فــي أرذَلِ الـعُمْرِ لا مـالٌ ولا وَلَـدُ
ولا أنــيـسٌ ولا صَـحْـبٌ ولا سَـنَـدُ
دعني أُجدِّفُ صَوبَ القُطْبِ أَسكُنُ في
تـلـك الـزوابعِ يـنساني بـها الأمَـدُ
فـليس لـي أمـلُ العُشَّاقِ، هل أمَلٌ
لـمـنْ هـو الآنَ مـعزولٌ ومُـنفرِدُ؟
وهـل أرى راحـةً فـي غـربةٍ نهشَتْ
حـتى عِظامي؟ وأنَّى الصبرُ والجلَدُ؟
لا لـيس مـن راحـةٍ فـي غيرِ قريتِنا
ودونـمـا عَـيـنِ مــاءٍ عـنـدَها نَـرِدُ
أيـن الصباحاتُ والجيرانُ؟ أين همو؟
لَـكَمْ سَـعِدْنا بـلُقياهمْ وكـم سـعِدُوا
حـتى الـحكايةُ والأسـمارُ قـد قُتِلَتْ
ونــابَ عـنـها اكـتـئاباتٌ لـها عُـقَدُ
شـاهَتْ مَـناظرُنا الـخضراءُ واندثرَتْ
وحَـلَّـتِ الـنـكبةُ الـعـمياءُ والـرَّمَـدُ
فـي كـلِّ وادٍ غـريبٍ صـارَ مَـلجَؤُنا
ومــانـزالَ عـلـى أشـواكِـهِ نَـفِـدُ
حـتى الـصقيعُ وأرضُ الـثلجِ تـعرِفُنا
فـقد دَفَـنَّا بـها الأطـفالَ إذْ جَـمُدُوا
وأَنـهـكتْنا الـخيامُ الـسُّودُ فـي بـلَدٍ
صِـرْنـا بـأضـيقِ رُكْـنٍ فـيهِ نَـحتشِدُ
ومَــلَّ مـنّا طـريقُ الـبحرِ فـالتهمَتْ
حِـيـتانُهُ حُـلْـمَنا والـمـوجُ والـزَّبَـدُ
لـم يـبقَ مـن بُـقعةٍ مَـنفِيَّةٍ هُـمِلَتْ
إِلّا سَـكَـنَّـا بــهـا أو زارَهــا أحَــدُ
عِـشرونَ مِـليونَ سـوريٍّ ولا وطَـنٌ
وضـاقَـتِ الـناسُ والأنـفاسُ والـبلَدُ
تـزلـزَلَ الـحبُّ والأخـلاقُ فـاحترقَتْ
أمُّ الـحـضاراتِ لـم يـسلَمْ بـها ولَـدُ
ويـحَ الـحروفِ بأرضِ الشامِ، ويحَ يَدٍ
تـخُطُّ حـرفًا فـغاصَتْ فـي دِمـاهُ يَدُ
لـيس الـمصيبةُ فـي صـحراءَ تاهَ بها
بـعضُ الـرجالِ فـلا عادوا ولا وُجِدُوا
ولا الـمصيبةُ فـي أنَّ الـذئابَ عَـدَتْ
أو أنَّــهُ غـالـها لـمّـا عَــدَتْ أُسُـدُ
ولا الـمصيبةُ فـي سَـهْمٍ يَطيشُ، ولا
فـي كـفِّ أَخرَقَ في التسديدِ يرتَعِدُ
إنَّ الـمـصـيبةَ أنَّ الـمـوتَ مُـجـتَهِدٌ
فـالكلُّ يَـهلِكُ: مَن شابوا ومَن وُلِدُوا
إنَّ الـفـواجِعَ أعـمَتْ كـلَّ ذي بـصَرٍ
فـلا يـكادُ يـرَى الـمفقودُ مَن فُقِدُوا
لـكـنَّما عـاصِـفُ الإعـصـارِ مُـقتَرِبٌ
تـفنَى الـخيامُ وتـفنَى الـريحُ والوَتَدُ
إنِّـــي لَأَعـلَـمُ أنْ لا جــارَ يُـعـجِبُهُ
شِـعـري الـقـبيحُ وأنَّ الـكلَّ مُـنتقِدُ
**
‫محمود عمر خيتي‬