إنَّ الزّمانَ قـدِ اسْـتبـاحَ عـُروبَتي … وَتكــالبتْ فـي أرْضنــا الأنيــابُ
وتعاظمَتْ مِنْ حولِنــا بعْـدَ الأسَى … وتشـرَّعَتْ مِنْ بُؤسِــنا الأبْـوابُ
وتنــاحَرَتْ أطيـافـُنــا مـِنْ جَهْلِهـا … وتهجـَّـرَتْ عَنْ دارِهـا الأحْبــابُ
وتـــآمــَرَتْ أجْســـادُنا فـي عِلـَّــةٍ … طال الفـراقُ بأرضنـا وغيــــابُ 
فتنهَّــدَتْ أجـْراسـُـنا فــي وَحْشَـةٍ … لنْ يَهتَدي مِـنْ كفـْرِنا المِحْـرابُ 
أقمارُنا صارَتْ ظلاماً في الهَـوى … ما عــادَ فيهــا أنْجـُــمٌ وَشـِهـابُ 
حتَّى المَعاني أرْهِقَـتْ فـي غَفـْلـَةٍ … نَحْوَ الجَفـاءِ سَتَنـْجـَلي وَتُصـابُ
رَسَـمَتْ ظلِالَ الـــدارِ مِنــّا طيْفَنـا … وَتَنــافَرَتْ مــِنْ بَيْنِنــا الأقـْطـابُ
غابَتْ نُجُومُ الدّارِ، صارَتْ ظـُلْمَةً … وَحَمــائِــمٌ مِـنْ عُشـِّها، وَشـَبابُ
فتنـاثــَرَتْ أشـْلاؤُنا مـِنْ وَهْنِهــا … لم يبْعِـدِ المَحْذورَ عنــه حِجـــابُ
والقـَلْبُ مِنـّا ألـْفَ جُرْحٍ يَكْتـَوي … وَعَواطِفُ التِّحنـانِ فيــهِ سَـرابُ
كُلُّ الشـَّوارِعِ والبُيُـوتِ تَناثـَـرَتْ … وصَوامِعُ الأحْبابِ فيهــا خـَـرابُ
قـُـلْ لـي بِرَبـِّكَ: أيُّ بيـْتٍ آمـِـــنٌ … بـَلْ كُلـُّنـا نحـْوَ المَصيـــرِ يـُـذابُ
كلُّ النُّفوسِ إلى المَهالكِ قدْ هَوَتْ … صفحاتها شـوك أتى، وعـــذاب
سَجِّلْ عَلى ظَهْـرِ الزَّمانِ حِكايَتي … الحـَرْفُ مِـنْ سيْلِ الدُّموعِ كِتابُ
قدْ أرْهَقـُوا أنـْظـارَنـا في حَسْـرَةٍ … قــدْ أقْــدَمَـتْ أنْيــابُهُم وَحـَــرابُ
وتنـافـَسَ الأبْنـاءُ هَجـْراً، غُرْبـَـةً … سَـكَنَ الغـَــريبُ دِيــارَنا وَغـُرابُ
نحــنُ التَّوابـِـعُ، فلنُجـَـرُّ لـِمَذْبـَـحٍ … السَّــيْفُ يَشـْـكُو أمـْـرَنا وَحِـرابُ
وتــأنَّثتْ أوْطــانُنا مـِنْ عَجــْزِهـا … من خيبــة العميـاء فينـــا ثِيـــابُ …
وتـَزَيَّنـُوا مِثْلَ النِّسـاءِ بِوَصْفِهِــمْ … مـَلَّ الـوِشـــاحُ مَـــروءةً وَنِقــاب
مســتورَدٌ هـــُوَ قلبُنـا وضميــرُنا … قـد أرهِقــتْ مـــن فعلنـا الأسْبابُ
أيـن العـراق، وأين عــزة شـامِنا … كيـْفَ السَّعيدُ إلـى الخِنـاقِ خرابُ؟
أينَ المَسيرُ؟ وأيُّ قُـدْسٍ نرْتَجي … كُـلُّ الدُّروبِ مِنَ السُّـكوتِ صِعـابُ
كُلُّ العِصِـيِّ تَمَنَّعَتْ، لــمْ تَجْتَمِـعْ … حتــى الحُـــروفُ تقهْقُــرٌ وغِيــابُ
كُلُّ البِلادِ إلى الخنـــوع فهرْوَلَتْ … القَـتْـــلُ فينـــــا مَسْـلَكٌ وجــــوابُ َ 
فتجـرَّعَتْ أوْطانُنـا طَيـْفَ الـدِّمـا … إنَّ المَنـــايـــــا غـــايَــةٌ وَطِــــلابُ 
عشــرونَ هَمّـاً أوْ يَزيدُ حـُدُودُنا … عُشْرونَ إسْماً في الحُضُورِ سَرابُ 
راياتـُنا حَجَبتْ ضِياءً في السَّـما … ألـوانُهــا طـعْــمُ الأسَـى وَشـَــرابُ 
حَتّى القـَرارُ مِنَ الغَريبِ صِياغَةً … دَرْبُ المَســارِ تَقـَهـْقـُــرٌ وإيــــابُ
أحْصَيْتُ أنْفاسَ العُروبَةِ، فعْلَهُـمْ … لكنَّهـمْ عِنـْـدَ الحُضـــورِ غِـيـــــابُ 
نَصَبُوا المَلامـَةَ ثُمَّ ناحـُوا فُرْقـَـةً … دَمْعُ النـَّدامـَـةِ حَنـْظـَـلٌ وَصِعـــابُ
زلاتـُنا أخَذَتْ بِنـــا نَحـْـوَ الـوَرَى … بَحْرُ الدِّمــاءِ مَصيـــرُنا وَعِقـــابُ
سَيْفُ الغَريبِ قـَدِ اسْـتباحَ دِيارَنا … نـارَ اللهيـبِ إلـى الجَحيــمِ مَـــآبُ
حَصَدُوا السَّنابِلَ، كُلَّ خَيْرٍ حَوْلـْنا … إنَّ السَّـــنـابِلِ ألســــن ورقـــــابُ
إنَّ العـَـدِوَّ قـَـدِ اسْـتَبـاحَ دِمــاءَنا … إنَّ العَـــــدُوَّ ثـَعـــالِــبٌ وَذِئــــــابُ 
مَنَحـُوا البـِلادَ تَعَصُّبــاً، أوْ فتنــة … رُكـْــنُ الفـُـــؤادِ ضَغينـةٌ وَخـَـرابُ
لا يَهْـتَدي شَعْبُ العـُـرُوبَةِ دَرْبـَـهُ … لمْ يَعْـرِفِ الأنفــاسَ فيـهِ صـَـوابُ
إنَّ الـقـُلوبَ إذا اسْــتَكـانتْ ذِلـَّــةً … وتــَرَوَّضـتْ فـي جَهْلِهـا الألـْبــابُ
تبْقى القُلوبُ قَســاوَةً جلمودهـــا … والــرُّوحُ مِنْهـا بالخُنـُوعِ تُصــابُ
كيْفَ التَّنـاغُمُ إخـْوَتي في وِحْــدَةٍ … إنَّ التــّـآلـُفَ كِـذْبـَـــــةً وَضَـبـــابُ
لِمَنِ المَلامَةُ يـا شـُعُوباً أعْـدِمَتْ؟ … نَبْضُ الحُروفِ مِنَ الحُروفِ عِتابُ
لا تَرْسُمُوا لَوْنَ السّـَكينةِ مَنْهَجـاً … نَحْنُ الشـَّـبابُ إلـى الدِّيــارِ شِـهابُ
نَحْـنُ الشَّـبابُ سـَبيلـُنا مِـنْ خالِـدٍ … مِــنْ عـِـزَّةِ الإسْــلامِ جـاءَ جـَـوابُ
فلتَعْزِفـُوا أنْشــودَةً نَحـْــوَ الحِمَى … هـذا التــُّـرابُ وِسـامُنا وَخِضـــابُ
هذا التــُّرابُ وَكــَمْ شـَهيداً يَعْتَلي … وَطـَـنُ العـُرُوبـَةِ وِحـْـدَةٌ وَخِطـابُ
فَلتهْجُرُوا حَرْفَ الخِلافِ وراءَكُمْ … وَلـْتَصْعَـدُوا نَحْـوَ النُّجـومِ رِكـابُ
هُبـُّوُا إلى العَلـْياءِ، كُونُوا عُصْبَةً … وتَآلفـُـوا نَحـْـوَ الحِمَـى وَتَحـابُّوا 
فلتَـزْرَعِ التّاريـخَ واحْصُـدْ خَيـْرَهُ … كمْ مِنْ شُـعُوبٍ حَـوْلـَنـا قَدْ ذابـُوا 
كمْ مِنْ جـُذوعٍ وَحـَّـدَتْ أغْصانَها … كَمْ مِنْ شُعُوبٍ في العُلا قدْ جابُوا
بَعْــدَ التَّعَـصُّـبِ وَحـَّـدُوا أرْكانَهــا … داسُوا التَّخَلـُّفِ عِصْمَةً، أوْ تابُوا
كمْ مِنْ شُعُوبٍ أغرِقَتْ أوْ أحْرِقَتْ … دَرْبُ الخِلافِ حَصادُهُمْ قدْ خابُوا
الدّيــنُ والقـُـــرآنُ فينـــا جـامِــعٌ … ولســاننـــا العــــربـي والأنـساب 
يـا مــن حبانــا الله أوفــى نعمــة … خَيْرُ الشُّـعُوبِ وَتَنْحـني الألقــابُ
درب المتــاهة ينجـلي من أرضنا … جمــر الضغينــة ينطـفي ويـذاب
__________________
موسى أبو غليون