حَنِيْنٌ إلى جِنِيْن
سألني قريبي القادم من بلدتي الحبيبة "جنين" البطولة: "لماذا لا تأتي في زيارة إلى جنين لترى بلدك وأهلك هناك؟ ألم تشتق إليها وإليهم؟ لقد تغيَّرَتْ كثيرا وكبُر الصِّغار، وصارت هناك أجيال جديدة لا تعرفها."
أجبته بعد أن هيَّج أشجاني، وأثار فيَّ الحنين والذِّكريات، وأخذ شريطُ العُمر يمُرُ أمامي بسرعة: "أتراني ابنا عاقا لا يشتاق لبلدته أو لأهله!؟ أنا يا ابن عمِّي أعيشُ على أمل العودة إليها وإلى قريتنا المزار التي احتلها اليهود عام 1948، أنام وأصحو ونفسي تحدِّثني بأن العودة قريبة!"
ضَحِك قريبي بمرارة وقال: "عن أية عودة تتحدَّث!؟ وكمان نرجع عَ المزار!!! لقد مضى على احتلال المزار  أكثر مِن 70 سنة، وعلى احتلال جنين ٥٢ سنة، ولا يزال عندك أمل بالعودة!؟"
أجبته كما الهائم حُبا وشوقا؛ "وهل يفقد العاشق الذي أضناه العِشق الأمل بلقاء معشوقته!!!"
قال لي قريبي وقد بدا عليه أنه سئم من كلامي: "دعنا من كلام العِشقِ والعاشِقين وأحلام الحالمين، واذهب واحصل على تصريح زيارة وتعالَ إلينا، وسنستقلبك استقبالا يليق بقريب حبيب طال شوقنا إلى لقائه وجها لوجه، وليس نسمعُ به أو نتابعه على وسائل التواصل الاجتماعي!"
قلتُ له مُستنكِرا: "أتُريدني أن أذهب إلى السِّفارة ‘الإسرائيلية‘ لأحصل مِن الإرهابي غاصب أرضي على إذنٍ بزيارتها!!؟" وتابعتُ قائلا وجسدي يرتجِف من التأثُّر: "أنا يا ابن عمي خرجتُ بعد ‘حرب‘ حزيران سنة 1967 تحتَ حِراب الاحتلال المُجرم، ولن أعود إلى وطني إلا تحت راية النَّصر والتحرير، طال الزَّمنُ أو قصُر، ولّن أعترِف بحق لهذا العدو الغاصب الإرهابي ولو بذرَّة من تراب وطني فلسطين ما حييت!!"
فقال لي قريبي: "دَعكَ من كلام النَّصر والتحرير وكُن واقعيَّا! ألَم تسمَع ’بصفقة القرن’ التي يعمل الكثيرون على إخراجها لتصفية القضيَّة الفلسطينية والقضاء على حق العودة!!؟"
قلتُ له: "ما دُمتَ واقعيا ولا تحبَ كلام العاشقين وأحلامهم، قإنني أقولها لك صريحة جلَّيَّة ’إنَّ من تراهم يذرعون الأرض جيئة وذهابا ويلوِّثون الفضاء الكوني بالحديث عن ’صفقة القرن’ لا يملكون من الأمر شيئا إلا ما خبُثَ من نيَّاتهم، فهم إمَّا لا يعرِفون الشَّعب الفلسطيني وحبِّه لوطنه أو أنَّهُم يرفضون الاعتراف بذلك؛ 
وهل يقبل من ضحَّى ويضحِّي بكُل شيء التخلِّي عن الحبيب!!!!"

 

أديب السعدي