الثكالى..

دَعِيني، فَهذِي الرُّوحُ مَلَّت غِيابَها
أسالَت هُمومًا حَمَّلَتني عَذابَها

ومالَت عِنادًا عَن تَوسُّلِ خاطري
لتَقتُلَ في عِزِّ الشَّبابِ شَبابَها

أَتُنسَى الدِّماءُ؟! الأرضُ كيف تَجرَّأَت
على غَدرِ مَن صانوا قديمًا ثيابَها؟!

كأنَّ (بلادَ العُربِ) تَنأَى تَعمُّدًا
وإلّا فكيفَ الصَّمتُ كانَ جَوابَها؟!

وباعَت أخًا، في كفِّهِ رايةُ العُلا
وظلَّت تُراعِي في الحَنانِ ذئابَها

وغلَّقتِ الآذانَ عَن كُلِّ صرخةٍ
مَخافةَ أن تلقَى قليلًا عِتابَها

وصارَ فِداءُ الأرضِ عارًا ووصمةً
وتهلكةً.. (لا يأمَنونَ) عقابَها

قِفُوا لشهيدٍ تَحتَ غَيمةِ أُمِّهِ
تُغسِّلُهُ بالدَّمعِ، فالدَّهرُ رابَها

وتَحمِلُهُ مِن بَعدِ تِسعٍ يَمينُها
على كَتِفٍ، حتّى تُتِمَّ نِصابَها

كأنَّ شُقوقَ الوجهِ قُدسٌ قديمةٌ
بها نُضرةُ الفردوسِ تُبدِي ثوابَها

فصرخةُ ثكلَى في القِطاعِ لها صدًى
يُزلزلُ هذا الكونَ مِمَّا أصابَها

وصرخةُ ثكلَى، تَشطُرُ القلبَ أربعًا
على جَسَدٍ روَّى مِرارًا تُرابَها

وفي السِّدرةِ العُليا مَقامٌ لِصَبرِها
تَهيَّأَ بِسمِ اللهِ حينَ أجابَها

وأشرَفُ مِن كُلِّ الزّعاماتِ أنّها
على الجسدِ العِطريِّ تَتلو خِطابَها

ومِن رِفعةِ المجدِ البَهيِّ كرامةً
لها أنَّ دارَ الخُلدِ تَرجُو اقترابَها

وتَسعَى إليها باشتياقٍ ولهفةٍ
فَتجرِي لها الفردوسُ تَفتحُ بابَها

بُكائي على أمِّ الشَّهيدِ أذابَني
أسًى مُنذُ ناداهُ الرَّحيلُ أذابَها

وطارَت إلى الأقصَى المُحاصَرِ مُهجَةٌ
تُحنِّي بِأَسرارِ الشَّهيدِ قِبابَها

سلامٌ
على حُرٍّ يُقدِّمُ كلَّهُ
وأمٍّ على ذِكراهُ بَلَّت حِجابَها

سلامٌ
على ضَوءٍ تَجسَّدَ نجمةً
تُزيلُ بِصُبحِ النَّصرِ عَنَّا ضَبابَها

سلامٌ
على أرضٍ غدَت قِبلةَ الفِدا
بها ثُلةٌ للحقِّ أهدَت رِقابَها

سلامٌ
على الشُّجعانِ في غزَّةَ التي
على الهَيبةِ الشَّمَّاءِ ربَّت مُهابَها

وكانَ ثباتُ المُتعَبينَ طعامَها
وكانَ بُكاءُ الطَّيِّبِينَ شرابَها

سلامٌ
على أمِّي التي أنجبَت فتًى
أعادَت بهِ الأعداءُ خوفًا حِسابَها

يُزلزلُ أهلَ السّبتِ إقدامُهُ اللّظَى
ويُوقِظُ في كًلِّ البِقاعِ غِضابَها

ودبّابةٌ مهزومةٌ تحتَ نعلِهِ
محَا بصلاةِ الليلِ فردًا رُهابَها

تَوعَّدَها بالصَّبرِ وهْيَ ذليلةٌ
فَهاءَت لهُ الجنّاتُ يومَ استطابَها

نبيٌّ.. بهِ ثلجٌ يُبرِّدُ قلبَهُ
وفي صَدرِهِ نارٌ فكيفَ تَشابَها

وأقدَسُ ما في النّصِّ أنَّ رحيلَهُ
بهِ خيبرٌ في الأرضِ تَلقَى عذابَها

فيا أمَّنا الثَّكلَى عَزاؤُكِ أنَّهُم
مصابيحُ خطَّت بالضِّياءِ كتابَها

.
.
#مصطفى_مطر