من روائع الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد “يا نائي الدار” كتبها بعد عام من احتلال العراق نازحًا في فرنسا :

” يا نائي الدار “

لا هُم يَلوحُـونَ.. لا أصواتُـهُم تَـصِلُ
لا الدارُ، لا الجارُ، لا السُّمّارُ، لا الأَهَلُ

وأنتَ تـَنأى، وَتـَبكي حولـَكَ السُّـبُـلُ
ضاقَتْ عليكَ فجاجُ الأرضِ يا رَجُلُ

سبعينَ عامًا مَـلأتَ الكَـونَ أجنِحَـةً
خَفْقَ الشَّـرارِ تلاشَـتْ وهيَ تشتعِلُ

لا دَفَّــأتْــكَ ، ولا ضاءَ الـظَّـلامُ بِـهـا
طارَتْ بـعُـمرِكَ بَـيْـنـا أنتَ مُـنْـذَهِـلُ

تَـرنُـو إلَـيْهِـنَّ مَبـهُـورًا …. مُـعَـلَّـقَـةً
بِـهِـنَّ روحُـكَ و الأوجـاعُ و الأمَـلُ

وَكـلَّــمـا انـطـفَـأَتْ منـهُـنَّ واحــدَةٌ
أشـاحَ طـَرفُكَ عـنهـا و هْوَ يـَنهـَمِلُ!

سـبعونَ عـامًا و هذا أنتَ مُـرتَـحِـلٌ
و لـستَ تدري لأيِّ الأرضِ تـَرتـَحِـلُ!

يا نـائيَ الـدّارِ.. كلُّ الأرضِ مُوحِشةٌ
إنْ جئتَهـا لاجئًـا ضاقَتْ بِـهِ الحِيَلُ!

وكـنـتَ تَـملِـكُ في بغـــدادَ مَملـكـةً
وَ دارَ عـِزٍّ عـلـيـهـا تَـلـتـقي المُـقَــلُ

وَ الـيَومَ ها أنتَ..لا زَهـوٌ، و لا رَفَـلٌ
وَ لا طموحٌ ، وَ لا شِـعـرٌ ، وَ لا زَجَلُ

لكـنْ هـمـومُ كـسـيرٍ صـارَ أكـبـرَهـا
أنْ أينَ يَمضي غدًا أو كيفَ ينتقلُ !

يا لـيـلَ بغـدادَ.. هـلْ نـَجـمٌ فـيَتْبَعُهُ
مِن ليلِ باريسَ سكرانُ الخُطا ثـمِلُ

الحـُزنُ والدَّمعُ سـاقـيـهِ وَ خَـمـرَتُـهُ
وَ خـيـلُـهُ شــوقُـهُ.. لـو أنـهـا تَـصِـلُ

إذنْ وَقَـفْـتُ على الشـُّـطآنِ أسـألُـها
يا دَجلةَ الخيرِ أهلُ الخيرِ ما فعَلوا؟

أما يَـزالـونَ في عـالي مَرابـضِـهِــم
أم مِن ذُراهـا إلى قـيعـانِـها نَـزَلـوا؟

هَلِ استُفِزُّوا فهيضُوا فاستُهِينَ بهم
عَـهِـدْتُ واحِـدَ أهـلي صَبـرُهُ جَـمَلُ!

فأيُّ صائحِ مَوتٍ صـاحَ في وَطـني
بـحَيثُ زُلـزِلَ فيـهِ السهلُ و الجبلُ؟

و أيُّ غـائـلـــةٍ غـالَــتْ مَحــارِمَـــهُ
و مـا لـدَيـهِ عـلى إقـصـائِـهـا قِـبَـلُ؟

يا دَجلة َالخَيرِ بَعضُ الشرِّ مُحتَـمَلٌ
وَ بعـضُهُ ليسَ يُدرَى كيفَ يُحـتَمَلُ!

خـَيرُ الأنـام العـراقـيُّـونَ يا وَطنـي
وَ خيرُهُم أنَّ أقـسى مُرِّهـم عـسَـلُ

وَ خيرُهُم أنَّـهُـم سـيفٌ.. مروءَتُـهُم
غـمْدٌ لهُ و التقى، والحِلمُ، والخَجَلُ

و هُم كِـبــارٌ.. مَهـيـبـاتٌ بَـيـارِقُـهـم
شُــمٌّ خـَلائـقُـهُم .. خـيَّالُـهُـم بَـطَـلُ

لا يَخفِـضـونَ لـغـيرِ اللهِ أَرؤسَــهُـم
و لا يـنـامونَ لو أطفـالُـهُـم جَفَـلـوا

فـَكيفَ أعراضُهُـم صـارَتْ مُهَـتَّـكَـةً
وَ حـولَـهُـنَّ سُــتـورُ اللهِ تـنـسَــدِلُ؟

و كيفَ أبوابُـهُم صـارَتْ مُشــرَّعَــةً
لِـكلِّ واغِـل سُــــوءٍ بـيـنَـهـا يَـغِــلُ؟

و كيفَ يا وَطنَ الـثُّــوّارِ داسَ على
كلِّ المَحارِمِ فيكَ الـدُّونُ و السَّفِـلُ؟

أهـؤلاء الذيـنَ الـكـونُ ضـــاءَ بـهـم
وَ عَلُّـموا الأرضَ طُـرًّا كيفَ تَـعتَـدِلُ

وَمَنْ أعانوا، وَمَن صانوا،وَمَن بَذلوا
وَ مَنْ جَميعُ الوَرى مِِن مائِهم نهَـلوا

دِماؤهُم هذهِ التَّجـري؟..هَـياكِـلُـهُم
هـذي؟؟..أقتلى بأيْدي أهلِهم قُتِلوا؟

تـَعـاوَنَ الكُـفْـرُ و الكُـفَّـارُ يا وَطني
عـَلـَيهـِمو.. ثمَّ جاءَ الأهلُ فاكتمَلُوا !

يا ضَوءَ روحي العراقيين يا وَجَعي
وكبـريائي.. ويا عـَيني التي سَـمَلُـوا

أنتـم أضالـِعُ صَدري…كلَّـما كـسَـروا
ضلعًـا أحِـسُّ شِـغـافي و هوَ يَنْبَـزِلُ

فـَكيفَ تـَجرؤ يا أهـلي بَـنـادِقُـكـم
على بـنـيكُـم ولا تـندى لـكُـم مُقـلُ؟

وكيفَ تـسـفَـحُ يا أهلي خـناجِـرُكُم
دِما بَـنـيـكُـم و لا يَـنـتـابُـهـا شـلـلُ؟

و كيفَ يا أهـلَـنـا نـالُـوا مروءَتَـكُـم
فأوقعوا بـينـكم مِن بَعدِما انخذلوا؟

يا أهلَنـا..ليسَ في حَربِ العِدا خللٌ
بَلْ قـتْـلُكم بَعضُكم بَعضًا هوَ الخللُ

لا تكسِروا ضِلعَكم أهلي فما عُرِفتْ
أضلاعُ صَـدرٍ لـِكي تـَحميـه تـقـتتلُ

فـدَيـتُـكُـم أنـتـمُ الـبـاقـونَ.. راحـلةٌ
هذي المُسـوخُ كما آبـاؤهُـم رَحَـلُـوا

فـلا تُعـينوا عليكُـم سـافِحي دَمِكم
كي لا يُـقـالَ أهـالـيهِـم بـهم ثُكِـلُـوا

صُونوا دِماكم، فـيَومًا مِن قَـذارَتِهم
كلُّ العــراق بـِهـذا الـدَّمِّ يَغــتــسِـلُ!

عبد الرزاق عبد الواحد