تَطْبِيْع
كلَّما قرأتُ أو سمِعتُ كلمة " تَطْبِيْع" تُسرِعُ بيَ الذَّاكرة إلى قرية عَرَبُوُنِه-جنين في فلسطين حيثُ وُلِدْتُ وعِشتُ طفولتي الأولى، فهذه الكلمة مرتبطة بممارسة كان القرويُّون يمارسونها عندما كانوا يريدون أن يجعلوا حِمارا صغير السِّن (قُر أو كُر- باللهجة الفلاحية لمنطقة جنين) مِطواعا قابلا للرُّكوب. فكان الفتيان وخاصة من تحلَّى منهم بالجُرأة والمغامرة يحاول أن يركب ذلك الكُر الذي يأخذُ بالقفز والرَّفس الشَّديدين للقذف بمن يحاول ركوبه، فيسقط الفتى، ولكنَّه يُعيد الكرَّة مرَّاتٍ ومرَّات رغم الرُّضوض والإصابات التي تسبَّب بها سقوطه من على ظهر ذلك الكُر؛ وبعد فترة يستسلم الكُر ويصبح مِطواعا لكُل مَن يُريدُ رُكوبه.
وبما أنَّني فلاحٌ أبا عن جد ولم أسبِر أغوار السِّياسة ولم أتعمَّق في دهاليزها، فإنني أريدُ من دهاقنتها والمتبحِّرين في علومها أن يوضِّحوا لِي مدى وثاقة الصِّلة بين هذا الذي يتحدَّثون عنه "التَّطبيع مع كيان العدو الصَّهيوني الغَّاصب" مِن قِبَلْ بعض العرب وبين تِلك الممارسة في "تطبيع" الكرار – جمع كُر- فأنا كما أسلفتُ فلَّاح حتَّى النُخاع وكما قالت العرب "المرء ابن بيئته"!
لكِن ما يُحيِّرني أكثر أنَّنا كُنَّا عندما نطبِّع الكْرَار نحنُ من يركبها ولم تكُن هي من يركبنا، فهل يستطيع من يطبِّعون أو سيطبِّعون مع كيان العدو الصَّهيوني الغَّاصب، في زَمن هذا الضَّعف والهوان لأمتنا حكَّاما ومحكومين، أَنْ يركبوه ويجعلونه طوع أمرهم أم أنَّ العكس هو واقع الحال!؟
أفيدوني أفادكم الله!!!

أديب السعدي