بَغْدادُ مَهْلاً إِنْ نَدَبْتِ غِيابي 
أَنَا مِنْ لِحاظِكِ سالَ دَمْعُ إِيابي
*
مُذْ صِرْتِ أَنْتِ الْجُرْحَ يَنْزِفُ لَوْعَتي
ما رَدَّني يَوماً إِليكِ عِتابي 
*
مُذْ صارَ في قَلْبي غَرامُكِ عَنْدلاً
أَو نَسْمَةً تَغْفو عَلى أَهْدابي
*
مُذْ صارَتِ الأَشْعارُ تَعْزُفُ في اللِّقا
تَرْنيمَةً تُذْكي سَعيرَ عَذابي
*
لا تَمْسَحي حُزْني لِأَنَّكِ لاعِجي 
بَلْ دَمْعَةٌ مَلَأَتْ كُؤوسَ شَرابي
*
بَغْدادُ جِئْتُ وَفي هَواكِ أَلَمَّ بِي 
جُرْحٌ يُواريهِ تُرابُ ثِيابي
*
وَغَفا عَلى خَدَّيكِ كَأْسُ مُدامَتي 
فَتَلاثَما وَسَقى لَماكِ رُضابي
*
أَنَا سِنْدِبادُ سَفينَةٍ لا تَهْتَدي
وَالْبَحْرُ قَدْ أَعْشاهُ بَرْقُ سَحابِ
*
فَوَجَدْتُ نَجْمَكِ يَنْجَلي مُتَمَلْمِلاً
وَيُشيرُ لِي لا تَمْشِ خَلْفَ سَرابِ

إِنْ أَشْرَقَ الْحَدَثانِ أَنْتِ ضِياهُما
فَالْبَدْرُ أَنْتِ وَأَنْتِ شَمْسُ هِضابي
*
بَغْدادُ نَهْرُكِ وَالنَّخيلُ خَمائِلي 
ضَفَتاهُ تُنْدي دَهْشَتي وُعُجابي
*
فَنَظَمْتُ في عَينَيكِ أَلفَ قَصيدَةٍ
وَنَسَخْتُ مِنْ سَحْرَيكِ أَلْفَ كِتابِ
*
ما رَفْرَفَتْ مَعَ وَرْدَةٍ عُصْفورَةٌ 
إلّا هَوى طَيرٌ عَلى الْأَعْنابِ
*
في كُلِّ عُنْقودٍ يُفَتِّشُ في الْجَنى
مِنْقارُهُ عَنْ سُكْرَةِ الْأَنْخابِ
*
بَغْدادُ أَضْواني عَليلُ هَوائِها 
وَنَميرُها أَذْوى زُهورَ شَبابي
*
أَجْلَيتُ مِنْ عِلْمِ الْجَمالِ مَفاتِناً
وَبَهاؤُها في الْحُسْنِ فاقَ حِسابي
*
وَعَلى نَضارَتِها تَكالَبَتِ الْعِدى
حَسَداً مِنَ الْأَغْرابِ وَالْأَعْرابِ
*
إِنْ يَخْطِفُ التَّكْفيرُ فيها خَطْفَةً 
يَتْبَعْنَهُ مِنْ ثاقِباتِ شِهابِ
*
وَتَظِلُّ بَغْدادُ الْحَضارَةِ مَوئِلاً 
لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلاقِ وَالْآدابِ
*
بَغْدادُ في كُلِّ الْعُصورِ أَميرَتي
وَحَبيبَتي في أَوبَتي وَذِهابي
*
ضمد كاظم الوسمي