معه من الطابق الثالث وقالوا : إننا نقود الجماهير من هذه الشرفة . ثم لم يلبثوا أن غلبهم النوم .
وكان النصر حليف المعترضين ، فقد وصلت باصاتهم صباحا .
وبعد مفاوضات مع السائقين وافقوا على التزام الاتفاق المبدئي ، فساروا بالحملة إلى المدينة المنورة .
وهناك غمرت قلب حنظلة نفحات جديدة من نور عظيم .
وراح ينتهب الوقت انتهابا ، بالدعاء ، والصلاة في الروضة الشريفة وفي كل مكان ، وبالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه .
ولكنه في الوقت نفسه حرص على العودة إلى مكان الباصات في الموعد المحدد ، غير أنه فوجئ بتأخر آخرين .
وبالرغم من توافد الجميع إلى هناك إلا أن الخلاف الذي نشب بين الركاب والسائقين وتخلله اشتباك بالأيدي ؛ قد أدى إلى تأخير التحرك . فقد اختلفوا في شأن العودة عن طريق المرور بالأردن ….إلى أن استقر الرأي على عدم فعل ذلك . وتوجهت الحملة باتجاه الحدود السعودية الكويتية .
وبعد دفع ضريبة المخالفة في الحدود السعودية بشكل سريع دون انتظار الدور ؛ قال حنظلة :
( الجوازات مختومة بختم الخروج فقط ! فأين ختم المخالفة ؟!!! )
ومضى الركب …
وفي الطريق دار حوار حول صاحب الحملة ، فقدّروا أرباحه بما يتجاوز نسبة 75% مما تقاضاه من حوالي 600 حاج !!!
قال حنظلة وآخرون : ( يا لها من صفقة ! ولكن هل سيبارك الله له ؟! )
بقلم:أحمد عبدالكريم زنبركجي

أضف تعليقك

أنا شعرتُ بذلك مرة في حياتي ، مرة واحدة ، ومن يومها وأنا في عجبٍ عُجاب من أمرِ كلّ ظالم :
كيف يستطيع أن ينام ويصحو ؟
كيف يستطيع أن يأكل ويشرب ؟
كيف يستطيع أن يضحك ؟
كيف يستطيع أن يهنأ بعيشِه كبقية الناس ؟!
صدّقني ، إنْ قدّرَ اللهُ عليكَ أن تكونَ مظلوماً لا ظالماً فذلك من رحمته بكً ورعايته لك ؛ مهما تعبتَ و شقيتَ بالظلم الواقعِ عليكَ ..
لقد عِشْتُ ذلك بنفسي ..
حدث ذلك منذ أكثرَ من عشرين سنة ، في إحدى سفراتي من اللاذقية إلى حلب بالقطار وكنتُ يومها في العشرينات من عمري ، مُعتدّاً بعنفوان الشباب وقوّة الريّاضيّ ، وكانت سفراتي تلك أسبوعيّة – في تجارة بسيطة – أنطلق من اللاذقية صباحاً باكراً ، وأصل إلى محطة حلب في العاشرة ، فأسارع إلى الحجز للعودة في رحلة الخامسة عصراً . وكان يحدث عندَ نوافذ الحجز ازدحامٌ شديدٌ ، إذْ إنّ معظمَ مَن يأتون إلى حلب في هذه الرحلة حالهم مثل حالي يحجزون للعودة في رحلة العصر بعد أن يقضوا حاجاتهم من السوق .
أمام نافذة الحجز كنتُ أقف في صفٍّ طويل رهيب ، وفوضى عارمة ، وجوٍ خانقٍ ، وضجيج وسُباب وعِراك .. كلٌ يُريد أن يحجز قبلَ غيره ، ليكسب الوقت .. ضارباً في الأرض كل أدبٍ وتهذيب ونظام واحترام للآخر.. وهذا الموقف كان من أكبر المُنغّصات ، في سفراتي تلك ..
كان الذي خلفي شابّاً في مثل عمري ، أو أصغر قليلاً ، ملتصقاً بي التصاقاً مُزعجاً جدّاً ، ولكني لاحظتُ أنه كان مرتاحاً لهذا الالتصاق بي ! و لا يشعر بأيّ ضيق من هذا الجوّ الخانق الذي نحن فيه ! وكان يمضغ اللبان بمنتهى الارتخاء و الميوعة !
طلبتُ منه بلطف أن يبتعد عني قليلاً ، فالتصاقه بي يزيد من ضيق صدري .. فنظر إليّ بعينين ذابلتين ، وزاد من تلمّظه باللبان ، ولم يُجبني ، وبقي مُلتصقاً بي عن قصد !
وطارَ صوابي .. كنتُ أريد أن ألتفتَ إليه ، وأخرجه من الصّفّ ، وأخنقه بيديّ .. ولكن هيهات ونحن داخل هذه الكتلة البشريّة المعجونة ببعضها ! فكتمتُ تميّزي بغيظي إلى ما بعدَ الحجز وخروجنا من هذه المعمعة ، وكنت أشعر بدمي يغلي في عروقي ، وأن كلّ ثانية تمرّ كأنّهــا سنة !
خطفت بطاقتي من يد الموظّف ، وخرجت من الصّف بسرعة وعنف ، وحين نظرتُ خلفي أبحث عنه لم أجده ! بحثت عنه بين الرؤوس والأكتاف ، لكنّه اختفى وكأنّه الملح ذاب !
مرت الساعات الثلاث أو الأربع التي قضيتُها في السوق كأنها الجبال فوقَ صدري ، ولم أكن أستطيع التدقيق فيما كنت أشتريه من السوق ، ولم أعِ الركعات التي صلّيتُها ، واكتفيت من الغداء بوجبة سريعة أرسلتها رمياً إلى جوفي ..
وقبلَ ساعةٍ من موعد رحلة العودة كنتُ في المحطّة .. أبحثُ عنه .. ولكن دونَ جدوى ..
وفجأةً ، حين اتخذت مكاني المخصص في المقصورة ، و أسندتُ رأسي المصدوعة إلى الخلف اصطدمت عيناي به .. لقد كان يجلس في المقعد المقابل لي مباشرةً ، وإلى جانبه شاب آخر يتحدّث معه بمرحٍ وابتسام !
ألقى إليّ نظرةً سريعة لا مُبالية ، ثم عادَ إلى حديثه مع جاره .. وكأنّه لم يرني في حياته !
لم أشعر بنفسي إلاّ وأنا أكيل له اللكمات على وجهه ، وأين ؟ في مكان آخر ، بين المقصورتين ، حيثُ لم يكن هناك أحد إلا أنا وهو ، والشاب الذي كان يُحادثه .. متى جررته إلى هناك وكيف ؟ لا أعرف !
كان يحمي وجهه ، وهو يسألني بصوتٍ منخفض وألم مكتوم : لماذا تضربني .. ماذا فعلتُ لك ؟ الله يسامحك ؟!
وأنا وكأنني أعمى أصمّ ، كنتُ أضربه ولا أشـتفي ! وصـديقه يرجوني أن أتركه ! ثم تركتُه وعدت إلى مقعدي .. أستردّ أنفاسي .. وقد عادت إليّ روحي !
بعد قليل عادا وجلسا مكانيهما ، وقد غسل وجهه المورّم بالماء ..
ونظر إليّ تلك النظرة .. وامتدّت .. وامتدّتْ .. حاولتُ أن أعرف من أي نوع هي ؟ ما معناها ؟ ماذا يقصد بها ؟ .. وتمنّيتُ لو أنه يتكلّم ..
بعد قليل سمعت صوته يسألني بأدب جمّ ، وبدفءٍ إنسانيّ غريب :
– أنا سامحتُك … والله العظيم سامحتُك .. فقط أخبرني ماذا صدر منّي .. بماذا أخطأت معك ؟!
قرّبتُ إليه وجهي ، وسألته : ألم ترني قبلَ الآن ؟ انظر إلى وجهي جيّداً ..
أجاب مباشرةً وبتأكيد وثقة : لا والله ، والله اليوم أراك لأول مرة في حياتي ..
قلت با ستغراب : كيف ؟ ألم تكن خلفي اليوم صباحاً حين نزلنا من القطار، في صفّ الحجز ؟!
أجاب بدهشة : أنا ؟! اسأل صديقي ، نحن لم نسافر إلى اللاذقية منذ شهر !
هزّ صديقه رأسه مؤكّداً : نعم ، يا أخي ، نحن طالبان في الجامعة ، أنا فلان ، وهذا صديقي فلان ، وكنا في امتحان نصف السنة ، واليوم انتهينا .. ونحن عائدان إلى البلد ..
حدّقتُ في وجهه .. وكأن جمراً صُبّ فوقَ رأسي .. .. يا إلهي ، إنه ليس هو !
لم يكن هو ذلك المائعَ الحقير الذي كانَ خلفي في صفّ الحجز ، وأطار عقلي ، وعكّر يومي …
ماذا فعلتَ يا أنا …. ماذا فعلتَ ؟!
استغربا من عينيّ اللتين اغرورقتا فجأة بالدموع .. وأنا الذي كنتُ كالثورِ الهائج قبل قليل ؟!
أخرج من جيب قميصه منديلاً وناولني إيّاه !
ذبحني .. سالت دموعي بغزارة .. أطرقتُ رأسي .. لم أجد الجرأة لأرفع وجهي إلى وجهيهما ! هناك شعرتُ بذلك الشعور الجديد الغريب الأليم … أنا ظالم … لم أشعر بذلك من قبل ، ولا من بعد ….
أنا ظالم ؟! شعورٌ أمرّ وأقسى بكثير ممّا كنتُ أشعر به منذ الصباح !
كانت رأسي بينَ كفّي ، أنظر إلى موضعِ قدميّ … تملّكتني رغبةٌ جامحة في أنْ يَغضبا معاً ويثورا ويقوما إليّ و ينهالا عليّ بالضرب ، لأرتاح من شعور رعيب يجتاحني لأول مرة في حياتي ..!!
رفعتُ إليهما رأسي بعد قليل ، وعرّفتهما بنفسي ، ثم قصصتُ عليهما ما جرى لي في الصّباح مع ذلك الشّخص الساقط .. لقد كان ينظر إلي ذلك الشاب الذي ضربتُه بتفهّمٍ وتعاطف ، واحمرّ وجهه خجلاً من تصرفات ذلك الشخص .. مما زاد في ألمي وجَرْحي ..
ثم إنّه لم يتقبّل اعتذاري بالقَبول الحسن وحسب ، بل ما زال يُلطّف خاطري ، ويُخفّف عنّي هو وصديقه ، إلى أن وصلنا المحطّة .
هو اليوم مهندسٌ معروف في المدينة ، وذو سُمعة كالمِسْك ، يُضرب به المثل بالعلم والسيرة الفاضلة … رُبّما نسي ذلك اليوم البعيد ، أما أنا فلم أكن لأنساه أبداً ، هو يومٌ تعلّمتُ منه أعظمَ درسٍ في حياتي ، ألاّ أكونَ ظالِما أبداً ..
شعوركَ بأنك ظالم تعذيب أليم .. وألمٌ مُعذّب ..
لقد عشتُ ذلك بنفسي
بقلم:مصطفى حمزة