لَيْتَنا كُنّا تُرابا

لَقَدْ بَلَغَ الهَوانُ بِنا النِّصابا
وصِرْنا في الوَرى عَجَباً عُجابا

وُكنَّا خَيرَ أهْلِ الأرْضِ قَدْراً
ومَنْزِلَةً وعِزاً وانْتِسابا

وكُنّا أهْلَ أمْجادٍ وجاهٍ
وتاريخٍ بِهِ جُزْنا السَّحابا

وكُنّا لانَنامُ على صَغارٍ
وكُنّا لانُحابي بَلْ نُحابى

وكُنَّا لَوْ أرَدْنا نَيْلَ شَيءٍ
نُعايِنُهُ ونَأخُذُهُ غِلابا

ولكِنّا مَعَ الأيامِ هُنّْا
وأضْحى كُلُّ ماضينا سَرابا

فَصِرْنا لا نُكالُ بِأيّ كَيْلٍ
ولا نَرْجو لِعِزَّتِنا إيابا

وصِرْنا في حَضيضِ الدَّهْرِ لَمَّا
سَدَلْنا فَوْقَ خَيْبَتِنا الحِجابا

وصِرْنا مِنْ هَوانِ النَّفْسِ نَدْعو
ألا يا لَيْتَنا كُنّا تُرابا

وما مِنْ قِلَّةٍ هُنّا ولكِنْ
تَفَرَّقْنا نِزاعاً واحْتِرابا

ألِفْنا الذُّلَّ حَتى صارَ طَبْعاً
مَريئاً مُسْتَساغاً مُسْتَطابا

شَمائِلُنا مَعَ الأيّامِ غابَتْ
وغابَ الرُّشْدُ والإدْراكُ غابا

أضَعْنا كُلَّ مَوْروثٍ نَبيلٍ
وأحْدَثْنا على الماضي انْقِلابا

رَكِبْنا صَهْوَةَ الدّينِ ابْتِداعاً
وحَوَّرْنا وحَرَّفْنا الخِطابا

فَبِاسْمِ اللهِ نَجْتَرِحُ المَعاصي
وبِاسْمِ اللهِ نَجْتَثُّ الرِّقابا

وحَلَّلْنا الحَرامَ ولَمْ نْبالي
إلى أنْ لَذَّ في فَمِنا وطابا

وباتَ الحُرُّ مَنْبوذاً مُهاناً
وصارَ اللِّصُ مَرْموقاً مُهابا

بِأيْدينا على غَدِنا جَنَيْنا
وصَيَّرْنا خَمائِلَنا يَبابا

فَيا رَبّي تَدارَكْنا بِلُطْفٍ
وألهِمْنا الهِدايَةَ والصَّوابا

وأصْلِحْ ما هَدَمْناهُ بِجَهْلٍ
وجَنِّبْنا بِرَحْمَتِكَ العِقابا

شعر/ حيان مصطفى هبرة