بنيتُ لـ(القُدسِ) بَيْتًا في شرَاييني
بيتًا مِن الشوق أُؤْويهِ ويُؤْويني
.
مُذْ كنتُ طفلًا وأمِّي عن مدائنِها
تحكي وتبكي، فتُبكيني وتُشجيني!!
.
ووالدي كم تمنَّى لثْمَ تُربتِها
وها هو اليوم يذوي في الثمانينِ
.
يقول والدمع يَسْقي عُشْبَ لحيَتِهِ:
متى اشتياقي مِنَ (الأقصى) سيُدنيني؟!!
.
قد أُشعِلَ الرّأسُ شيبًا يا بُنَيّ ولَمْ
تَزَلْ (فلسطين) في كفِّ الصّهايينِ
.
عارٌ علينا تذِلُّ (القُدسَ) شِرْذِمَةٌ
ونحنُ ـ يا قهْرَ قلبي ـ بالملايينِ
.
فلو وَثَبْنا بإيمانٍ وتضحيةٍ؛
كُنَّا سنُرجعُها.. لو بالسّكاكينِ!!
.
لكنّنا خلفَ ذي الدُّنيا ولذّتِها
تُهنَا، فصِرْنا بلا دُنيا ولا دينِ
.
وَلَّتْ فتوحاتُنا.. خارَتْ عزائمُنا
يا صمتَ قَوْمي.. ويا ذُلَّ السَّلاطينِ!!
.
كأنَّ راياتِنا الغرَّاءَ ما ارتَفَعَتْ
في (السِّنْد) و(الهِنْد) و(القوقاز) و(الصينِ)!!
.
نُبدي المودّةَ فيما بيننا كذِبًا
وفي قرَارَتِنا سُمُّ الثّعابينِ
.
يا ليتني كُنتُ في (طولكرمَ) مئذَنةً
وفي (جِنينَ) و(يافا) غُصنَ زيتونِ
.
أو كُنتُ ـ مِن عهد (عيسى) ـ ديرَ راهبةٍ
في (بيت لحمَ) مِنَ الأخشاب والطِّينِ
.
وفي حدائقِ (رامَ الله) قُبَّرةً
تشدو بألحانها فوق الأفانينِ
.
أو في (الخليل) عناقيدَ الكُروم، وفي
(قِطاع غزةَ) غاباتٍ مِنَ التِّينِ
.
أو كان جِلْدي جلابيبًا بِـ (نابِلِسٍ)
يَقي المُسِنِّينَ مِنْ بَرْدِ (الكوانينِ)
.
أو كُنتُ شالًا على كَفَّيّ أرمَلَةٍ
بِي تمْسَحُ الدَّمْعَ بينَ الحِينِ والحينِ
.
وفي (أريحا) قناديلًا مُعَلَّقةً
على البُيوتِ وحِيْطانِ الدَّكاكينِ
.
لو الطّريقُ إلى الأقصى سيوصِلُني
ما كاد هذا الجَوى والشَّوْقُ يفنيني!
.
ولا اعْتَراني أسى (نوح) وخامَرَني
مِنْ حُزْنِ (يعقوب) أو مِنْ كَربِ (ذي النُّونِ)
.
أموتُ يـا(اْبْني) وفي نفسي لها ظمَأٌ
من سوف يُطْفِئُ نيراني ويرويني؟!
.
حُلْمي أشُمُّ عبيرًا مِن أزقتها
أو املَأُ العينَ مِنْ روضِ البساتينِ
.
أعانقُ الشَّعْبَ.. شعبَ الصبرِ يا ولدي
شعبَ البطولاتِ في كلِّ الميادينِ
.
لا شيءَ في الأرض ـ بعدَ الله أخلَدُـ مِنْ
"حُبِّ اليَمَانِيْنَ للشَّعْبِ الفلسطيني"!!
.
رائد جراجر