خلوتُ على رصيفِ العمرِ وحدي
أقـلـبُ في كـتـابِ الـذكـريـاتِ

أطـالـعُ ما جنيتُ بسـفرِ عمري
وكيفَ مضت مراحلُ من حياتي

بدأتُ منِ الطـفولةِ حـيـثُ كـنـا
نـهـيـمُ بـكـلِ ذاهـبــةٍ وآتــي

نـراوغُ أهـلـنـا نحـو الحـواري
ونركـضُ كالخـيولِ الجامـحـاتِ

يلاحـقُ بعـضنا بعـضاً ونشـدو
بـصـوتِ بـلابـلٍ لـلاغـنــيـاتِ

ونضـحـكُ لا تُـؤرَّقـنـا هـمـومٌ
ونسـعدُ في الليالي العاصفاتِ

حـكـايـا جـدتـي وغـنـاءُ أمـي
لنـغـفـو بيـن تـلـكَ الـدنـدناتِ

وشبَّ الطفلُ في نفسي سريعاً
ليـنـتـزعَ البـراءةَ من صـفاتـي

أراوغُ والـدي. وأصـدُ أمـي
وأمـتـدحُ الحسـانَ الـفـاتـنـاتِ

وابرزُ عامـداً عـضـلاتِ صـدري
ومـفـتـولَ السـواعـدِ بـاديـاتِ

ولا أخشـى الـنـزالَ ولا أُبالـي
ولا أدري عـواقـبَ تُـرهـاتــي

أنا الضـرغامُ والـدنيا قـطـيـعٌ
فمن ذا سوفَ يدنو من فتاتـي

أغـازلها جـهاراً لسـت أخشـى
وإن أدى الـنزالُ إلـى مماتـي

ويرتحـلُ الشـبابُ بنـا سـريعاً
إلى ركبِ الـرجـولـةِ والثـباتِ

إلـى بـيــتٍ وأفــواهٍ صـغـارٍ
يخـفـفُ جـوعها بعضُ الفتاتِ

وزوجٍ كـم تـمـنّـت كـلَّ يـومٍ
على سـمعٍ ثـيـابَ الأخـرياتِ

هـنا تغدو الحياةُ علـى نقيضٍ
وتمسي الروحُ في بحرِ الشَّتاتِ

هنا تقفُ الرجـالُ على افتراقٍ
فَـمُـرتَجِـعٌ ومـقـترفُ الهناتِ

ومُنجـرفٌ إلـى بحـرِ الخـطايا
ومنـبوذٌ ومحـمـودُ الصـفـاتِ

أقلـبُ صفحـةً وأجـوزُ أخـرى
وأبحثُ عَـلَّـنـي أرضى بذاتي

هنا أخطـأتُ لكن دونَ قصـدي
هنا عمداً أتـيـتُ المـهلـكـاتِ

هنا إبليـسُ أغـوانـي بـخبثٍ
هنا نفـسي أباحـت أمنياتـي

هنا الدُّنيا وفـتـنـتـها تعـرَّت
تراودنـي كـإحـدى الـغانياتِ

هنا استخلصتُ ذاتي بعد جهدٍ
أقوِّمُ إعـوجـاجـيَ بـالـصـلاةِ

هنا أدركتُ نفسيَ دونَ فوتٍ
وصـارعـتُ الذُّنوبَ الموبقاتِ

هنا والشَّيبُ خالطَ أمَّ رأسي
فكُفِّي عـن دروبِ السـيئاتِ

وأغلقتُ الكتابَ، دموعُ عيني
تُـبلِّـلُ حاضري من ذكرياتي
وها أنا والمشيبُ يقُضُّ ليلي
يحاسبـنـي كـقـاضٍ للجـناةِ

لـقد أهـدرتَ يا هـذا شـباباً
تسيرُ مع الرياحِ كما تواتـي

خجلتُ من المشيبِ فلم أُعقِّب
أنادي دون صوتٍ في شتاتِ

أعـيدونـي طـفولـيَّـاً لعلَّي
أُكـفـِّرُ عـن ذنوبٍ كالحـاتِ

أعيشُ مع البراءةِ دون مكرٍ
ولا أسعى لفعلِ المنكراتِ

فراجعني المشيبُ يقول أَربِع
دعِ المـاضي وبـادر كُـلَّ آتِ

فبابُ الـلـهِ لـم يُغلق بذنبٍ
ولـم يغلـق بمعصيةِ العصاةِ

فحسبكَ توبةٌ ولسانُ صدقٍ
وتقديمُ الحياةِ على الـوفاةِ

وحاذر والقنوط فذاك سهمٌ
من الشَّيطانِ أودى بالطُّغاةِ

مع الإيمـانِ لايُخشى هـلاكٌ
ولو كانت بحـجمِ الراسـياتِ

قِرابُ الارضِ لم يعسرهُ عفواً
فسارع قبلَ غرغرةِ المماتِ

فربُّ البـيـتِ رحـمنٌ رحـيمٌ
غفورٌ ليسَ يحصى بالصفاتِ

ويا مولاي أنتَ بنا لـطـيـفٌ
وحالُ المسلمين من الشتاتِ

فألَّـف بيـنـنـا ياربِّ فـضـلاً
وأهـلـك كـل جـبـارٍ وعـاتٍ

بلادُ الشامِ قد أضـحـت يباباً
وجاسَ الفرس في كل الجهاتِ

وأعراضُ النساءِ قد استبيحت
حرائرُ من بيوتِ المَـكـرُماتِ

بلادُ المسـلمين تفيضُ قهراً
وحـكـامٌ لها كالـمـومسـاتِ

تـحـامَـونا بجـيـشٍ بـربريٍ
وإن هُـزموا تحـامَوا بالزناةِ

فعجـل يا كريمُ لـنا بنـصـرٍ
ليثـلجَ من صـدورٍ مـؤمناتِ

وأهـلـك كـل جـبـارٍ عـنيـدٍ
لـيـعلـمَ أن وعـدَ الـلـهِ آتِ
*********************
محمد يحيى قشقارة