في يوم المرأة العالمي
المرأة واقعيا لا نظريا
د. صالح نصيرات
بداية لابد من التوجه بالتحية لكل امرأة تقدّر دورها ومكانتها، وتحترم قيم دينها، وتجاهد من أجل حقوقها المقررة في كتاب الله وسنة رسوله والتي تجعلها درة المجتمع، ولا تنساق خلف منظمات مشبوهة تقبض من تلك المنظمات ثمن ما تروجه من أخلاقيات وحقوق مزعومة تناقض شرع الله سبحانه وتعالى وقيم الدين الثابتة.
يعجب كثيرون لغياب المنطق والحق في تعامل المنظمات الغربية والإعلام وحتى الساسة مع المرأة المسلمة، وتصبح هذه قضية القضايا لديهم، ظنا منهم أنهم أوصياء عليها. وقد يعتب علينا بعض القرّاء الذين يتهموننا بأننا من خلال المقارنات نظهر وكأننا نبرر ما يجري في بلادنا من ظلم وتجن على المرأة في مجالات مهمة. ولكن القضية ليست كذلك. فالفلسفة الغربية في رؤيتها للمرأة تختلف عنا اختلافا بيّنا. فالمرأة الغربية نالت حقوقا بعد صراع طويل مع الرجل، وحتى بعد هذا الصراع الذي امتد على مدى قرون، لم تصل المرأة إلى ما تريد، بل الواقع يقول إن المرأة الغربية تحتاج إلى زمن طويل حتى تصل إلى ما تريد تحقيقه من أهداف. ومن الأمور التي يجب أن نتذكرها أن المرأة الغربية بدأت تحررها من خلال “استخدامها” كأيد عاملة رخيصة في المصانع بعد الثورة الصناعية. فلم يكن الأمر اعتقادا “مفاجئا” نزل على المجتمع الغربي بأحقية المرأة للعمل، بل لأنها ايد عاملة توفر الكثير للرأسمالي الغربي. وعندما ندقق في حال المرأة في الغرب، ونقرأ الإحصائيات التي تنشرها الدول الغربية عن حالة المرأة وطرق التعامل معها نجد أن هناك الكثير مما يمكن أن يتعلمه هؤلاء من نبي الرحمة محمد بن عبدالله وتعامله مع المرأة.
في التقرير الصادر عن دراسة أجرتها مؤسسة مكنزي وشريكه عام وامتدت على مدى أعوام من 2015- إلى 2021 عن حال المرأة العاملة في أمريكا -أم الحرية الفردية- نجد أن التمييز بين الرجل والمرأة في مكان العمل واضح جدا، خصوصا في تسلم المناصب الإدارية العليا أو الأمن الوظيفي أو سلم الرواتب أوالأمن النفسي والتأمين الصحي وغيرها. ويزداد التمييز أيضا بين المرأة الأمريكية “البيضاء” أي الأوروبية الأصل والمرأة من اصول أفريقية أو آسيوية أو لاتينية أو عربية. أما التحرش الجنسي، فإن بعض الولايات مثلا ليس لديها قانون ضد التحرش، والبعض الآخر لديها قانون يمنع التحرش، ويعاقب عليه. والحلات التي تذكر أقل من الواقع، لأن كثيرا من النساء يخشين على أنفسهن من الطرد من العمل وهو مصدر الرزق الوحيد و العيش لهن.
واقع المرأة المسلمة اليوم
وحتى نكون واقعيين، فإن السنة النبوية المقررة في سيرة الرسول الكريم في تعامله مع المرأة ليست ما نراه ونلمسه اليوم في تعامل الرجل العربي و المسلم مع المرأة، لذلك فإن الحديث عن تكريم المرأة في الإسلام لايعدو أن يكون كلاما نظريا لاتطبيق له في الواقع. ومن هنا فإن كل من يتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام عليه أن يكون قدوة في احترام المرأة وتقدير دورها في المجتمع وقدرتها على العمل دون عوائق قانونية أو اجتماعية، ضمن القواعد الإسلامية المقررة شرعا، وليس من خلال بعض التقاليد التي لا تثبت على حال إزاء الواقع الاقتصادي و الاجتماعي المتغير. حيث لايمكن مقارنة المرأة قبل خمسة عقود وواقعها اليوم. فهي تقرأ وتسمع وتشاهد ما يجري حولها، ولديها القدرة على اتخذ القرارات المناسبة لها. ولذلك فإن الحديث المعسول و المكرر عن “حقوق” المرأة في الإسلام لن ينطلي عليها مالم يقترن بتطبيق حقيقي في البيت ومكان العمل والشارع.
هل المرأة المسلمة/العربية اليوم أحسن حالا من المرأة الغربية؟ وهل تغيّرت النظرة للمرأة من بحيث تستطيع نيل حقوقها كما أقرّها لها الشرع؟ وهل التفسيرات المختلفة من متشددة إلى معتدلة تؤثر سلبا أم إيجابا على المرأة؟ وهل التشريعات التي تخص المرأة تقدمت باتجاه منحها حقوقا حقيقية أم أن الأمر لايعدو كونه “استسلاما” لأوامر تأتي من المنظمات الدولية وتلك التي تعمل في الداخل كواجهات لتلك المنظمات؟ هل يتعامل الرجال في مجتمعاتنا مع المرأة باحترام وتقدير “صادق”؟ وهل التحرش ومضايقة المرأة موجود بنسب عالية ولكن لايتم الإبلاغ عنه؟ كثيرة هي الاسئلة التي يمكن طرحها في هذا المجال. ولكن ليسأل كل واحد منا نفسه:
هل يتعامل مع المرأة كالأم أوالإبنة والأخت كما يتعامل مع الزوجة والزميلة في العمل أو المرأة في الشارع؟
هل يتم اختيار المرأة للعمل في المناصب العيا لقدراتها ومهاراتها وعلمها أم لتنفيذ أوامر من المؤسسات الدولية والاتفاقيات الأممية؟
هل لدى الرجل العربي/ المسلم قناعة حقيقة بعمل المرأة أو أنه مازال ينظر إليها كأم فقط ولاحق لها لها للعمل إلا إذا كان محتاجا لراتبها لمساعدته على أعباء الحياة أي “مكره أخاك لا بطل”؟
المجتمع بحاجة إلى حوار مخلص وصادق حتى لا تكون المرأة مجرد “قضية” في مزاد الساسة ورجال الدين.