ياسين
كان ياسين زميلا لنا في مدرسة مخيَّم جنين للذكور(مدرسة العائدين)، وكان تلميذا عاديَّا، لكن كُنَّا نلحظ عليه أنَّه لا يُشاركنا اللعب كثيرا، إذ كان يفضِّل البقاء لوحده أو مع عدد قليل جدَّا مِن التَّلاميذ.
كبُرنا وصِرنا في الصَّف الخامس الابتدائي، وكانت فرحتُنا عارمة؛ فهذه السَّنة سنبدأ بتعلُّم اللغة الإنجليزيَّة على يد الأستاذ "رجا الكحَّاز".
وحسب ما حكى لنا زُملاؤنا عنه، كان الأستاذ رجا الكحَّاز مسيحيا، وكان مُخلِصا في عمله نشيطا؛ غير أنَّه كان عصبيَّ المزاج، ولا يسامح على الأخطاء في اللغة.
أحببتُه وأحببتُ أسلوبه في التَّعليم وحببتُ اللغة الإنجليزيَّة، فقد كان يُعطينا الكَّلمات الجديدة مع لفظِها جماعيا أول الأمر ثمَّ تهجئتها ثمَّ كتابتها غيبا في اليَّوم التالي؛ وكان يضرب كُلَّ من يُخطئ بالعصا بعدد أخطائه.
ذاتَ يوم أعطانا صَوت "تش ch" وأعطانا مثالين على هذا الصَّوت (تيشتر teacher و تشير chair)، وطلب منَّا أن نرددهما وراءه، ثُمَّ وَضَعَهُمَا كإجابتين لجُملتين استفهاميَّتين(هُوْ أم آي؟ Who am I? وجوابها: يو آر أ تيتشر You're a teacher) والجملة الثَّانية (واتس ذِس؟ What's this? وجوابها: ذِس إز أ تشير This is a chair).
غير أنَّ المعلِّم ونحن معه كٌنَّا نسمعُ صوت تلميذٍ يلفظ الكلمتين خطأ، فطلبَ مِنَّا أن نردِّد الكلمتين والإجابتين مرَّات ومرَّات؛ ووسط حماسنا، أشار المعلِّم إلى زميلنا "ياسين" وناداه إليه بصوتٍ عال مِلْؤهُ التَّهديد.
اقترب ياسين من المعلِّم وهو يرتجِف، فقد كان المعلِّم يلوِّح بالعصا؛ وقبل أن يضربه سأله: " هو أم آي؟ Who am I?" فأجابه ياسين: " يو آر أ تيكر You are a teaker"، ثُمَّ سأله: " واتس ذِس؟ What's this? فأجابه ياسين: ذِس إز أ كير This is a Kair".
كرَّر الأستاذ رجا السُّؤالين مرَّات ومرَّات، وياسين يعطيه نَفس الإجابة "teaker و Kair"؛ فجُنَّ جنون المعلِّم وأخذ يضربه ضربا مبرِّحا وياسين مُصِّر على خطئه.
وأخيرا سأل الأستاذ رجا ياسين عن سبب إصراره على لفظ "kairوteaker"على عكس كل تلامذة الصَّف؛ فأجابه ياسين: "أستاذ هذول الولاد فلاحين بحكو بالتشاف، وأنا مدني مِن أهل جنين بَحكي بالكاف".
وهنا ضحكنا نحنُ التلاميذ، لكن الأستاذ رجا قال لياسين وهو في أشدِّ حالات الغضب والغيظ: "ولَك يا أهبل مَهُو كُل الإنجليز فَّلاحين بحتشو بالتشاف!". (بحكوا بالكاف).

أديب السعدي