سئمتُ العيش في مدنِ الخرابِ
ذئابٌ تقتفي أثر الذئابِ
أفاعٍ خلف أقنعةٍ توارتْ
تَدسّ السمّ في جسدِ الغيابِ
فإن أغلقتَ بابكَ في سلامٍ
سيأتيكَ الأسى من ألف بابِ
عواصم تلتقينا في غرورٍ
و تمعنُ في التجنّي و العتابِ
تُحاورها بمنطقِ ألف عقلٍ
فتلقى كلّ أنواع السبابِ
تطوفُ بليلها كلّ الخطايا
و تخفي عهرها تحت النقابِ
حكايا العشق فيها من خيالٍ
و بحر الحب فيها من سرابِ
تتوه العين في كلّ النواحي
تفتشُ عن هوىً بين القحابِ
حياة ليس فيها أي طعمٍ
مُــلوثة بكــثبان الضــبابِ
أرى من فوقها ما قيل شهد
و حول الشهد أسراب الذبابِ
**********
هنا بين الملوّعِ بالغواني
و ما بين المخنّث و الوهابي
و ما بين المقاتل في سريرٍ
و بين مسالم رثّ الثيابِ
ستسمعُ عن مفاتنها فتاةُ
عطاياها تجيء بلا حسابِ
يموت الفقر فيها في ثوان
و يشرب ناسها شهد الرضابِ
و يركب أهلها في كلّ يومٍ
بساط الريحِ من فوق القبابِ
فتأتيها لتبحثَ عن رغيفٍ
فينهشُ فقرها جوع الكلابِ
يراودها الخسيسُ بلا حياءٍ
و يأكل لحمها مثل الكبابِ
فتستر عارها في قبو ليلٍ
فيفضحُ عريها عود الثقابِ
و يأتيها بشوق من بعيدٍ
رجالٌ هدّهم عيش العذابِ
فتأكلهمْ طواحين الرزايا
و ينعقُ خلفهم شؤم الغرابِ
*********
و يسألني عن الأحوال قلبي
و ما للقلبِ عندي من جوابِ
يضيع العمر في مدٍ و جزرٍ
و ريح الموت تصرخ خلف بابي
أنا ما بين خوفي و احتراقي
أنا ما بين بعدي و اقترابي
ستجتمع المواجع في ضلوعي
و حزن القلبِ مُكْتمل النصابِ
أنا لا فرق عندي بين موتٍ
و بين حياتكمْ فوق الترابِ
أنا أدركت ما يخفي زماني
و أعرف ما توارى في المخابي
فكم من هزةٍ هدمتْ قلاعي
و كم من غارةٍ دكّتْ هضابي
أنا ما كنتُ شيخاً في حياتي
و لستُ بناسكٍ لا أو صحابي
أنا بالرغمِ من عيشٍ براني
أنا قد عشتُ حراً لا أحابي
و في كنزِ المدينة رغم فقري
أنا ما طار عقلي أو صوابي
أنا في كل أرضٍ عشتُ حزني
أنا في أرضكمْ زاد اغترابي
أنا جربتُ عجزي في دناكمْ
و أعلنتُ اندحاري و انسحابي
____________
مؤيد الشايب