الإسلام: الصداع المزمن د. صالح نصيرات

قد يكون العنوان مقلقا للبعض، ولكن الواقع الدولي قد يفسّر لنا ما نعنيه بهذا العنوان. في الغرب كما في الشرق، في الديمقراطيات العريقة! كما في الدكتاتوريات المستبدة، هناك سؤال كبير
كيف يمكن التعامل مع الإسلام؟ قد يبدو السؤال موشحا بالغرور أوالنشوة أو حتى التدليس. فهل العالم اليوم فعلا يهمه الإسلام، ويسبب له صداعا؟ أم أن الصداع فقط لدى دوائر بعينها وجهات ومؤسسات وحركات يمينة عنصرية على راسها الصهيونية العالمية؟
وما هو الإسلام الذي يسبب لهؤلاء الصداع؟ هل هو إسلام الدروشة في الزوايا، أم إسلام الخلاف الفقهي والعقدي على مسائل أكل عليها الدهر وشرب؟ أم الإسلام الذي الذي تتبناه حركات العنف والقتل كما القاعدة وداعش؟ أم هو الإسلام الحركي أو مايسمونه بالإسلام السياسي؟ هل هو إسلام العامة أم المفكرين والمثقفين والدعاة؟
ايضا قد يختلف معي بعض القرّاء الكرام على هذه التفريعات للإسلام، وقد يرى البعض أن الإسلام نسخة واحدة لا تتعدد. أُبشركم إن كل ما له علاقة بالإسلام مقلق لهم، من الأسرة وبنيتها وتركيبتها، إلى الحضانة التي تربي على قيم الإسلام، إلى المدرسة التي تعلم القرآن والسنّة، إلى الكتاب الذي يبين سماحة الإسلام وعزة المسلم، إلى المحطة التلفزيونية التي تنقل الخبر بصدق وأمانة، إلى المثقف المسلم الذي يرى العالم على حقيقته، وتسمح له قدراته أن يتحدث ببراعة عن دينه وقيمه وحقوقه. إلى منظمة تدافع عن حقوق المسلم والجمعية الخيرية التي تقدم للفقراء ما يقيم حياتهم ويحفظ كرامتهم، إلى الحزب والتنظيم الذي يقدم نفسه مدافعا عن حقوق مواطنية برؤية إسلامية. كل هذا مقلق ومثير للانتباه.
الم تغلق مدارس ومراكز ومساجد وحضانات ومحطات تلفزة في طول العالم وعرضه؟ ألم يسجن رجال إغاثة وتغلق مؤسسات لنشر الخير في بلاد الديمقراطية والديكتاتورية على السواء؟ ألم تمنع طالبة محجبة من مخاطبة برلمانيي بلادها نيابة عن زميلاتها وزملائها؟ ألم يلاحق مفكرون ومثقفون لأنهم يسمعون الآخر رايا وفكرا مغايرا ومختلفا عن “التنوير” الذي اصبح دين الغرب والشرق على السواء؟ ألم يفصل “مشايخ سوء” قوانين ويطلقوا فتاوى ضد أهل القرآن والعلم الشرعي؟
لماذا كل هذا؟
سبب واحد وبسيط جدا يعتبرونه جريمة بحق المسلمين وهو نشر قيم الإسلام والخير، ومعارضة ما يسمونه قيم الجمهورية والديمقراطية والتحرر والحداثة. أما هم فحلال لهم أن يقرروا لنا ويفرضوا علينا سيداو، وأن نعترف ونحترم ونقّر الشذوذ والحمل غير الشرعي و الزنا دون سؤال. حلال لهم أن يضعوا القوانين التي تحمي المحتل الغاصب، وتجرّم المناضل الحر. حلال لهم أن يضعوا الملايين في جيوب عملائهم في منظمات مشبوهة تطبل لهم وتفتح دكاكين الفساد على قوارع الطرق. حلال لهم أن يقفوا مع المستبد والقاتل والمخاتل والبائع لدينه ووطنه ويمدونه باسباب الحياة، وحرام علينا أن نفتح أفواهنا لنقول لهم إنكم عار على الإنسانية، فأنتم لاتحتلمون خلافا ولا تحترمون رايا مغايرا.
وكلمة لأبناء الأمة الذين يعاتبوننا عندما نتحدث عن غزو فكري وثقافي وإفسادي منظم، فيزعمون أننا أمة هشة، قليلة الثقة بنفسها، بينما يتعامون عن حقائق ملىء السمع والبصر. ألم تضق كثير من بلاد الغرب بمدرسة ابتدائية هنا أو مسجد هناك أو ناد رياضي غير مختلط ، أو دكان تبيع اللحم الحلال، يضيقون بنقاب، وحجاب، ولحية وجلباب، بينما الكنائس والكنس والمعابد تقام في بلادنا باسم التسامح وحرية الاعتقاد ، هم يسرحون عراة على شواطئنا واشباه عراة في شوارعنا، دون احترام لديننا أو أخلاقنا وعاداتنا. هم يفرضون مناهج لأبنائنا في المدارس والمعاهد والجامعات، ويضيقون بكتاب يمجد الحق والدين والعزة.
لهذا أنتم ايها المعتزون بدينكم، القابضون على جمره والمنافحون عنه، أنتن ايها الفاضلات المستمسكات بحجابكن، المربيات لابنائكن على الفضيلة والخير، وأنتم ايها المناضلون من أجل حرية البلاد والعباد ضد عنصريات ظالمة. أنتم المسبحون في بيوت الله، الساجدون له وحده.. أنتم الصداع المزمن لقيم الضلال والخراب والفساد فلا تبالوا فما النصر إلا صبر ساعة.