تُساومني على حلمي الوحيدِ
بمعسولِ الكلامِ وبالوعيدِ

فأحياناً تُهدِّدني وَحيناً
تُوسوسُ لي كشيطانٍ مريدِ

كأنكَ قاتلٌ يسعى لقتلي
بلا أثرٍ يُدينُكَ أو شهودِ

وأنتَ الآمرُ الناهي إذا ما 
أردتَ أَمَرتَ آلاف الجنودِ
 
فَصَبُّوا فوق عنواني وإسمي
وتاريخي مُذيباً كالأَسيدِ

ولم تَتركْ وراءكَ أي شيءٍ
يُشيرُ إليَّ حتى من بعيدِ
 
أَتَأخذُ ما يُبرِّر لي حياتي
ويُبقيني إلى يومٍ جديدِ؟

أَتَأخذهُ كما لو كان شيئاً
أَتاني ذات يومٍ بالبريدِ

رأيتُكَ في المنامِ تقولُ فَكِّرْ
كثيراً قبلَ إعدادِ الرُّدودِ

ففي كلِّ البلادِ لنا عيونٌ
كما الأقمارُ ترصدُ من بعيدِ

وآذانٌ هنا وهناك تُصغي
إلى وقعِ الدُّموعِ على الخدودِ

وفي مجرى حياتكَ قد أَقمنا
لِنضبطها الكثير من السدودِ

أخذنا من حقوقكَ كل شيءٍ
لنعطيكَ الأمانَ بلا حدودِ

فقل: شكراً ولن أبكي كثيراً
على حُرِّيتي مثل الوليدِ

فما الحرية البيضاء إلا
كوهمِ الباحثينَ عن الخلودِ

وقد تلقاكَ في جنَّاتِ عَدْنٍ
هنالكَ عند ذي العرشِ المجيدِ

كذا يا من مَلَكتَ الأمرَ غَصْباً
ببيعةِ مُكْرَهٍ أو مُستفيدِ

سَنَقْبَلُ ما فعلتَ بِطِيبِ نفسٍ
وننسى كل أحلامِ العبيدِ

ونَفرشُ كلَّ دربٍ فيه تَمشي
بأهدابِ العيونِ وبالورودِ

ونُقسمُ أن آدم كان قِرداً
كما زعمَ الكثيرُ من القرودِ

وأنكَ أنتَ دونَ الناسِ خلقٌ
سماويٌّ ومن جِنسٍ فريدِ

وخُذْ من عمرنا ما شئتَ حتى
تساوي الموت في العمرِ المديدِ

ومن أحلامنا خُذْ خيرَ حُلْمٍ
كقربانٍ يقدَّمُ كلَّ عيدِ

ولكن أَعطِنا عِزاً ومجداً
وتاريخاً كهارونِ الرشيدِ

وكُنْ في الحربِ سيِّدها وقُدنا
إلى ما نشتهي كابن الوليدِ

فإن لم تستطعْ فانْزِلْ إلينا
وعِشْ كسواكَ ما بين الحُشودِ

تُكَبِّلني وتَدفعني لحربٍ
لأَخسرَها وتُسفِرَ عن شهيدِ

تعلِّقهُ وساماً أو حِجاباً
يَقِي من طامعٍ أو من حَسودِ

وباسمِ الحربِ تُرجئُ كلَّ شيءٍ
وتُدْخِلُ في حُدُودِكَ من حدودي

معاذ الله أن أَرضى بهذا
وأَغْفَلُ عنهُ حتى في شُرودي

سأَقعدُ ههنا في البيتِ فاذهبْ
وقاتلْ أنتَ وَحدكَ بالوعودِ

فبعد اليوم لن أُعطيكَ صمتي
ولا صوتي لترديدِ النشيدِ

وسوف أقولها بِفَمٍ مَلِيءٍ
مُدوِّيةً كما قَصفُ الرعودِ

لِيَقتُلْنِي العدوُّ على فِراشي
فإنِّي لنْ أدافعَ عن قيودي

د. طاهر عبد المجيد