1. الثقافة والمجتمع بين منظورين: إسلامي وتغريبي
2. الثقافة انتاج الأمم عبر تاريخها الطويل وتراكم المعارف والعلوم والفنون وهي تعبيرعن المزاج العام للشعب والأمة. ولذلك لكل أمة ثقافتها الخاصة التي تنضح بفكر الأمة وقيمها وما يميزها عن غيرها. والحديث عن ثقافة مستوردة أو أخرى غازية لايتم إلا في مجتمعات مشوشة الرؤية، منقطعة عن ذاتها وكيانها. وكلما ابتعدت الأمة عن ذاتها، كلما اصبحت سهلة الاحتواء والتوجيه. واليوم نرى الكثير من الانحرافات والتوجهات والمبادرات التي لا ترى في الثقافة إلا من منظور “الاشياء”، بعيدا عن الروح التي تمثل للأمة الرابط الحقيقي لأفرادها ومواطنيها. فالروح هي العقيدة المنتجة للقيم السلوكية، والغايات الحقيقية لدور الإنسان على هذه الأرض ممثلا بتحقيق وعد الله بالاستخلاف والتمكين لتحقيق العدل والخير وحياة ملؤها الرضى و السعادة “فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى”.
3. في الرؤية الإسلامية نجد الأشياء خادمة للغايات وليس العكس. إذ الأشياء متغيرة والغايات ثابتة. والأشياء هي المنتجات المادية للأمة من فنون، واساليب حياة مادية. وهذه تتطور وتتراكم وتتغير أيضا عبر الزمن. وكلما كانت الأشياء مرتبطة بالغايات، كلما استطاعت الأمة المحافظة على كيانها ووجودها. وانفصال الأشياء عن الغايات يعني أننا إزاء أمة مستعبدة لشهواتها وأهوائها.
4. أما الرؤية الغربية المادية فلها منظورها الخاص للثقافة، إذ الثقافة سائلة لا ثبات فيها، لأنها لاتقوم على أساس عقدي توحيدي، بل على الأفكار، والفلسفات، والرؤى التي ينتجها الإنسان، ولذلك فهي في حالة تغير مستمر. وهذه الرؤية الغربية تقوم الأفكار والمبادىء فيها بوظيفة تقتصر على خدمة الأشياء. إذ ترتبط السعادة والحياة الهانئة بتراكم المادة ومتلطبات الجسد. فمقاييس السعادة لا ترتبط بالروح وارتقائها في معارج الكمال، بل بالدخل الفردي، والاقتصاد الناجح ولو كان على حساب تدمير الإنسان، واستغلاله والقضاء على خصوصياته التي خلقها فيه ربنا سبحانه. ولذلك نجد التنظير في علوم الاجتماع والنفس وحتى العلوم الطبيعية لا همّ له إلا إيجاد المبررات للشذوذ والانحراف والخروج على الفطرة، واعتبار الدين و القيم ليس إلا خرافات من الماضي لا علاقة له بعالم مابعد الحداثة. وعندما يتعلق الأمر بالروح والجمال، فإنه يرتبط دوما بالجسد وتمثلاته. لذلك نجد الغرب منذ أمد بعيد يجسّد الحياة من خلال التماثيل، والصور، والحجارة، والعمارة وما يسمى الفن الجسدي من رقص كالباليه والسامبا، وهز البطن، والفالس، والفن البصري عبر الافلام الموغلة في تجسيد الشهوة، وتصوير الجسد العاري كقيمة، والسمعي في الغناء الفاحش والمدمرأيضا. فشوارع عواصمه لا تكاد يخلو منها تمثال لمرأة أو رجل عار، أو غازٍ عنصري قتل الآلاف، وقضى على حضارات الآخر في آسيا وأفريقيا والأمريكتين. وقد أعجبني قول عالم نفس وفيلسوف مصري قدير هو يحيي الرخاوي في مقابلة مهمة مع الصحفي محمود سعد قوله علينا أن نعيد الإنسان من الانحدار إلى أسفل سافلين إلى الحالة التي خلقه عليها ربنا سبحانه “في احسن تقويم”.
5. إن الثقافة بمنظورها الغربي تقدم اليوم خدمة هائلة للمستبدين الذين همهم الوحيد إلهاء الشعوب عن حقيقة الحياة التي يعيشها الإنسان من فقر، وبطالة، وامتهان للكرامة ، و عنصرية بغيضة. ولذلك يمسك المستبدون بتلابيب “المقفين” ويوظفونهم خدما لهم لتحقيق أهدافهم في البقاء على صدور الشعوب وخنق أنفاسهم وأرواحهم المتطلعة للحرية والكرامة و الحياة الأفضل.
د. صالح نصيرات