ما للخلائق في الحياة بقاء
ومصير كل العالمين فناء
مهما المنايا باعدت عنك الخطى
فغدًا سيُضرب موعد ولقاء
تأتي الحتوف إلى الخلائق بغتةً
لم ينجِ منها دعوةٌ ورجاءُ
لكنْ دروبُ الراحلين تعددت
ما كان فيها الراحلون سواء
شتان من روّى الثرى بدمائهِ
والروح أرخصها فطاب سخاء
شتان من وهب النفيس لربّه
حتى زها بسمائه الإرضاء
روّى الترابَ طهارةً بدمائهِ
حتّى ترنّخَ بالتراب نقاء
ما عاش في بهو الفنادق متخما
ما خاف تطرق بابه الأرزاء
أو عاش في كنف القصور منعما
وتزوره البيضاء والشقراء
بل عاش في ليل الخنادق صابراً
مهما تطول بليله الأعباء
فلمثلهم تحنى الرؤوس تكرماً
ولمثلهم يُستحسن الإطراء
من يمتدح أهل الرباط فمدحه
ماكان فيه تملق ورياء
إني خجولٌ أن أخطَّ قصيدتي
ويزيدني في نظمها استحياء
لو صغت الف قصيدةٍ وقصيدة
ببيانها يتعجب البلغاء
والله ما جاريت فضل نعالكم
لو كل أبياتي لكم إهداء
شتان من بذل الدماء سخية
مع من بشعره تطرب القراء
نبقى كما الأموات نحن وأنتمو
بين اللحود أعزة ٌأحياءُ
أحياء في الدارين رغم رحيلكم
فضل من المولى لكم وجزاء
يا أيها الشرفاء في هذي الدنا
يا أيها الأحرار والنبلاء
ما طاولت كف الكرام سخاءكم
مهما يفيض من الكفوف عطاء
أنتم لهذي الأرض ملح ترابها
وسياجها إن داهم الأعداء
أنتم زهور ربوعها إن أقفرت
أو أقبلت أيامها العجفاء
أنتم قناديل الدروب إذا دجت
ومشاعل إن تحلك الظلماء
بدمائكم سُرِجَتْ قناديلُ السّنا
حتى الدروب المعتمات تضاء
فدماؤكم للنّشءِ أجملُ قِبلةٍ
وعلى الدّروب منارةٌ وضياءُ
إن يرحل السنوار يمشِ على الخُطى
جيلٌ ، فتزهو مِشْيَةٌ ووفاءُ
كم قبله رحل الألوف ولم يزل
للحق سيفـًا، طبعُهُ الإرواءُ
يا من تلومون الجهاد وأهله
عجبا يلام وينعت الشرفاء
إن تجهلوا التاريخ في كل الدنا
لو ُيفتِكم ببيانه الخبراء
لا تُعتق الأوطان من مستعمر
إلا إذا فيها تفيض دماء
من حرر الأوطان من غازٍ سوى
فيض يجود ببذله الكرماء
هل حرر الأوطان عزفُ قِتارةٍ
أو رقصة أو دبكة وغناء
هل حرر الأوطان بسط أكفنا
للظالمين لِتُدرأُ الأرزاء
هل حرر الأوطان خصر مليحةٍ
هزته في ليل الهوى هيفاء
لٍتُضل من اغوى النعيم نفوسهم
ويزيدهم فوق الضلال شقاء
ما حرر الأوطان إلا من همو
أُسْدٌ وفي جيناتهم عظماء
فلنقرأ التاريخ نسبر سفره
قَوْلي الحقيقة ما اعتراهُ هراء
ابو جعفر الشلهوب