لت القضية الفلسطينية هاجسا لبنانيا ، منذ كانت تلك القضية ، مطلع عشرينات القرن العشرين ، وخلال الحركات الثورية الفلسطينية (1920/1921/1924/1929/1933/36ـ1939)
 
          فقد قرر ” اتحاد الأحزاب اللبنانية لمكافحة الصهيونية ” ، في جلستة ، بتاريخ 14 كانون /يناير 1947، إرسال مذكرة إلى وزير الخارجية البريطانية ، إرنسيت بيفن ، حدد فيها الاتحاد موقفه من مؤتمر لندن ، المنعقد في ذلك الوقت ، لدراسة الوضع في فلسطين . أكدت المذكرة على رفض استمرار الانتداب البريطاني ، ووجود الجيش البريطاني في فلسطين ، وعدم قول استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين . وأشارت المذكرة إلى أن المؤتمرات ولجان التحقيق ، التي تعقد من أجل قضية فلسطين ، مجرد محاولات لكسب الوقت ، وإضاعة الفرص على العرب .(1)
 
          كما أرسل “اتحاد الأحزاب اللبنانية لمكافحة الصهيونية ” مذكرة إلى الوزير المفوض البريطاني ، في بيروت ، في 23آذار/مارس 1947، احتجاجا على قرار الأمم المتحدة بتعيين لجنة جديدة لبحث المسألة الفلسطينية ، بناء على إصرار المندوب البريطاني في فلسطين على ذلك ، وتضمنت المذكرة أن هذا القرار لا مبرر له ، خصوصا وأن قضية فلسطين لم تعد في حاجة للدرس والتحقيق .(2)
 
          إلى ذلك شارك لبنان رسميا في الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية في آذار /مارس 1947، ورغم انشغال الوفد اللبناني في خلافاتة الشخصية ، فأنة استطاع أن يشارك في اجتماعات مجلس الجامعة ، وعاد إلى لبنان ، معلنا في أول نيسان/ إبريل 1947 ، تأييد الحكومة والشعب في لبنان للشعبين ، الفلسطيني والمصري ، في نضالهما من أجل الاستقلال.(3)
 
          دعت لبنان إلى عقد مؤتمرات عربية عدة ، من أجل القضية الفلسطينية ، وكانت الدول العربية حريصة على تلبية الدعوة . ففي بيروت اجتمع وزراء خارجية الدول العربية ، مع لجنة التحقيق الدولية ، في 17/7/1947 ، مؤكدين على ما ورد في المذكرة المقدمة من ” الهيئة العربية العليا ” ، الممثلة للشعب العربي الفلسطيني ، ورئيسها ، الحاج محمد أمين الحسيني ، وهى أن فلسطين جزء لا يتجزأ من البلاد العربية ، ولا سبيل لحل القضية بدون الاستقلال التام ، وأن الصهيونية تستهدف البلاد العربية ، مابين النيل والفرات وأن التساهل لا يفيد في حل القضايا الوطنية .(4)
 
          وكان الإضراب العام المنظم قد أعلن ، في 3 تشرين الأول /أكتوبر 1947، احتجاجا على توصيات لجنة التحقيق الدولية بتقسيم فلسطين ، وأغلقت مدينة بيروت ، تماما ، بدون مظاهرات.(5)
 
          لبت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية دعوة رئيس الجمهورية اللبنانية بشارة الخورى ، لعقد اجتماعها في صوفر بلبنان ، في الفترة من 16-19 أيلول/ سبتمبر 1947، ورفضت اللجنة توصيات لجنة التحقيق الدولية ، وقررت جمع الأموال للدفاع عن فلسطين ، ودعم شعبها ، وإمداد بالسلاح ، وأوصت للجنة الدول العربية بإيواء أطفال ونساء عرب فلسطين ، إذا ما وقع في فلسطين ما يستدعى ذلك .كما بحثت اللجنة كيفية تنفيذ المقاطعة ضد بريطانيا ، والولايات المتحدة الأمريكية.(6)
 
          كما صادق المجلس اللبناني ، في 5 كانون الأول/ديسمبر 1947، على تخصيص مليون ليرة لبنانية ،للدفاع عن فلسطين ، وتبرع النواب بشهر من راتبهم . وأسهم المجلس البلدي ، أيضا ، بمبلغ مئة ألف ليرة ، واستنكر المجلس قرار التقسيم ، واعتبر قيان الدولة اليهودية يهدد أرض لبنان ،وحرياتة ، بصفة خاصة ، والكيان العربي ككل.(7)
 
 
          وقد جاءت ردود الفعل اللبنانية الشعبية ،على قرار تقسيم فلسطين عنيفة وقوية ، بداية من التظاهر ، وصولا إلى الهجوم على المحلات اليهودية ،في مختلف المناطق اللبنانية ،كما أعلن الإضراب العام وجمعت التبرعات من أجل فلسطين .(8)
 
          دور لبنان في الحرب
           
            تعد حرب 1948 ،الجولة العسكرية الأولى التي خاضها العرب ضد الغزو ة الصهيونية لفلسطين ، وشاركت فيها الجيوش النظامية لخمس دول عربية ، هي: مصر ،وسوريا ، والأردن ،والعراق، ولبنان ، وقد بدأت الحرب كما هو معروف في 15/5/1948.
 
            معروف أن الجامعة العربية كانت عقدت اجتماعاتها ،بتاريخ 16/9/1947،في صوفر (لبنان )،وفيه قررت تقديم أقصى ما يمكن من الدعم العاجل لشعب فلسطين ، في حال إقرار التقسيم ، ثم قررت الجامعة ، في اجتماع آخر ، عقد في عالية (لبنان) ،بتاريخ 15/10/1947، تقديم مالا يقل على عشرة آلاف بندقية ، مع ذخائر إلى أهل فلسطين ، واختيار نخبة عسكرية ، لإعداد الدفاع عن عروبة فلسطين .(9)
 
اـ الدور السياسي
 
       انطلقت الحكومة اللبنانية للدفع عن فلسطين من مبادئ عدة ، سياسية وعسكرية ، منها الخطر الصهيوني على لبنان ، ومشاركة الدول العربية في الدفاع عن فلسطين ، فضلا عن إرضاء الفئات الشعبية اللبنانية ، المطالبة بدعم القضية الفلسطينية .
            حرصت الحركة الصهيونية ،مع بداية عام 1948، على إمداد يهود بيروت بالسلاح ، ليتمنوا من حماية أنفسهم ، ولتنفيذ ما يطلب منهم من أعمال تخريبية في لبنان .وقد اكتشفت الشرطة اللبنانية أسلحة متنوعة ، مخبأة في حديقة بالحي اليهودي في بيروت ، مما دفع السلطات اللبنانية إلى ملاحقة العصابات الصهيونية ، التي كانت وراء هذا العمل .(10)
 
            في الوقت نفسه قامت الجمعيات والهيئات الإسلامية في لبنان بالعمل ، والحث على الدفاع عن فلسطين ، وأثناء الاحتفال بالمولد النبوي ،حرص الرئيس بشارة الخورى على حضور الاحتفال ، وأكد، في كلمتة التي ألقاها بهذه المناسبة ، تأييده للقضية الفلسطينية .(11)
 
            في تصريح لرئيس الوزراء اللبناني ، رياض الصلح ، أمام لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان اللبناني ، قرر بأن لبنان سوف يقدم المال والعتاد والرجال لفلسطين ،في” حدود إمكاناتة ، وفق هذه الإمكانيات ، إذا لزم الآمر “! كما سمح الصلح للقوات العربية  غير اللبنانية بالدخول إلى فلسطين ، عبر أرض لبنان الجنوبية .(12)
 
            في الوقت نفسه صرح رئيس أركان حرب الجيش اللبناني ،اللواء فؤاد شهاب ، بأنه يعارض فكرة الهجوم ، وأن الجيش اللبناني لا يستطيع القتال ، وإذا كان لابد لهذا الجيش من الاشتراك في حرب نظامية ، فعليه أن يتخذ لنفسه خطة الدفاع عن حدوده ، وقد حسم رئيس الجمهورية اللبناني ، آنذاك ، بشارة الخورى الموقف ، بتأييد شهاب ، ووقف الجيش اللبناني عند حدود بلاده ، مدافعا .(13)
 
 
            على صعيد آخر ، كان هناك بعض القوى المناهضة لحقوق الشعب الفلسطيني ، ويقدم  المساعدات للصهاينة ، ومعه بعض المتعصبين دينيا ، الذين أيدوا إسرائيل ، آمان في أن تصبح قضية “الوطن القومي المسيحي ” في لبنان سهلة التحقيق ، بقيام دولة إسرائيل .(14)
ب ـ الاستعداد للحرب
      
       أعدت الخطة الرسمية الأولى للدفاع العربي لفلسطين ، في مركز قيادة الجنرال طه الهاشمي ، في دمشق ، قبل بدء شهر آيار/مايو ، وعرضت على القادة العرب ، عندما اجتمعوا في دمشق ،في الأسبوع الأول من آير /مايو 1948 ، وتمت الموافقة على الخطة .(15)
 
            كان مجموع الجيوش العربية التي دخلت إلى فلسطين ، حوالي 000ر24،مقسمة كمايلى :
مصر 10000 ،الفليق العربي 4500،سوريا 3000،العراق 3000، لبنان 3000،بمافى ذلك 2000 من قوات “جيش الإنقاذ العربي ” .واشترك الجيش اللبناني بالزحف من الشمال ،في الهجوم النهائي على حيفا .(16)
 
            في منتصف ليلة 15/5/1948،دخلت الجيوش العربية أرض فلسطين ،ورغم كثرة المعوقات والنواقص في التسلح ، فأن هذه الجيوش ،حققت في الأيام الأولى من عمليتها العسكرية ، نجاحا ،دفع الولايات المتحدة الأمريكية ،إلى أن تطلب من مجلس الأمن (19/3/1948) التدخل لوقف إطلاق النار .(17)
 
           
            امتدت المرحلة الأولى للحرب ،من 15/5/1948ـ11/6/1948 ، وكانت خطه الدخول إلى فلسطين تبدأ بدخول الجيشين ، السوري واللبناني ،في شمال فلسطين ، وهدفهما الأول مدينة حيفا ، فيما يدخل الجيشان العراقي والاردنى ، من الشرق ، وهدفهما العفولة ـ حيفا ، أولا .أما الجيشان ،المصري والسعودي فيدخلان من الجنوب ، واعتبرت تل أبيب هدف الجيوش العربية جميعا .(18)
 
ج ـ الحرب
 
       بلغ عدد الجيش اللبناني حوالي 1000 مقاتل ، بقيادة رئيس الأركان اللبناني ، فؤاد شهاب ، الذي سبق أن أكد على عدم  قدرة جيشه على خوض حرب حديثة ، وأن أكثر مافى استطاعته هو الدفاع عـــــــــن لبنان ،قرب الحدود.(19)
 
            اشترك الجيش اللبناني في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام (1948) بأربعة أفواج من المشاة ، والمدفعية ، والمدرعات ، وسرية خيالة وقد تمركزت هذه القوات على طول الجبهة اللبنانية ـ الفلسطينية .(20)
 
            دخلت القوات اللبنانية فلسطين ، باتجاه ما يسمى إصبع الجليل ن الممتد شمالا من نهر الأردن ووادي الحولة نحو دان ، وتعد هذه المرة الوحيدة التي سارت فيها العمليات الحربية العربية وفق خطة عامة ، ووضعت القوات الصهيونية بين فكي جبهتين عربيتين ، في آن ، إذ عبر السوريون نهر الأردن ، نحو شرق الجليل ، واتجهت القوات اللبنانية نحو عربة .(21)
 
            سيطر “جيش الإنقاذ ” على المالكية ، والتي تقع عند مفترق الطرق التي تصل فلسطين بلبنان ، في القطاع الأوسط من الجبهة اللبنانية ،وتعتبر المالكية مفتاح حوض الحولة ، والطرق المؤدية إلى عكا ، وصفد ،والناصرة ، وتسيطر على طريقي عيترون ـ بنت جبيل ، وبليدا ـ ميس الجبل . وفى ليلة 15ـ16 آبار / مايو 1948 ، حاول الصهاينة احتلال المالكية ، لكنهم أخفقوا ، وتكبدوا خسائر فادحة .(22)
 
            تقدم الصهاينة من الشمال ، واستولوا على عكا ، ولم يكن فيها أي دفاع من القوات النظامية العربية ، واقتربت القوات الصهيونية من الحدود اللبنانية ، وقد كانت المنطقة الساحلية خالية من المقاومة العربية .(23)
 
            في يوم 19آيار/ مايو 1948، أطلقت قافلة مدرعة ، تابعة اللواء “يفتاح “، التابع للعدو ، وتوغلت نحو 15 كيلو مترا داخل الأرض اللبنانية ، ووصلت إلى المالكية من الخلف ، وقامت باحتلالها .(24)
 
وبذلك قطعت قوات الاحتلال الطريق الموصل من الناصرة إلى المالكية ، ومفرق عيترون ـ بنت جيل ، وحاصروا 300 من المجاهدين العرب ، لذا قرر الجيش اللبناني مهاجمة قرية المالكية ، وتخليصها من أيدي الإسرائيليين ، لفتح الطريق ومساعدة المجاهدين ومدهم بالعتاد .(25)
 
            قام الجيش اللبناني بهجوم على هضبة المالكية ،بدءا الهجوم ،يوم 5 حزيران/ يونيو، مهدت له المدفعية ، والطيران السوريين ،ثم انطلقت السريتان ، الأولى والثالثة ، وتبعتها المدرعات ، وقد صادفت القوات اللبنانية مقاومة عنيفة من العدو،ورغم ذلك لم يستطع وقف تقدمها ، ودارت معركة شرسة ،وجها لوجهة،بالسلاح الأبيض ،أسفرت عن دحر العدو،وتخليه عن جميع مواقعه القتالية ،بعد خسائر فادحة ،وتمكنت القوات اللبنانية من المالكية ،وتابعت التقدم إلى قدس ، ودخلتها ، بعد انسحاب قوات العدو منها إلى النبي يوشع   .(26)
 
            فقدت القوات اللبنانية في هذا الهجوم شهيدين، وأصيب خمسة من القادة ،وواحد وثمانون جنديا ،وعطلت دبابة واحدة ، دون تدميرها، وكانت خسائر العدو ثمانية عسكريين ، بينهم ضابط ، وعدد من الجرحى .(27)
 
            قال  قائد جيش الإنقاذ، فوزي القاوقجي ، في مذكراته :”قررت معركة المالكية مصير الحدود اللبنانية ، ومصير جبل عامل كله ، فأصبح في أمان مؤقت ، على الأقل ، كما قررت مصير القوات اليهودية ، التي كانت تهدد من المالكية بالخطر الشديد ، كل ما جاورها . وفتح أمامنا ، بعد هذا الانتصار ، مجال أوسع للاتصال بالجيش السوري ، بحركة متقابلة ،فيما إذا أقدم علي عملية ما، وكان له صدي كبير في الأوساط العربية والأجنبية “.(28)
 
            قرر الاسرائلييون الهجوم ، بعد أسبوع من ثبات الجيش اللبناني، وعدم تحركه ، فشن الجيش الإسرائيلي هجوما مخادعا على النبي يوشع ، وقدس ، من الجنوب ، في حين جاء الهجوم الرئيسي على المالكية ، عبر الأراضي اللبنانية ، حيث أرسل الإسرائيليون قوة من السيارات المدرعة، والمشاة، المحمولة علي عربات نقل ، عبر الحدود ، انطلاقا من المنارة ، حتى الحدود غرب المالكية ، تصدت لها وحدة لبنانية صغيرة ، ولكنها عادت ، وانسحبت ، لعدم قدرتها على الصمود في وجه القوة الإسرائيلية المتفوقة في العدد والعتاد ، وهي التي هاجمت القوات اللبنانية في الخلف ، قبل أن تتمكن من اتخاذ الاستعدادات اللازمة ، فسقطت المالكية، بعد معركة قصيرة ، وتبعتها قدس ، التي أخلاها اللبنانيون ، وانسحبوا إلي ما وراء حدود بلادهم مع فلسطين .(29)
 
            انسحبت معظم القوات العربية ، بدعوى “إعادة تنظيم الصفوف والتخطيط لاستئناف العمليات “، في ضوء ماتلقوة من دروس من قوات الصهاينة ،ثم التنسيق للهجمات بين القوات اللبنانية والسورية و”جيش الإنقاذ “.(30) حيث شنت وحدات من الجيشين اللبناني والسوري ، وجيش الإنقاذ ، هجوما مشتركا مفاجئا علي المالكية ،فاستردوها ، رغم كثرة الحواجز ، الألغام ، التي وضعها العدو حول القرية ، واستولت القوات العربية علي رامات تفتالي ، وقدس ، وفتحت الطريق نحو سهل الحولة ، والجنوب .(31)
 
 
            استمرت الهدنة الأولي ،من 11/6ـ9/7/1948 ،ثم استؤنفت  المرحلة الثانية للحرب ، في 9/7 حتي18/7/1948، على الجبهات ، الأردنية ،والمصرية ، والسورية ، فحسب ، ولم يشترك لبنان في هذه المرحلة من الحرب .(32)
 
                        جاءت الهدنة الثانية ، في 15/7/1948، بقرار من مجلس الأمن الدولي رقمي 4،5، وفي هذه الأثناء ذهب القاوقجي إلي بيروت ، علي أمل أن  يقدر لبنان مدي خطورة الموقف علي حدوده ، فيحاول أن  يدافع عن أرضه ، وبذلك يمكن أن تمد الحكومة اللبنانية جيش الإنقاذ ببعض الأسلحة ، لمنع إلحاق الهزيمة به .ورغم قلة إمكانيات لبنان الحربية ، فقد استلم القوقجي ، علي الصعيد الآخر ، يراكون استعداداتهم . فاجتمع القاوقجي بضباطه ، وأطلعهم علي ما حدث،  وقرر الاستمرار في القيام بواجبة بالدفاع عن فلسطين ، حني النهاية .(33)
 
            عند قبول الهدنة الثانية ، انطلقت في لبنان الاحتجاجات ، والتظاهرات الحاشدة ، التي ذكرت الملوك والرؤساء العرب ، بما قرره مؤتمري أنشاص ، وبلودان ، كما ردد المتظاهرون الهتافات المعادية لبريطانيا ، والولايات المتحدة ، والصهاينة ، وطالبوا بقطع النفط عنهم . كما تظاهر 500 لاجئي فلسطيني في بيروت ، مطالبين بحقهم في الخبز ، فضلا عن تقديم استجوابين للحكومة اللبنانية في البرلمان ، بسبب تقصيرها في حرب فلسطين . كما تولت لبنان إدارة المكتب ، الذي تم إنشاؤه للدعاية لقضية الفلسطينية في أوربا ، إبان قبول الهدنة الثانية .(34)
 
 
            لم يحدد مجلس الأمن الدولي للهدنة الثانية زمنا معنيا ، علي أمل أن تتحول إلي هدنة دائمة ، ويحل الصراع سلميا ، بمعاونة الكونت فولك برنادوت ، وسيط الأمم المتحدة ، الذي وضع خريطة جديدة لفلسطين ،وقرر تعديل قرار التقسيم ، بشكل يحقق بعض العدل ، من وجهة نظره ، فأعد مشروعا ، عرف باسم “مشروع الكونت برنادرت ” ، وقدمه إلي الأمين العام للأمم المتحدة . غير أن الصهاينة لم يوافقوا علي المشروع علي المشروع ، فاغتالوا برنادوت ، في القدس ، يوم 17/9/1948، وفي هذه الأثناء تابعت إسرائيل عدداتها ، وأخذت في تنفيذ مخططاتها التوسعية الاستعمارية ، خارقة بنود الهدنة ، وتمكنت من احتلال مساحات أخرى من الأرض ،وانتزعت المبادأة من أيدي العرب .(35)
 
            عقد في لبنان اجتماع، في تشرين/أكتوبر 1948، بعد خرق القوات الصهيونية الهدنة الثانية ، ضم كلا من جميل مردم ، وزير الدفاع السوري ، ونظيرة اللبناني مجيد أرسلان ، فضلا عن فؤاد شهاب، وفوزى القاوجي ،وقائد الجيش السور ي حسنى الزعيم ، ورئيس ركن في الجيش المصري  المقدم ناصر ، وعضو اللجنة العسكرية العربية العقيد محمود الهندي ، للبحث لمساعدة الجيش المصري ، وأسفر الاجتماع عن سفر الزعيم ، وشهاب ، إلي مصر ، ليطلعا المسئولين هناك علي ما أسفر عنه الاجتماع ، ووافق الزعيم علي السفر ، في حين رفضه شهاب ، قائلا :” ماذا عسانا نعمل في مصر ؟! فإذا كلفتا المراجع المسؤولية بشئ لا يستطيع الجيش اللبناني القيام به ، فماذا يكون موقفنا ” . فرد عليه مردم :”يا جماعة هي مسألة رفع عتب “! وعلق القاوقجي علي هذا الجواب ، بقوله :”وكانت المؤتمرات كلها ،من قبل وبعد كما بدا لب ـرفع عتب “!.(36)
 
            في 25 تشرين الأول /أكتوبر1948،قام الطيران الصهيوني بغارات جوية علي جنوب لبنان ، لاحتلال بعض القري اللبنانية الحدودية ، مثل ميس الجبل ، وحولا ، سحب علي أثرها فؤاد شهاب الجيش اللبناني  المرابط في المالكية، وحل محله بعض المتطوعين بما يوازي نصف القوة النظامية فحسب ، الأمر الذي اضطر جيش الإنقاذ إلي البقاء متفردا في شمال فلسطين ، متعرضا للقصف المدفعي، دون مساعدة من أي من الجيشين ، اللبناني أو السوري .(37)
 
            رغم أنه لم يكن لدور لبنان في حرب 1948،أي فاعلية ،غير الدفاع ،فإنه لم يكن بأسوأ من مواقف الدول العربية الأخرى ، فقد أسهمت كل الدول العربية ، إسهامات متواضعة حينا وسلبية أحيانا ، والجدير بالذكر أن شعب لبنان قدم قائدا جسورا هو فوزي القاوقجي ،ابن طرابلس ، الذي مثل ظاهرة لبنانية مشرقة ، حيال القضية الفلسطينية ، فعندما شارك في جنازة الشهيد بهاء الدين الطباع ، في بيروت ، التف حوله الشباب،  وطالبوه بإنقاذ فلسطين ، واستئناف الجهاد ، علي غرار جهاده ، في ثورة 1936ـ1939، الوطنية الفلسطينية ، فأجابهم بأن حياته  فدى لفلسطين ، وانه كان ولم يزل ينتظر الوقت المواتي لهذا الجهاد !.(39)
 
 
 
 
الهوامش
 
1. موقع هيئة الاستعلامات الفلسطينية الالكتروني ، “ملف النكبة “
2. حسان حلاق ،موقف لبنان في القضية الفلسطينية (عهد الانتداب الفرنسي وعهد الاستقلال 1918ـ1952)،ط 1 ،منظمة التحرير الفلسطينية ، مركز الأبحاث ،1982، ص 162.
3. المصدر نفسه ، ص 163.
4. هيئة الاستعلامات الفلسطينية ، مصدر سبق ذكره .
5. حلاق، مصدر سبق ذكره ، ص 178.
6. هيئة الاستعلامات الفلسطينية ، مصدر سبق ذكره.
7. حلاق ، مصدر سبق ذكره ، ص 186.
8. المصدر نفسه ،ص 183.
9. الموسوعة الفلسطينية ، ط1 ،القسم العام، المجلد الثاني ، دمشق ، 1984،ص 150.
10. حلاق، مصدر سبق ذكره ،ص 193.
11. المصدر نفسه ،ص 194.
12. المصدر نفسه ،ص 195.
13. محمد فائز القيصري ، حرب فلسطين عام 1948  الصراع السياسي بين الصهيونية والعرب ، الجزء الأول ، القاهرة ، دار المعارف ، 1961، ص 157.
14. حلاق ،مصدر سبق ذكره ،ص194.
15. جون ،دبفدكميس ،من كلا جانبي التل بريطانيا والحرب الفلسطينية ،الترجمة العربية ،لندن ، سيكرواربرج ، 1962، ص 150.
16. المصدر نفسه،ص 162.
17. مذكرات القاوقجي ،ط1 ، د.خيرية قاسمية ، دمشق، دار التحرير ، 1995، ص 403.
18. حسن البدرى، الحرب في أرض السلام ـالجولة العربية والإسرائيلية الأولي (47ـ1949) ، بيروت ، دار الوطن ، المؤسسة العربية ، للدراسات والنشر ، 1976، ص 117ـ120.
19. الموسوعة ، مصدر سبق ذكره ، ص158.
20. القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني ،ط1 ، بيروت ، وزارة الدفاع الوطني ، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1973، ص 553.
21. القصرى ، مصدر سبق ذكره ، ص 184 .
22. القضية الفلسطينية ….، مصدر سبق ذكره ، ص 554.
23. القاوقجي ، مصدر سبق ذكره ، ص 420.
24. حرب فلسطين 47ـ1948/الرواية الإسرائيلية الرسمية ،ط1 ترجمة أحمد خليفة ، مراجعة سمير جبور ،بيروت ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1984، ص 493.
25. القضية الفلسطينية …. ، مصدر سبق ذكره ، ص 554.
26. المصدر نفسه ، ص 556ـ557.
27. المصدر نفسه ،ص 558.
28. الموسوعة ، مصدر سبق ذكره ، ص 158.
29. حرب فلسطين ……، مصدر سبق ذكره ، ص 521.
30. الموسوعه ، مصدر سبق ذكره ، 158.
31. المصدر نفسه ، ص 161.
32. القاوقجى ، مصدر سبق ذكره ، ص 433.
33. حلاق ، مصدر سبق ذكره ، ص 225ـ226.
34. الموسوعة ، مصدر سبق ذكره ، ص 161
35. حلاق ، مصدر سبق ذكره ، ص 241.
36. المصدر نفسه ، الصفحة نفسها .
37. خليفة ،مصدر سبق ذكره ،ص705.
38. المصدر نفسه ،ص 705.
39. حلاق ، مصدر سبق ذكره ، ص 177.
بقلم:آمال الخزامى