ماذا أقولُ وحُزني في الورى لَجِبُ
و الحـرفُ يَحْرَنُ من همّي وينتحِبُ
و النورُ عنديَ مثلُ العتمِ في سُدُفٍ
بعدَ الفراقِ تساوى البُرْءُ و العَطَبُ
ضَـنَّ اليَراعُ وَ عـادَ الحَرْفُ مكتئبًا
والرُّوحُ ثكلى و جمرُ القلبِ يلتهبُ
و جئتُ أَرسُمُ في تأبيـنِهِ صُـوَري
ضَجَّتْ حروفي وطيفٌ منه مُنسَكِبُ
( أَبي ) فَيُزْهِرُ ثَغْري من مناقِبِـهِ
و عطرُ سـيرتِهِ رَيَّـا كما السُّحُبُ
لم يبقَ عندِي سِوَى ذِكْرى أُدَلِّـلُها
بأبيضِ القلبِ حيثُ الوُسْعُ والرَّحَبُ
حيثُ الزُّهورُ بهِ من رَوْضِ مُهجَتِهِ
تمُجُّ عطرًا فيمضي السُّقْمُ والوَصَبُ
كم كنتُ آمُـلُ جاهَ المَوتِ يتركُني
بغيرِ ثُكْـلٍ يُذيبُ الرُّوحَ إذ يَثِـبُ
و كنـتُ آمُـلُ أنْ أمضـي برفـقَـتِهِ
نحوَ الدِّيارِ ونصرُ الشَّامِ يَصْطَخِبُ
و الزَّهرُ في (بَلَدِ النُّعْمانِ) أَجملُهُ
و كـلُّ درْبٍ إليـها بالشَّذى لَجِـبُ
لا جـاهَ للموتِ غيرُ الدمعِ نُهْرِقُهُ
عندَ الفراقِ بعيـنٍ عِرْقُها السُّـحُبُ
أَبي و لفظُـكَ في روحي أُقَـبِّـلُـهُ
كمثلِ تقبيلِـكَ فُرقاني ولا عَجَبُ
و يشهدُ الفجـرُ ترتـيلًا تُواظِـبُهُ
ينيرُ وجهَـكَ مهما اشـتدَّتِ الكُرَبُ
فعَـطْـفُ قلبِـكَ لا أَنسـى مرابعَـهُ
أَسعى إليها إذا ما عَضَّـني الرَّهَـبُ
و شِمْـتَ همًّا على بُعْـدٍ يُؤَرِّقُـني
فَرُحْتَ تدعُـو كما لـو أنّكَ التَّعِبُ
فكـيفَ يا أَبتـي جُـرْحي أُضَمِّـدُهُ
و بُرْءُ كفِّـكَ حالَتْ دونَهُ التُّرَبُ
و بعـدَ ظلِّـكَ حَرُّ الهَجْرِ يلفحُني
و بعدَ دِفْئِكَ عاثَ البردُ و العطَبُ
للهِ أَشـكـو فِراقًا سـامَني تَـرَحًا
و دمـعُ عيني على ذِكراهُ يَنْسَـكِبُ
و أســألُ اللهَ أنْ يُعْلِـي منـازِلَـهُ
في جنَّةِ الخُلْدِ لا شَكْوى و لا سَغَبُ
ولا رحيلٌ يُذيبُ القلـبَ من كَـمَـدٍ
ولا انتظارٌ و لا هَـمٌّ و لا وَصَـبُ

محمد مبارك(ابو مصطفى)

أبو المصطفى حدائق الضاد