كان من الضروري أن يذهب الشيخين الشعراوي والغزالي
رحمهما الله لتهنئه الرئيس مبارك بسلامته ونجاته
 من محاولة اغتيال في أديس أبابا، واجتمع في يوم التهنئة ومكانها
علماء المسلمين وقساوسة المسيحيين
ووقف الشيخ الشعراوي يقول كلمته القوية التي يحفظ معظم
الشعب المصري ما جاء فيها
لن أختم حياتي بنفاق وأنا أقف على عتبة الآخرة، اسمع يا سيادة الرئيس:
إن كنت قدرنا
فنسأل الله أن يعيننا على هذا القدر، وإن كنا قدرك، فأعانك الله علينا
أسأل الله أن تكون هذه الحادثة سببا لتطبيق منهج الله
وشرعه، إلى آخر ما قال رحمه الله 
وقال الشيخ الغزالي كلمة عابرة ظن الجميع أنها كانت
أضعف الكلمات، ولكن ما حدث بعد الكلمة كان أقوى مما
قاله الشيخ الشعراوي والجميع، فقد حدث حادث مهم للغزالي مع
الرئيس مبارك، ولكنه موقف غير معلن، ولم يعلنه الغزالي، وقد أسرّ
به إلى الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا
 
بعد انتهاء الجميع من الكلام جاء مندوب من مكتب الرئيس ليطلب
من الشيخ الغزالي والشيخ الشعراوي والشيخ جاد الحق
شيخ الأزهر الانتظار، فانتظروا في غرفة أُجلسوا فيها
ودخل الرئيس مبارك عليهم، وكان المكان
الخالي على أريكة في ناحية فيها الشيخ الغزالي،
وجلس الرئيس في الناحية الأخرى، وبعد مجاملات
معتادة قال الرئيس للشيخ الغزالي، وهو يربت على ركبته
ادع لي يا شيخ غزالي، أنا حملي ثقيل، أنا مطلوب
مني كل يوم الصبح أطعم سبعين مليون
قال الشيخ الغزالي: لم أشعر بنفسي وهو يقول ذلك،
واستعدته الكلام: انت بتقول إيه؟
فكرر عبارته: أنا مطلوب مني كل يوم أطعم سبعين مليون
يقول الغزالي: فوجدت نفسي أنفجر فيه لأقول له
انت فاكر نفسك مين؟
إ انت فاكر نفسك ربُّنا!
هو انت تقدرتطعم نفسك!
يا شيخ اسكت. وانت لو جاءت ذبابة على أكلك تأكله
ولا تقدر تعمل فيها حاجه قال الشيخ الغزالي: فارتبك الرجل
وتغير لون وجهه،
وقال لي: أنا قصدي من الكلام المسؤولية التي عليّ
قال الشيخ الغزالي: ولم أكن قد سمعته جيدا فأكملت: مسؤولية إيه؟
المسؤولية على اللي يقدر.. واحنا كلنا في إيد ربنا
انت بكتيره .. بكتيره .. تدعي وتقول: يا رب ساعدني
لكن تقول: أطعمهم، أطعم نفسك الأول
قال الشيخ الغزالي: فوضع الرجل يده على ركبتي مرة أخرى
وقال: استنى يا شيخ محمد،
 استنى، انت يمكن مش فاهمني
فقال له الغزالي: مش مهم افهمك، المهم انت تفهمني
يا أخي وفي السماء رزقكم وما توعدون
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ,,
أفرأيتم الماء الذي تشربون
أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون
لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون.
فسكت الرجل ونظرت إلى وجهه وهو متحير، فأدركت
ما فعلت، وأفقت، فنظرت إلى الشيخين لعل
أحدهما يعينني، فوجدت أكبرهما سنا
قد أسند ذقنه على عصاه، وأغمض عينيه،
ووجدت أكبرهما مقاما قد أسند رأسه إلى مقعده وأغمض عينيه
تحت نظارته التي نصفها ملون ونصفها الآخر أبيض،
وأكمل الرئيس كلامه بما يشبه الاعتذار عما قال،
والرضا بما كنت أقوله، وجامل كلا من الشيخين بكلمة،
 ثم قمنا لنخرج فأوصلنا إلى باب السيارة،
فأسرع أحد الشيخين فجلس إلى جوار السائق،
ودار الثاني ليركب من الباب خلف السائق، وكنت أنا
أبطأهم خطوة، فمشى الرئيس إلى جواري حتى بلغنا باب السيارة
فمددت يدي لأفتحه فإذا بالرئيس يسبقني
ليفتحه لي، فحاولت منعه من ذلك، وأمسكت بيده وقلت له: أرجوك
يا سيادة الرئيس لا تفعل.
فقال: هذا مقامك يا شيخ محمد… أنا والله أحبك يا شيخ محمد ادع لي.
ركبت السيارة وأغلق هو الباب،
وبقي واقفا إلى أن تحركت السيارة فأشار إلي مودعا،
وانطلقت السيارة والشيخان صامتان لم يتكلم أي منهما
بكلمة حتى أوصلناهما واحدا بعد الآخر،
ثم أوصلني السائق إلى بيتي.
وفي نفس الليلة أو في صباح ثاني يوم هاتفه
كلا منهما على انفراد ليدعو له ويقول له: لقد قمت بفرض
الكفاية عنا يا شيخ غزالي،
ويضحك الشيخ ضحكة طويلة من ضحكاته الطفولية
التي يعرفها محبوه، ثم قال  للدكتور محمد سليم العوا ..
احفظ هذه الحكاية، ولا تحكها إلا بعد موتي، فإني أرجو أن
 يكون ما قلته لهذا الرجل في الميزان
يوم القيامة، وأن يدعو لي بعض من يعرفونى دعوة
تنفعني إذا فارقت الأهل والأحبة
هذه بعض مواقف لعلماء الأزهر الأحرار
مع الرئيس، وهو غيض من فيض
فعلى ذلك فلْْنَسِر، فلم يكونوا أكثر منا يدا ولا رجلا،
وما كانوا يطمعون في شيء إلا رضا
الله سبحانه وتعالى،
أسأل الله أن يعيد هذه الصفحة المطموسة
من تاريخ أزهرنا العريق
رحم الله الشعراوي والغزالي وجاد الحق ورضي عنهم.