أَعْياَ العُيُونَ تَرَقُّبُ الفَجْرِ 
فَمَتَى يُطِلُّ عَلَيَّ لَا أَدْرِي
وَأَظُنُّهُ مِثْلِيْ بِغَيْرِ هُدَىً 
مُتَعَثِّرَاً فِيْ ظُلْمَةِ العُمْرِ
قَدْ ضَيَّعَ العُنْوَانَ مِنْ يَدِهِ 
فَمَضَى بِغَيْرِ طَرِيقِهِ يَجْرِي
وَكَأَنَّمَا النَّجْمَاتُ أَدْمُعُهُ 
نُثِرَتْ فَهَزَّتْ مُهْجَةَ الصَّخْرِ
وَالأُفْقُ قَدْ لَبِسَ الحِدَادَ عَلَى 
نُورِ الصَّبَاح ِ وَغَيْبَةِ الفَجْرِ
لَكِنَّنِيْ ضُيِّعْتُ فِيْ وَطَنِيْ 
وَرَحَلْتُ مِنْ شَرٍّ إِلَى شَرِّ
وَجُزِيتُ أَشْوَاكَاً عَلَى ثَمَرِيْ 
وَرُمِيتُ أَحْجَاراً عَلَى دُرِّيْ
لَكِنَّنِيْ مَا زِلْتُ مُحْتَضِنَاً 
شَمَمِيْ أَلُوذُ بِحِكْمَةِ الصَّبْر
رَأْسِيْ لِغَيْرِ اللهِ جَبْهَتُهُ 
لَمْ تَهْوِ رَغْمَ مَرَارَةِ الفَقْرِ
وَالنَّفْسُ لَمْ يَجْنَحْ بِهَا طَمَعٌ 
هِيَ لَمْ تَبِعْ يَوْمَاً وَلَمْ تَشْرِ
جَلَسَتْ عَلَى عَرْشِ الرِّضَا مَلِكَاً 
فَزَهَتْ بِتَاجِ العِزِّ وَالكِبْرِ
وَضَعَتْ عَلَى خَدِّ السُّهَا قَدَمَاً 
أَعْيَتْ عُيُونَ الشَّمْسِ وَالبَدْرِ
وَلَكَمْ نَزَلْتُ بِمَوْضِعٍ شَرَفَاً 
أَدْمَى فُؤَادَ الأَنْجُم ِ الزُّهْرِ
إنْ يُنْكِرُوا فَضْلِيْ فَكَمْ خَفِيَتْ 
شَمْسٌ عَنِ العُمْيانِ فِيْ الظُّهْرِ
وَلَسَوْفَ أنْشِدُ لِلْحَيَاةِ وَمَا 
فِيهَا مِنَ الأَشْذَاءِ وَالزَّهْرِ
وَأُحَارِبُ التَّزْييفَ حَيْثُ أَرَى 
آثَارَهُ فِيْ السِّرِ وَالجَهْرِ
أَجْتَثُ شَأْفَتَهُ وَطُغْمَتَهُ 
بِسَنَا الحُرُوفِ وَنَفْحَةِ الشِّعْرِ
شِعْرِيْ جَرَى كَالنَّهْرِ مُنْدَفِعَاً 
مَنْ يَسْتَطِيعُ إِعَاقَةَ النَّهْرِ
بَلْ إِنَّهُ البَحْرُ الخِضَمُّ وَمَنْ 
يَسْطِيعُ ثَنْيَ عَوَاصِفِ البَحْرِ
إِنْ يَكْتِمُوا صَوْتِيْ فَإِنَّ صَدَى 
صَوْتِيْ يَرِنُّ بِمَسْمَعِ الدَّهْرِ
وَهِمُوا فَظَنُّوا الطَّيْرَ وَاحِدَةً 
كَمْ بَيْنَ لَحْمِ الفِرِّ وَالصَّقْرِ
مَا طَابَ لَحْمِيْ عِنْدَ آكِلِهِ 
وَلَكمْ شَكَا مِنْ طَعْمِهِ المُرِّ
هَذِيْ حُرُوفِيْ جَمْرَةٌ وَأَرَى 
بِالرِّيحِ تُذْكَى شُعْلَةُ الجَمْرِ
وَلَسَوْفَ أَبْقَى مَا حَييتُ كَمَا 
قَدْ كُنْتُ فِيْ عُسْرِيْ وَفِيْ يُسْرِي
سَأَظَلُّ كَالأطْواَدِ شَامِخَةً 
حَتَّى أُوَارَى فِيْ ثَرَى قَبْرِي
شعر : سعيد يعقوب