• Visit Dar-us-Salam.com for all your Islamic shopping needs!
أضف تعليقك

دروس من التجربة الإسلامية في السودان (1)
مقدمة
تعد التجربة السودانية للحركة الإسلامية واحدة من أهم التجارب الحديثة التي مرت بها الحركة . ومن المفيد أن نلقي بعض الاضواء على تلك التجربة التي امتدت عبر أكثر من ستة عقود اي منذ إنشاء الفرع السوداني لجماعة الإخوان المسلمين في اربعينيات القرن الماضي. 
ولعل من المفيد ان ندرك ايضا طبيعة الجغرافيا والديمغرافيا واثرهما في تكوين الرؤية السياسية والاجتماعية لحركات التغيير. فضلا عن الوضع الإقليمي والدولي. فالجغرافيا السياسية تعطينا فكرة عن أهمية الموقع الجغرافي في طبيعة الأحداث التي تمر بها بلد من البلاد أو دولة من الدول. فالسودان يسمى "بوابة أفريقيا" العربية. ففي هذا البلد العربي الكبير مساحة (قبل فصل الجنوب) لديه الكثير من الموارد البشرية و المادية التي تؤهله للقيام بدور مهم في بناء علاقات إيجابية مع افريقيا. وقرب السودان من الجزيرة العربية ومصر ودول مهمة كاثيوبيا وأوغندا في شرقها وجنوبها جعل لها أهمية كبيرة. ولا أشك بأن دولة الاغتصاب الصهيوينة كانت دوما تنظر إلى السودان كمفتاح للدخول المباشر إلى افريقيا الشرقية تحديدا لبناء علاقات وطيدة معها.
أما الديمغرافيا فإن وجود عنصرين رئيسيين يشكلان الشعب السوداني الشقيق كان أمرا مهما في حركة التغيير. فالجنوب السوداني الذي كان لمجلس الكنائس العالمي دور مهم في بث "التنصير" وادعاء حماية المسيحيين هناك وتقديم الدعم المادي و المعنوي لها، وتحشيد القوى الغربية ضد الشمال بادعاء التمييز العنصري واحتكار السلطة والثروة في الشمال دور اساس في محاولات تمزيق السودان منذ حركة أنانيا 1 التي قامت مدعومة من الكنيسة بالتمرد تلو التمرد حتى تحقق للجنوب ما اراد بفصله عن الشمال عام 2011. ولعل الصورة الأخيرة للبابا وهو يقبّل اقدام زعامات الجنوب السوداني تعطي مؤشرا واضحا على التدخل الكنسي في تلك الدولة.
ومن المهم ايضا أن ندرك ان الحركة الإسلامية هناك –وهي تعيش جنوب مصر عبدالناصر ومبارك والسيسي لاحقا- وهم أعداء تقليديون للحركة الإسلامية، أن تتحرك بسهولة ويسر رغم ما طرأ من تغييرات على العلاقة بين البشر والسيسي لاحقا. فالحركة الإسلامية السودانية أخذت منهجا يقوم على الدعوة إلى عدم الارتباط بالإخوان في مصر من خلال التنظيم الدولي ، بل دعا الترابي – يرحمه الله- منذ وقت مبكر اي في ستينيات القرن الماضي إلى استقلالية الحركة الإسلامية. وهذا ادى إلى انشقاقات في الحركة الإسلامية عندما انشا جبهة الميثاق  في أواسط ستينيات القرن الماضي وتحالف لاحقا مع النميري الذي أعلن عام 1977 "تطبيق الشريعة". وهي حركة خادعة من النميري مالبث أن بلعها الإسلاميون بدليل انقلابه عليهم وإيداع الترابي السجن لاحقا. 
ولعل رؤية الترابي للعمل السياسي القائم على بناء تحالفات مع القوى السودانية المختلفة ومحاولته الدؤوبة للتغير في نبية النظام السوداني، قد عجلا بانقلاب البشير عام 1989. وهو انقلاب بلا شك تبنته الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الترابي. وهذا الانقلاب لم يرق لمصر مبارك ولا دول الخليج وعلى راسها السعودية التي رأت في ذلك تحديا مباشرا لها. كما أن الغرب المناصر لفصل الجنوب عن الشمال والرافض لقيام دولة تحكم بالشريعة كان لهما اثر كبير على الأحداث التي تلت. 
أما "حركة الإخوان المسلمين" فقد وقفت موقفا "مائعا" من الإنقلاب فلم تقف ضده أو تتعاون معه بشكل مباشر إلا من خلال المنشقين عنها كما يذكر د. عبدالوهاب الأفندي. وقد كان لهذا الموقف الآثار السلبية على الجماعة هناك. إذ تم ومن خلال الإعلام العربي و الغربي تصوير الانقلاب على أنه انقلاب إخواني. كما أن دعوة بعض الشباب الإخواني إلى مبايعة الترابي كما نشر ذلك عزام التميمي في مقال مشهور له في جريدة اردنية في منتصف التسعينيات، جعل من السهل تصويب السهام إلى حركة الإخوان المسلمين باعتبارها "متناغمة" مع انقلاب البشير –الترابي. إضافة إلى الدعاية الكبيرة والإيجابية التي حصل عليها الثنائي – البشير – الترابي في أوساط الإخوان المسلمين، ورأى بعضهم في تلك الحركة التغييرية أملا في نهضة المشروع الإسلامي.
وبعد الفراق الحاسم بين مجموعتي الترابي  والبشير وخروج قادة من وزن د. غازي صلاح الدين العتباني من الحركة وتشكيل حركة جديدة معارضة لنهج البشير، لم يغير رؤية الإعلام والساسة للبشير على أنه "إخواني" ويمثل المشروع الإخواني ولذلك سارع الإعلام السعودي – الإماراتي تحديدا في الهجوم على "الإخوان المسلمين" باعتبارهم ممثلين للإسلام السياسي الفاشل. وهذا الهجوم من قبل إعلام الدولتين ينسجم مع عدائهما الصارخ والواضح للحركات الإسلامية في تونس و المغرب وليبيا ومصر ووقوفهما مع حفتروالسيسي وحتى القوى اليسارية المناوئة للإسلام في تونس وغيرها، لأنهما ينظران إلى الحركات الإسلامية نظرة ارتياب وخوف شديد.
وقد جاء انقلاب الرفاق على البشير خلال الأيام القليلة الماضية بسبب التحشيد الشعبي والرفض الكبير لنهج البشير الذي لم يعد يملك رؤية حقيقة للحكم خصوصا بعد زيارته لسوريا وقبل ذلك الدفع بالجيش السوداني لمحاربة الحوثيين في اليمن والوقوف إلى جانب السعودية و الإمارات في تلك الحرب الفاشلة، فضلا عن السياسات الداخلية المتمثلة بتشبثه بالحكم وصعود نغمة التطبيع مع الصهاينة القشة التي قصمت ظهر البشير.

أضف تعليقك

د. صالح نصير
العمل الإسلامي: من ضيق التنظيم إلى سَعة المجتمع
ينظر كثير من المسلمين بأمل كبير للعاملين للإسلام. فهم امل هذه الأمة بالتغيير. وقد اتجه العاملون للإسلام في أهدافهم وطرائق عملهم مذاهب واتجاهات شتى. واصبح كل فريق يعتقد بأن طريقته في العمل هي الأكثر نجاعة وأثرا في التغيير. وللحقيقة فإن غياب منهج التكامل بين العاملين للإسلام، جعل التكرار سمة غالبة. فالعاملون الذين يجمعون بين الدعوة والسياسة يرون أن هذه المنهج نابع من حقيقة الإسلام الشاملة،أما الذين يفضلون العمل الدعوي فقط فهم يعتقدون بأنه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفريق آخر يرى ان بثّ العلم الشرعي خصوصا في الأمور العقدية هو الحل.
وللأسف الشديد أن كل فريق يعيش حالة من "السجن" الطوعي لأفكار وأساليب في العمل مضى عليها قرون، دون محاولات جادة للخروج من ذلك السجن. ولأن الحياة اليوم أكثر تعقيدا، والأوضاع العامة تختلف في كثير من مظاهرها عن السابق، فإن من الضروري أن يضع العاملون للإسلام في حسابهم عملية تغيير لتلك الطرائق و الأساليب. فيتخلصون من حالة "التقوقع التنظيمي" وينتقلون إلى ساحة المجتمع الرحبة من خلال أعمال وانشطة تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
ففي عالم اليوم، اصبحت حقوق المواطن لا تؤخذ تلقائيا، بل لابد من المجاهدة و العمل المؤسسي الجاد للحصول على تلك الحقوق. فبالرغم من وجود دساتير تضمن الحقوق الأساسية للفرد، إلا أن تلك الحقوق لا تعطى للمواطن إلا في حدودها الدنيا. فحق التعليم والصحة وتكافؤ الفرص في التوظيف والشغل والمشاركة السياسية والعمل مرهونة بقدرات السلطات التنفيذية وإمكاناتها المتوفرة، فضلا عن الجدية التي تغيب كثيرا في كفالة تلك الحقوق وضمان وصولها إلى اصحابها.
ولأن العمل الإسلامي يستغرق جانبين مهمين هما السياسة والدعوة الدينية الخالصة، فإن أمورا كثيرة لا تشغل بال العاملين، إلا في مناسبات معينة، والذي يكون النشاط والعمل فيها ليس أكثر من بيانات أو محاضرات أو دروس عامة ومواقف في بعض المجالس أو الإدارات محدودة الصلاحيات.
فالسياسة عند غالبية العاملين للإسلام  تعني في كثير من الأحيان أمورا ضيّقة جدا تتعلق بالسياسات الخارجية للدول، والتأكيد على استقلالية القرار السياسي وداخلية محصورة في حق المواطن في مشاركة أكبر في العمل السياسي.  وهذا تضييق لواسع. فالسياسة لابد أن تشمل كل الجوانب الحياتية للمواطن، وتجعل حقوق المواطن في مجالات الحياة كافة أولويات لها. فحق التعليم وجعله ميسرا ومقدورا عليه، وتوفير مؤسسات محترمة  وضمان حقوق للحصول على الرعاية الصحية، والإدارة الصحيحة للموارد، وحق الشغل في مجتمع يحترم الكفاءات ويقدّر اصحاب الخبرات أمور لاينبغي جعلها في ذيل اهتمامات العاملين. بمعنى أن تكون الجماعات الإسلامية جماعات وطنية مجتمعية تنفتح على المجتمع وتوسع من دائرة الاهتمام به في كل حين وليس فقط في مواسم الانتخابات.
وهذا التغيير في الأولويات يحتاج إلى كوادر مدربة على العمل الاجتماعي وقادرة على فهم متطلبات المواطن، فضلا عن وعي حقيقي بالحياة التي يعيشها المواطن من خلال التواصل المستمر معه. وللحقيقة أن كوادر الحركات الإسلامية لايملكون الكثير من المهارات والقدرات التي تمكنهم من التواصل مع أفراد المجتمع. فالمواطن لايريد "أوصياء" على تدينه وأخلاقه، بل يريد "مشاركين" له في همومه وقضاياه. وعندما يشعر المواطن بأن الحركات الإسلامية تعطي حقوقه أولوية وتشاركه همومه مشاركة حقيقة، سيكون الأمر مختلفا عن الاهتمام به في مواسم بعينها وبطريقة تُشعر المواطن بانه أقل علما او تدينا من ابناء الحركات والجماعات الإسلامية.
وقد يدافع بعض العاملين عما يقومون به من جهود "خيرية" وتوزيع لبعض "الخدمات" البسيطة للناس، على أنها جهود موجودة ضمن الممكن و المتاح. ونحن هنا نقصد أن يتفهم الدعاة الأمر على أن حقوق للمواطن ليست مجرد "صدقات أو هبات" تُقدم تحت الأضواء للدعاية الانتخابية او "لاستقطاب" الأفراد للتنظيمات. فالمواطن يريد أن تُحترم قدراتُه وكفاءاته وخبراته وتوضع في مكانها الصحيح بتوفير الشغل والحصول على "رزقه" بكرامة واحترام لآدميته.
أما الدعوة في مجالها الديني والقيمي والأخلاقي، فإن هذا الأمر توليه الحركات الإسلامية اهتماما اكبر من تلك التي تتعلق بالحياة اليومية للمواطن. فالمناسبات الدينية والتاريخية وكذلك المواعظ والدروس والنشرات تركز على هذا الجانب.   وقد يطغى على الدور الرسمي للمؤسسات التي تنشئها الدول العربية والإسلامية لنشر القيم الدينية والعلوم الشرعية، مما يجعل مجال التنافس كبيرا، وهنا ينشأ الخلاف بين الدعاة الرسميين وابناء الحركات الإسلامية. ولذلك فالحل هو التعاون بين الطرفين دون الدخول في صراعات على بعض القضايا وتبادل الاتهامات. فقد خسر العاملون في الحركات الإسلامية  الكثير من العلماء والوعاظ والشيوخ بسبب ذلك التنافس غير المبرر، حتى ترسخ في أذهان الكثيرين أن المؤسسة الدينية الرسمية ليست سوى توظيف من قبل الحكام لمنحهم الشرعية الدينية. وهذا ليس حكما موضوعيا. ففي المؤسسات الدينية الرسمية غالبية محترمة تحب دينها تعمل بجد وإخلاص لهذا الدين.
ولذلك فإن منح الاهتمام المجتمعي نسبة اكبر من الاهتمام بالعمل السياسي الضيق أو الدعوي الخالص ستكون له الآثار الإيجابية على العلاقة مع المجتمع وستكون نتائج العمل ملموسة في التغييرالذي سيطرأ على القيم التي تساعد الأفراد على مساهمات أكثر إيجابية في خدمة مجتمعاتهم.

أضف تعليقك

وجهة نظر
النضج التنظيمي فكريا وسلوكيا ضرورة حتمية
النضج بالمعنى العلمي هو الانتقال من مرحلة الطفولة و المراهقة إلى مرحلة الرشد العقلي والتوازن  النفسي والقوة الجسدية والتفكير العلمي  المنظم. وهذا للأسف لم تصل إليه كثير من التنظيمات الإسلامية والحزبية العربية.
إذ لم يعد الحديث عن  الانتظام في التنظيمات الحزبية يغري الكثيرين. ولعل فشل كثير من التنظيمات الحزبية في تحقيق أهدافها وعدم قدرتها على الانسجام مع الواقع المجتمعي والشعبي زاد من الصدود عن تلك التنظيمات. فكثير من التنظيمات الحزبية في البلاد العربية نشأت في ظروف غير طبيعية، اي أنها نشأت في ظل الاستبداد السياسي الذي جاء ليحكم الحياة العربية بعد "الاستقلال" الشكلي الذي محنه المستعمرون لبلاد العرب. وفي ظل الاستبداد لايمكن أن تنشا قوى منافسة وتعيش حياة طبيعية. وقد استطاعت بعض التنظيمات الحزبية القفز إلى أعلى هرم السلطة عبر العسكر من خلال انقلابات غادرة، وأخذت بلادها نحو التخلف و الدمار المنظم حتى اصبحت دول مثل سوريا والعراق ومصر و الجزائر وليبيا واليمن صحاري لايعيش فيها سووى من تملق تلك الأنظمة وباع ضميره واعتاش على فتات موائد العسكر.
ونال الظلم أكثر ما نال من التنظيمات الإسلامية من أحزاب وجماعات وهيئات، ودفعت ثمن وقوفها في وجه الاستبداد ثمنا باهضا. وقد أدى ذلك إلى عدم القدرة على بناء تنظيمات منفتحة على المجتمع، متفهمة لمطالبة ومسايرة لروح العصر. إذ عاشت التنظيمات الإسلامية –في معظم البلاد- تحت الارض وفي سجون المستبدين، ولذلك لم تستطع بلورة افكار متقدمة وملائمة للحياة اليوم.
وحتى في البلاد التي تمتعت بنسبة معقولة من الحرية السياسية فإنها –للأسف- مارست العمل السياسي بعقلية "المنفصل" عن المجتمع إلى حد بعيد. ولذلك استمر العمل التقليدي المنصب على المشاركة الخجولة التي لا تقدم للمجتمع العربي فرصا حقيقة للنهوض الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. بل إن بعضها مالئت وسكتت على الظلم وظنت خطأ أن الحرية النسبية التي نالتها كانت حبا فيها أو رغبة حقيقة من قبل الحكام لتمهيد الارض العربية لبناء مجتمع يقوم على الفضائل الإسلامية. ولكنها في الحقيقة لم تكن –في نظر أولئك الحكام- سوى أدوات ضغط وتوظيف لصالحها. فتتيح لها حرية الحركة متى احتاجت إليها، وتعيدها إلى "القمقم" متى استغنت عنها.
فقد تم توظيف الحركات الإسلامية لمناهضة الفكر اليساري في البلاد المحافظة، أو تقديم غطاء شرعي لها.
ولست بصدد لوم أحد ولكن ما اقدمه هنا قراءة لما حصل وما يحصل اليوم في كثير من البلاد العربية التي "تحتضن" تنظيمات إسلامية. ولست اشك بأن بعض التنظيمات حاولت الخروج من هذا الوضع بطرق سلمية، ولكنها وجدت نفسها أمام "قبضة" لاتسمح لها بالخروج. فبقيت تردد نفس الشعارات وتعيد اجترار الافكار التي تؤمن بها دون وجود حقيقي على الارض. ولعل الانتشار الواسع للتنظيمات الإسلامية في مراحل معينة يعود بالدرجة الأولى إللى المناخ السياسي أكثر من قدرة التنظيمات على العمل أو التجديد الفكري الي لم تطرحه اصلا. ولهذا كان صعود التنظيمات وهبوط شعبيتها مرهونا بالوضع السياسي الداخلي.
وحتى عندما أتيح لها العمل في مستوى من الحرية المقبولة، فإنها اتجهت نحو الانتشار الافقي بتكثير الأنصار الذين لايتوفرون على قدر عال من الفهم لتقلبات الحياة السياسية و الاجتماعية. ولم تستطع تطوير عملها باتجاه غرس قيم اجتماعية متقدمة يمكن أن تساهم في تطوير الحياة الاجتماعية والقيمية في المجتمعات. لذلك نرى تراجعا حقيقيا في شعبية القيم والمبادىء والأفكار الإسلامية. 
كما أن اعتمادها الخطاب " الشعبوي" الذي لايقدم رؤية حقيقة للمجتمعات التي تعيش فيها، كانت أسبابا حقيقه لتراجعها حتى أننا كنا نرى حضورا كثيفا لانصارها في مواقع معينة، ثم لا تلبث جذوة الحماس تخبو ويبدأ العمل من جديد لأن الأسس لم تكن عميقة والبناء لم يكن ثابتا.
ولذلك تبدو الحالة "الإسلامية" اليوم بحاجة إلى إعادة نظر حقيقة في اساليب العمل وطبيعة الأولويات وعدم الركون إلى الظالمين، والاهتمام بغرس القيم الإيجابية في المجتمع وفق نظرية للعمل تأخذ بعين الاعتبارا فهم طبيعة المجتمعات والظروف التي تمر بها، دون الاعتماد على مجرد افكار "جامدة" كانت صالحة في مرحلة معينة ولم تعد تفي بالغرض اليوم، أو النظر بسذاجة إلى اقدار الله سبحانه وتعالى وكأن القدر يمشي ويتحقق من خلال وسيلة او منهج واحد وباجتهاد ليس بالضرورة أن يكون الأنسب.

صالح نصيرات

أضف تعليقك

عبثية المشهد العربي – الإسلامي وسورياليته! 
اين المعنى؟؟
العبثية كمصطلح أدبي يعني عدم القدرة على فهم معنى الحياة، بمعنى ان الإنسان لايستطيع رغم جهوده الكبيرة الوصول إلى معنى محدد لمايجري في هذه الحياة. واليوم نعيش عبثية عجيبة في حياتنا. فهل يمكن لأحد أن يفهم معنى أن تكون ديون بلد مثل الأردن قد وصلت إلى مايقرب من 90 مليار دولار ثم يأتي التفسير الرسمي لهذا الرقم بطريقة لايمكن فهمهما إلا أنها محاولة "للتذاكي" على المواطن ومحاولة "سوريالية" للقفزعلى الواقع الذي نراه ونلمسه.
هل يمكن أن نجد أي معنى لهرولة العرب تجاه بني صهيون وهم يرون ابناء فلسطين يسقطون يوميا شهداء برصاص جيش"الدفاع" الصهيوني؟
هل من معنى "للتنسيق" مع العدو لقتل المجاهدين وقمع المناهصين لهذا التنسيق؟
هل من معنى أن يتلاعب مفت أو قاض بآي القرأن الكريم  فيجعل معاناة أهل غزة وحصارهم في ديارهم عقبة في طريق "نضاله" فيحرّم عليهم مالا يقدمه عربي مسلم لهم بينما هو و"شلل" النضال والكفاح يتنعمون بأموال الاتحاد الأوروبي وأمريكا والعمالة للصهاينة؟
هل من معنى في فتاوى "البكّائين" المزيفين الذين ضحكوا على "السذج" لعقود بتبرير الظلم والانحدار نحو "حاوية" القمامات الفكرية والسلوكية المستوردة من "مواخير" العالم شرقه وغربه؟
هل يمكن أن يكون هناك معنى لتتحول مدن عربية إسلامية إلى "ماخور دعارة " وغرزة حشيش وحانة مفتوحة للباحثين عن المتعة من الشرق والغرب باسم الاستثمار وجلب "العملات الصعبة"؟
هل يمكن فهم أو استنتاج أي معنى للبيانات والنشرات التي تشجب مايفعله ترامب بالحالة العربية من القدس إلى الجولان والحبل على جرار الضفة الغربية ثم نعلن أن هذا اقصى ما نستطيع؟
هل يمكن فهم لماذا يقوم سياسيون ورسميون عرب "بتبييض" صورة الإجرام الصهيوني والشعور بعقدة الذنب تجاه مقاطعة هذا الكيان الإجرامي؟ بل وحضور حفلات في سفاراتهم وتهنئتهم "باغتصاب" فلسطين والاستماع إلى نشيدهم "العنصري الإجرامي"؟
هل لبقاء الإستبداد وتكريسه بل والاستماتة في الدفاع عنه و"قوننته" بيد "نخب" تدعي أنها "مثقفة"  وأخرى "متدينة" وحريصة على الأمة وثقافتها اي معنى؟؟"
هل من معنى للهجوم على كل محاولة عربية أو إسلامية تحاول الخروج بالأمة من النفق المظلم على أنها 
هل من هدف أو معنى لتتحول هيئات علمائية دينية وحركات وجماعات إسلامية من التبصر بحال الأمة والعمل على إخراجها من كبوتها ومراجعة أدائها  إلى جماعات من السحيجة والمطبلين للاستبداد والمتسبدين ليكونوا موظفين في خدمة الديكتاتورية والظلم حتى لو "حرفوا" كلام الله سبحانه على منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هل من تفسير لانهيار منظومات الحياة اقتصادية واجتماعية وأخلاقية في بلاد العرب و المسلمين ثم الخروج علينا بالدعوة إلى "الطمأنينة"  بأن الأمور "تمام" وسيروا على بركة الله؟
لا أرى تفسيرا لما يجري سوى أنه نتاج طبيعي لسنوات من التخطيط لانتاج حالة من الجدب والقحط العلمي والفكري والأخلاقي التي مرّت علينا ومازلنا نعيش على وقعها في غيبوية طويلة من تزييف وعينا والكذب علينا.
تزييف وعينا جرى –للأسف- بطريقة مقصودة من أعداء الأمة تنفذه أيد عربية ومسلمة، وأخرى لم تكن مقصودة بل نتاج  قرارات تُتخذ في "أقبية" وجهل فاضح بالواقع والعيش في أوهام "التمكين" الذي كان يراد له أن يبنى على فهم منقوص لمعنى ما أراده الله سبحانه وتعالى. فمنذ عقود وهم يرون "النصر" قاب قوسين أو أدنى، ولكن هذا النصر الموهوم لم يأت لسوء فهم وقلة حيلة. وهذا ليس انتقاصا من الجهود ولكنها  نفثة مصدوم!
أين المعنى في ذلك؟؟؟؟؟ 

صالح نصيرات

أضف تعليقك

دور المسجد/ الحركات والجماعات الإسلامية  في غرس المسؤولية الاجتماعية
د. صالح نصيرات
تناولنا في المقالتين السابقتين دور كل من الأسرة و المدرسة في تنمية المسؤولية الاجتماعية. ونظرا لكون مجتمعنا العربي – الإسلامي ينظر إلى الدين ومؤسساته ورجاله نظرة تقدير واحترام، رغم محاولات الإعلام العربي المملوك لأعداء الأمة من أصحاب المليارات  تشويه صورة المتدينين عموما ورجال العلم الشرعي وعلماء الدين والحركات الإسلامية خاصة.  
وهذا لايعني أننا إزاء وضع مثالي في علاقة المؤسسات الدينية ورجالها بالمجتمع. وهذا ليس محل نقاشنا اليوم. لكن السؤال هو ما طبيعة دور المؤسسة الدينية ورجالها في بناء المسؤولية الاجتماعية وغرسها في نفوس المواطنين؟. 
يمثل التدين المبني على فهم سليم وصحيح للإسلام وسيلة ملائمة لتقديم الوسائل والأدوات المناسبة لتحقيق الهدف أعلاه. فالمسجد ومن خلال المواعظ والدروس وخطب الجمعة التي يقدمها عالم صادق مخلص وقدوة منضبطة بقيم الإسلام ومبادئ الأخلاق  يستطيع التاثير في الناس بشكل إيجابي.
فالأمانة في العمل والإخلاص في المواطنة والولاء للوطن ، والحفاظ على الملكية العامة والخاصة، والتخلق بأخلاق الإسلام في التسامح وقبول الآخر، والتعامل معه على الأخوّة في الوطنية والإنسانية كلها موضوعات يجب تناولها في الدروس و الخطب، وممارستها في الحياة اليومية. كما أن قيام العالم والشيخ ببيان الصورة الأمثل لدور الدين في الحياة دون تعسير أووصاية على الناس، أو تقييد لحريات الناس مادامت منضبطة بقيم المجتمع، تساعد في توسيع رقعة الصلاح والخير في المجتمع.  وإذا اضفنا إلى ذلك تقديم استشارات تربوية واجتماعية -لابصورة الفتوى الملزمة – ولكن بصورة المجرّب والخبير فإن العالم سيكون قائدا اجتماعيا فاعلا إيجابيا في حياة المؤمنين. ولكن لن يستطيع الشيخ أو الداعية تقديمه مالم يكن متوفرا على دراسات متخصصة في ميادين التربية وعلم النفس والاجتماع ودورات تدريبية في الخطابة والتواصل الثقافي والاجتماعي بالإضافة إلى العلوم الشرعية. أن فهم الشيخ/ الداعية لدوره في بناء المسؤولية الاجتماعية لدى المؤمنين، يعني أنه قد استطاع بناء علاقات من الثقة المتبادلة بينه وبين الناس. فبدون ثقة بأن هذا الشيخ/الداعية مخلص فيما يقول ويطابق فعله قوله ولايستغل منصبه ومكانته الدينية لصالحه ومصالحه، سيكون لكل مايقول الأثر الاكبر في نفوس الناس. وإذا اشتم منه الناس أو خبروا منه تناقضا بين ما يقول ويفعل، فإنهم سيزهدون به وينأون بأنفسهم عنه، فتضيع فرص الإصلاح بسبب بعض أصحاب المصالح. ويبدو لي أن طبيعة الخطاب الديني الذي يمارسه كثير من العلماء والقائم على استخدام عبارات الإطلاق واليقين ولغة "الأمر" وعدم ترك مساحة للحوار والنقاش حول قضايا قابلة للحوار والنقاش أدت إلى نفور الكثيرين من الخطاب الديني. كما أن إلباس الخطاب البشري الاجتهادي لبوس الإلهية وجعل ذلك الخطاب البشري غير قابل للتأويل او التغيير او حتى المناقشة أدى إلى تراجع دور المسجد والتربية الإسلامية عموما في حياة المسلم.
ولذلك فإن جرأة العالم في تصحيح الممارسات الاجتماعية الخاطئة على المستوى الخاص والعام بلغة الفقيه المدرك لدوره والعارف بأحوال الناس له الآثار الإيجابية العظيمة على حياتهم. والغريب أن دور كثير من الشيوخ والدعاة تحول من الشأن الاجتماعي العام إلى التوجيه الخاص. فملايين النشرات على الفيس وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي تقلص دور المسلم الحضاري في بناء الإنسان وتحيل الإسلام إلى "تعاويذ وأدعية" فردية وذكر وصلاة على النبي الحبيبز وهذه الأمور على جلالة قدرها لن تنشئ مسلما فاعلا وإيجابيا ومسؤولا دون الجمع إليها السلوك والأخلاق العملية التي تثمر حياة سعيدة ومطمئنة. فكلنا  يود رؤية الداعية في أعماله فيكون في نظر الناس الموظف المجتهد والقاضي العادل المنصف في عمله،  والمهندس المتقن والطبيب المشفق والتاجر الصدوق والمعلم الحريص والسياسي النظيف، والجار الذي يأمن بوائقه، والزميل النصوح. ولايريد رؤية انفصام بين الأقوال ووالأفعال، ولاتناقضا بين الشكل الخارجي والممارسة الأخلاقية. وليتذكر العلماء و الدعاة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  : " يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ، فَيَدُورُ كَمَا يَددُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَى ، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ : فُلانُ مَا لَكَ ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَىى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ"

أضف تعليقك

سفينة المجتمع عندما يتخلى عنها أصحابها
د. صالح نصيرات
في كل مجلس –تقريبا- نسمع تشكيا مريرا من قبل عامة الناس من الظروف المعيشية وانحدارالأخلاق والتخلي عن المسؤولية الاجتماعية تجاه الوطن. وينطلق اللوم على الآخر. ولم أسمع أحدا –إلا القليل- يلوم نفسه أو يقدم حلا يساهم فيه، بل في معظم الأحيان نجد أن عامتنا ينتظر حلا " فوقيا" إما من عند الله سبحانه وتعالى بالدعاء والدعوة إلى الإستغفار والناس يقيمون على حالهم لاتتبدل ولاتتغير. أو حلا من قبل الحكومة التي نضع عليها كل اللوم فيما آلت إليه حياتنا. 
فهل يمكن انتظار الحلول الربانية أو الحكومية ولم نغير من سلوكنا الذي هو نتاج إيماننا بالله سبحانه وتعالى؟ هل من المعقول أن نجلس في المساجد أو في بيوتنا نستغفر الله  سبحانه وتعالى ونحن نرى الظروف من حولنا تزداد سوءا؟ 
لماذا لا نتدبر في قوله تعلى "إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أيضا؟ 
لماذ لانقرأ قوله تعالى "ما أصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك"؟ لماذا نتعامل مع القرآن الكريم تعاملا انتقائيا نختار منه ما يفيد بأن مسؤوليتنا لاتتعدى مجرد النطق بالكلمات؟
فهل من المعقول أن الله سبحانه وتعالى سيغيّر حالنا ونحن نعفي أنفسنا من المسؤولية الفردية أوالجماعية؟
لماذا لا نجترح الحلول ونفكر بالمبادرات الفردية و الجماعية التي هي العمل المثمر الذي سيوصلنا إلى حال افضل مما نحن عليه؟
هل مانراه من مشكلات بيئية واجتماعية واقتصادية يمكن أن تحل دون أن نتعاون ونبث روح العمل والتكافل الحقيقي؟
هل يصعب علينا أن نبادر على مستوى الحيّ أن نتعاون لتنظيفه من مروجي المخدرات وننظفه من القاذورات التي تملأ شوارعنا؟ لماذا لا نكون اصحاب ضمير حيّ فنذهب في نزهاتنا ورحلاتنا ونكون قدوة للآخرين في المحافظة على جمال بلدنا؟
هل من المعقول أن نترك ابنائنا يموتون على الطرق دون أن نربيهم على احترام حياتهم وحياة الآخرين؟
هذه الأسئلة يجيب عليها كثيرون منا بشكل يثير الشفقة. فنظافة الحي او المنتزه أو المناطق السياحية مسؤولية الدولة فقط. وكل مايقع على هذه الأرض سببه تربية سيئة في المدارس والبيوت لأن الدولة لم تقم بواجيها في تعليمنا الطرق الأمثل لحياة أجمل وافضل؟
هل تخلي الأب عن مسؤولياته تعفي الأم والأبناء عن القيام بواجبهم تجاه اسرتهم وأنفسهم؟  
هل عدم تطبيق القانون تطبيقا كاملا يعفينا من مسؤولية التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
هل تقصير البلديات أو المؤسسات الحكومية يعفينا من مسؤوليتنا الوطنية؟
لماذا لانستفيد من الخدمات وإن كانت قليلة في تحسين ظروف حياتنا؟ لماذا نختار أن نقطع الشارع ونعرّض أنفسنا للخطر ولانصعد الجسر الذي بنته الدولة؟ لماذا نفضّل وضع القمامة خارج الحاوية الموجودة على بعد أمتار منا؟  هل قيام بعض المواطنين غير المسؤولين ببعض الممارسات  غير الملائمة تعفينا من القيام بواجب الاتصال بالجهات المعنية من أجل تصويب الأخطاء؟ لماذا نغلق الشوارع في أفراحنا وأتراحنا دون مراعاة لحقوق الناس ثم بعد ذلك نلوم الدولة على عدم تطبيق القانون علينا؟
لماذا نترك وسائل المواصلات إلى "سائقين متهورين وشباب طائش" دون أن نقوم بواجبنا تجا هذه السلوكيات الخاطئة؟
لماذا لا نعترف بأننا نجبن عن مجرد التواصل مع الجهات المعنية خشية انتقام جارنا الذي يغلق الشارع بالحجارة و الرمل والأتربة ؟
لماذا لانعترف بأننا نعيش حالة حقيقية من اللامبالاة تجاه مايجري من حوولنا ونحن نستطيع حل كثير من مشكلاتنا؟
هل تظنون أن المواطنين في الدول المتقدمة يجلسون في بيوتهم ينتظرون من حكوماتهم حل مشكلاتهم؟ المواطنون ينظمون أنفسهم في جمعيات محلية وجماعات قانونية لتنظيف الأحياء من مروجي المخدرات والفاسدين واللصوص ولنا فيما فعله الشباب المسلم في مدن أمريكية كثيرة القدوة رغم كل إمكانيات الدولة العظيمة؟
كم منا يتواصل مع المسؤول المحلي أو الحاكم الإداري ويصبر على ذلك لتحقيق مصلحة عامة؟ 
 هل يناقش الناس في منتدياتهم ومضافاتهم ومساجدهم  وأماكن تجمعهم ماذا عليهم أن يفعلوا تجاه مجتمعهم الصغير في الحي أو القرية؟
ماذا تفعل النقابات و الأحزاب والجماعات تجاه توعية المجتمع بدوره في بناء حياة أفضل؟ لماذا تعزز تلك الأحزاب و الجماعات فكرة أن حل مشكلاتنا يأتي "من فوق" وليس منا نحن؟
النجاحات الكبيرة نتاج تراكمي لنجاحات صغيرة!

أضف تعليقك

الخوف عنوان المرحلة!
د. صالح نصيرات
يمكن تلخيص المشهد العربي – الإسلامي وحتى الإنساني بعنوان كبير وواضح لدى عامة الناس وخاصتهم. هذا المشهد  يتلخص بالخوف الذي غدا حالة واقعية. إذ أن غالبية ترى ذلك وتعيشه. فامة العرب و المسلمين خائفة على الماضي "المجيد" ومنه،  و كذلك الحاضر المؤلم والمستقبل الغامض. هذا الخوف يظهر لدينا نزقا وغضبا حقيقيا بل وتوترا يحياه الإنسان العربي حتى أصبح الغالب على السلوك اليومي. فالمواطن خائف من السلطة، و السلطة خائفة من الناس، الإسلاميون خائفون على مشروعهم من الدعوات الجديدة التي ترمي بشباكها لتصطاد الخائفين والتائهين والمترددين. والليبرالييون الحداثيون خائفون من "الإسلام" الذي يرونه اليوم ممثلا فقط في "الإسلام السياسي" الذي لاهمّ له –برأيهم- سوى الانقضاض على السسلطة.
وعندما يصبح الخوف حالة مجتمعية، يصبح الهمّ الأساس للجميع هو البحث عن مخرج من هذه الحالة، حتى لو كانت الوسيلة لا أخلاقية، أو غير مقبولة مجتمعيا. ونحن نراقب المشهد نرى الخوف من "الآخر" حتى تتولد لدينا مجموعة من "ميكانزمات" الدفاع عن الذات. ولان الخائف –غالبا- لايستطيع التفكير بأناة وتؤدة، فإن ردود افعاله تتسم بالطيش والتهور.
ويبدو لي أن قوى كثيرة تستثمر هذه الحالة لصالحها، بحيث تقوم بتسويق ما تريد بسهولة ويسر. ولذلك نجد ان مجتمعاتنا اليوم لاتقر على أمر. فتصبح "مسلمة" وتمسي " متغربة". ولذلك فالهروب من الخوف يعني للكثيرين البحث عن الضد. 
السلطة تخاف من المثقف والمفكرلذلك تسرع إلى شرائه بكل الوسائل المادية والمعنوية. فقد تشتريه بالمال أو المنصب، أو تشتري سكوته بمحاولات اغتياله معنويا. وهذا الأمر واضح ولا يحتاج إلى برهان. فالمفكر الحر والموضوعي و المنسجم مع ذاته وفكره غير مرغوب فيه.
 ووالمتابع لما يُكتب في الصحف و المجلات والمواقع التي تمولّها دول النفط  تحديدا، يرى بؤسا حقيقيا لدك الكثيرين من المثقفين و المفكرين العرب الذين باعوا فكرهم وثقافتهم وعلمهم للأعراب بثمن بخس مقابل أن يجردوا اقلامهم للنيل من "الخطر الظلامي" المتمثل في الإسلام الحركي.
فالمفكرون والمثقفون الداعون إلى "تحرير العقل" العربي المسلم من الجمود والانغلاق، لايستطيعون كتمان حقيقة خوفهم، لذلك نجد الكثيرين يخلطون الحق بالباطل والخير بالشر والصدق بالكذب. ولايختلف الإسلاميون عن أولئك. إذ يفعلون قريبا من ذلك للدفاع عن أنفسهم في مرحلة اصبحوا غرضا وهدفا للمؤسسات العلمانية و الدينية الرسمية.  فما نقرا ونشاهد على المواقع الإخبارية أو الخاصة، يبين بجلاء أن الكثير مما يقال فيه التدليس واختلاط الحقيقة بالخيال.
وهذا الخوف نلمس جوانب منه في العلاقة بين الإسلام وخصومه. فمجزرة نيوزلندا تعبير حقيقي عن الخوف من انتشار الإسلام، وإن كان يتلبس ذلك الخوف بخوف على الفرص الوظيفية اوالخوف من التغيير في أنماط ثقافية جديدة في حياة الغربيين، باعتبار الغرب "معيار" التقدم والحياة الأفضل والأجمل. 
ولايمكن القضاء على هذه الظاهرة الإنسانية بشكل مطلق، فالخوف فطري في الإنسان، ولكن عندما يصبح الفرد مسكونا بالخوف من الآخر أو الظروف، تصبح فرص الجريمة أكبر. فالانتحار تعبير عن الخوف من المستقبل، أو تعبير عن الإحباط وانغلاق الفرص لحياة افضل. وسحق الآخر المخالف بالفكرة –السلاح المعنوي- أو بالرصاصة -السلاح المادي- يصبح ظاهرة على الناس التعايش معها، لأنهم جزء من هذا الخوف.
 وقد يقود الخوف المرء بالبحث عن سلوكيات تعوضه عن هذه الحالة من خلال تطوير أخلاقيات الكبرواحتقار الآخر والعنصرية ومحاولات تمجيد الذات التي تؤدي غالبا إلى الكثير من السلوكيات المرفوضة. ولكنها في الواقع تعبير عن حالة "مرضية" في المجتمع.
ولا أعتقد ان "المُسكِّنات" التي يحاول رجال الاقتصاد أو السياسة أو حتى الدين استخدامها للتقليل من هذا الخوف قادرة على تحقيق ذلك إلا بمقدار ضئيل ومؤقت. ولذلك فالحل يمكن في تفكير إنساني نابع من اعتقاد جازم بأن عواقب الخوف ومآلاته تمس الجميع حتى وإن بدا للبعض أنهم محصنون من ردود الأفعال والعواقب.

أضف تعليقك

دروس من مجزرة نيوزيلاندا
المجزرة التي وقعت على إخواننا المسلمين في نيوزيلندا أمس ليست الأولى ونسأل المولى عزوجل أن تكون الأخيرة، وأن يحفظ إخواننا المسلمين في كل مكان. ولأن لكل واقعة أو حدث أسباب ونتائج، فإنه من الضروري أن نتدبر في أمر هذه الجريمة الأليمة وما يمكن أن نستفيد منها حتى لاتتكرر بإذن الله.
الدرس الأول 
هو أن هذا الدين وانتشاره يغيظ كثيرين ممن لايدركون سماحة هذا الدين وسلميّته وأنه لم يأت ليهدد مصالح العباد، ولا ليكره أحدا على اعتناقه، ولا ليكون "شعارا" للقتل و التدمير. وهذا يحمّل كل مسلم مسؤولية عظيمة أولها فهم دينه فهما سليما صحيحا بعيدا عن الفهم الذي اختلقه لنا بعض الجهلة والموتورين الذين يعتقدون –جهلا- بأن هذا الدين جاء للقتل والذبح كما ينقل هؤلاء من خلال حديث جاء في ظرف معين وفي وقت محدد عندما قام نفر من المشركين بمحاولة خنق الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد جاء القرآن ليؤكد حقيقة مهمة وهي أن المخالفة في الدين لاتعني القتل مطلقا "فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولايرد بأسه عن القوم المجرمين".
الدرس الثاني
 أننا أمة رسالة جاءت استمرارا لرسالات الأنبياء عليهم السلام. فلنا صلات بهؤلاء الأنبياء وأتباعهم، فلنعظّم هذا المشترك، ولنعلم أن رسالة التوحيد لها هدف اسم ألا وهو إخراج الناس من جور الأديان إلى سماحة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ولم تأت هذه الدعوة للقتل أو رد الإساءة بالإساءة خصوصا في الأمور الفردية "ولاتستوي الحسنة ولا السيئة. ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم". وهذا لايعني مطلقا القبول بالدنية، ولا التهاون مع العدو الصائل، بل المقصود في المعاملات مع الناس المسالمين وليس مع المحارب الذي بغى على ديار الإسلام و المسلمين. وحتى مع العدو الباغي فإن للتعامل معه قواعد واصول أهمها عدم التمثيل وعدم قتل الأطفال و النساء وعدم حرق البلاد أو التعامل بمبدأ"العقاب الجماعي".
الدرس الثالث
 هو أن في العالم اقوام من ملل ونحل لايعرفون الإسلام إلا من خلال وسائل الإعلام المتحيزة ضد الإسلام و المسلمين. وهؤلاء كثيرون جدا وهم الغالبية العظمى من غير المسلمين. ومهمتنا هي البلاغ بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة والابتعاد عن تفسيرات وتأويلات تعسّر دين الله على الناس، وتبدأ بالاقل أهمية على حساب الأهم.
الدرس الرابع
في العالم ايضا أقوام محايدون ولهم مواقف إيجابية من الإسلام والمسلمين. وغالبا هذه المواقف الإيجابية جاءت من مواقف أخلاقية من قبل المسلمين. فالمعاملة الطيبة أبلغ من كل كلام لايقترن بعمل طيب، فديننا حث على التسامح والإخاء الإنساني الحقيقي وعدم التمييز بين الناس على أسس لاخيار للإنسان فيها كاللون أو اللسان أو القومية والتفاضل بالتقوى.
الدرس الخامس
في مثل هذه المواقف لنكن "إيجابيين" ولاتخرجنا العواطف عن التأمل و التفكر في مآلات ما نقول أو نفعل. فالمتربصون كثر ممن يبحثون عن زلات لسان لبعض المتعجلين أو الجهلة، ثم يطيرون بها خلال دقائق في الآفاق بعد أن يغيروا ويحرفوا. فلنحذر من ذلك وخصوصا الإخوة أئمة المساجد والمراكر الإسلامية والرموز الدينية للمسلمين من الوقوع في هكذا أخطاء.
الدرس السادس
 أن نبني تحالفات ونمد ايدينا لكل من يريد الخير لهذه الإنسانية، من افراد ومؤسسات. فالكثير منها متفاعل بشكل إيجابي مع المواقف الإنسانية، ولاتأخذنا العاطفة لنظلم فليكن العدل والإنصاف مع الآخر شعارنا. 
الدرس السابع
أن لانتعجل في ردود الأفعال. فالبلاد الغربية لها قوانينها، ولها اساليبها في التعامل مع الحياة. فالعمل الاجتماعي والسياسي له قواعده. وفهم تلك القواعد ضروري. فوسائل الضغط على السياسيين نافعة، والتواصل مع الإعلام مفيد، والتحرك كمواطنين لهم حقوقهم ضروري. وهذه الأدوات الموجودة في الغرب لابد من اتقان التعامل معها من قبل أبناء الجاليات، وعدم الزهد في العمل بل التدرب على هذه الاساليب لخدمة أبناء الجاليات وحفظ حقوقهم.
حفظ الله المسلمين في كل مكان ووفقهم للرشد والسداد

صالح نصير

أضف تعليقك

كيف  تحولت الهزائم المنكرة إلى انتصارات عظيمة
د صالح نصير
كثيرا ما نقرا أخبارا تحمل انتصارات وإنجازات، ثم لاتلبث أن تنفجر هذه الفقاعة مخلفة وراءها الكثير من الألم والإحباط. ويبدو أن الإعلام المؤدلج والمسيس يقوم بدور تلميع وجوه وشخصيات سياسية ودينية وعلمية من أجل "تخفيف" الاحتقان والغضب لدى أبناء الأمة.
فقد تكون مصافحة لزعيم أو لقاء تلفزيوني أو ظهور امبراطوري لزعيم "فقاعة" مظهرا من مظاهر الانتصار. بل إن مقالة "مدفوعة الأجر" تنشر في صحيفة غربية أو خبر تأتي عليه محطة عالمية تمدح هذا السفاح أو الظالم تعد انتصارا وإنجازا.  وأكاد أجزم بان هذه الفقاعات تتم صناعتها بحيث تبدو حقيقية للكثير من المحبطين الذين يحسنون الظن جهلا أو سذاجة. فعبر تاريخنا الحديث راينا فقاعات امت صناعتها على أعين مايلز كوبلاند ورجاله  من أمثال عبدالناصر والقذافي وحافظ وغيرهم على صعيد السياسة. أما على صعيد رجال الدين او الوعاظ فرسلان وحسان وعمرو خالد ووسيم وحتى القرني والسديس والمغامسي "النسخة الأحدث" نماذج لهذه الصناعة. وفي الفن راينا عادل إمام ويسرا ودريد لحام وغيرهم يمثلون دور "الوطنيين" و"العروبيين" في مسرحياتهم وأفلامهم. وفي الإعلام راينا هيكل و نافع وسعدة ومكرم والدخيل والعمير. وفي النسخ الأكثر جدة نجد أحمد موسى وأديب وتامر وابراهيم عيسى والدويهي وآل سلطان وغيرهم.  وقد درات الايام لتكشف زيف هذه الوجوه ولترينا كيف تمت صناعة هؤلاء ليكونو مجرد "محللين" لأنطمة القهر والفساد والإجرام، وليساهموا في تزييف الوعي العربي والإسلامي، متخذين من المنابر الدينية و الإعلامية و الفنية وسائل "لتبييض" الوجوه الكالحة التي دمرت وما زالت تدمر الأمة.
هذه النماذج صنعت على مدى الخمسين عاما الماضية زيفا وغطت على القبائح وحولتها إلى حسنات وفضائل. 
وللأسف أن غياب الوعي الحقيقي يسمح بمرور هؤلاء إلى قمة الهرم في صناعتهم، ويصبحون عند الجهلة "مشاعل" الانتصار والهداية والإنجاز.

أضف تعليقك

المرأة في يومها العالمي!
في كل عام يطل علينا هذا اليوم الذي اختاره الغرب ليكون مناسبة للاحتفاء بالمرأة وإنجازاتها عبر التاريخ. فأنا لست ممن لا يهتمون كثيرا بمثل هذه الأيام التي صدّرها الغرب للمرأة وكأنه الوصي عليها والمحتفي بها وحده. ولست متملقا المرأة في هذ اليوم ولا قادحا في دورها او منكرا لإنجازاتها. فالعناية بالمرأة تعكس حالة المجتمع تقدما وتخلفا. والعناية والاهتمام ليس بالضرورة أن يسير مسار الغرب في تعاطيه مع المرأة وحقوقها المختلفة.
ولأننا أمة تستورد كل شيء –تقريبا- هذه الأيام من الحذاء إلى "الأعياد" والمناسبات وما ذاك إلا لتردي أحوالها وضياع هويتها وبوصلتها في عالم اليوم. فإن المستورد للأفكار محكوم بشروط المصدر لتلك الأفكار. لذلك يصبح الحديث في عمومه عن تلك الأفكار انعكاس حقيقي لمن أنتجها وقام بتصديرها. وهذا يعني التماهي والقبول بما تمليه تلك الشروط.
ولأننا عندما نتحدث عن المرأة في عالم العرب و الإسلام وكعادتنا التي تلازمنا فليس عندنا سوى كلام "تبجيلي" تاريخي لايرى على أرض الواقع. فماذا يمكن أن يفيد المرأة حديثنا المكرور عن تكريم الإسلام للمرأة ونحن في الواقع ننظر إلى المرأة نظرة أقرب إلى الجاهلية الأولى؟
فالمرأة اليوم تناضل وهي واقعة بين تيارين متشددين: علماني يرى المرأة من خلال منهج وضعي يقوم على  فهم لاينسجم مع ثوابت ديننا، ومنظور آخر إسلامي ينظر إلى المرأة من خلال فقه تاريخي توقف عند حدود زمن ليس بالضرورة أنه الأنسب لنا اليوم. ولذلك فإن نظرة متوازنة لحال المرأة سيطلعنا على كثير من القضايا التي يجب أن نعيد النظر فيها. 
فالمرأة الهمّ الذي ابتلي به الآباء إلى الممات مازال يتردد بين جوانح الكثيرين من المسلمين. فهي في نظر هؤلاء ليست سوى "فضلة" كما يسمي النحويون بعض الظواهر اللغوية، يمكن الاستغناء عنها أو تهميشها دون أن يكون لذلك التهميش أثرا حقيقيا على استعمال اللغة.  والمرأة في نظر "فلكلوري – تراثي" يرى المرأة ليست سوى "خادمة" مطيعة تقدم خدماتها دون انتظار رد الجميل، حتى لو أظهر بعضنا الحب للأم أو الزوجة أو الأخت. ففي ثقافتنا الشعبية، المرأة "رائعة" مادامت صامتة عن حقوقها (لها فم يأكل ولا يتكلم)، متجاهلة كينونتها، تابعة للرجل تبعية العبد للسيد. وعندما تبدأ بالحديث عن حقوقها التي منحها إياها خالقها سبحانه وتعالى، تبدأ رحلة التأويل للنصوص والتي –غالبا- تتاثر بواقع اجتماعي متوارث لاعلاقة له بدين أو قيم ربانية تساوي بين الرجل والمرأة في نظر الله سبحانه. فغالبية المجتمع الزراعي يريدها فلاحة تسعى مع زوجها مادامت تتنفس، إذ ان هذا واجبها. أما المجتمع الصحراوي في مجمله يريدها راعية إبل أو غنم في صحراء لاحاجة لها بتعليم أو تربية غير تلك التي تفرضه قيم ذلك المجتمع. أما المجتمعات المتحررة  فهي تريد من المرأة أن تكون مجرد "ديكور" يعرضه الساسة والسادة في قوالب محددة. فهي وزيرة او سفيرة أو مسؤولة لا لأنها كفؤ –غالبا-، بل لأن ذلك الفعل يحقق للسادة الدعاية المطلوبة والرضى عنهم لدى الأسياد الكبار. فهل نالت المرأة حقوقها، وتغيرت الصورة النمطية عنها قبل ان تصبح وزيرة أو سفيرة أو مسؤولة؟ هل منحت حقوقها الشرعية كاملة في الحياة تعليما وتعلما وعملا واحتراما؟ هل توقفت النظرة إليها من كونها "فضلة" إلى مكون أصيل في المجتمع؟ هل تحررت المرأة من تلك النظرة السلبية لوجودها في عالم المال و السياسة والاقتصاد؟ هل إقدام بعض البلاد على منحها  رخصة" قيادة السيارة" أو السفر بلا محرم أو اشتغالها في بعض الأماكن بقصد الدعاية يحقق للمرأة ماتريد؟؟ هل الافتراء على دين الله والاجتراء على أحكام الشرع باسم المساواة في الميراث أولويات لها؟؟
كل هذه الاسئلة تحتاج إلى أجوبة حقيقية تتناسب مع حجم الظلم الواقع على المرأة من قبل مجتمعات لاترى فيها سوى "عورة".

صالح نصيرات